الميدان السوري.. حلب أولاً
نظام مارديني
سيشكل اللقاء العملي البعيد عن البروتوكول ، الذي جمع الرئيس بشار الأسد ووزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، نقطة تحوّل في التنسيق الميداني بين دمشق وموسكو، وهو يُعيد من جديد تأكيد الأولويات وتحديد النقاط التي سيتم الانطلاق منها، بدءاً باستعادة مدينة حلب وأريافها بالكامل من قبضة الجماعات الإرهابية. وهذا اللقاء أتى بعد «هدنات» كانت قد قررتها روسيا ما أحدث ارتباكاً في جبهة حلب التي كانت سائرة بخطى كبيرة نحو اعتبارها مدينة آمنة، خصوصاً أن هذه «الهدنات» خُرقت بعدما شكلت حافزاً كبيراً لكل من تركيا والسعودية في دفع أعداد كبيرة من شذاذ الآفاق من الإرهابيين عبر الحدود للانقضاض على الجيش السوري وحلفائه.
ولكن لقاء دمشق جاء بعد تحوّلات عديدة لعل أهمها:
أولاً، لقاء وزراء دفاع كل من سورية وروسيا وإيران في طهران.
ثانياً، دعوات موسكو المتكررة لواشنطن لفصل ما تسميه الأخيرة بـ «المعارضة المعتدلة» عن مواقع تواجد «النصرة» الإرهابية.
ثالثاً، الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه في مناطق الطبقة استعداداً لحصار «داعش» في الرقة قبل اقتحامها وتحرير سكانها من قبضة وإجرام هذا التنظيم الإرهابي.
وبعيداً عن تحليلات بعض السياسيين الذين لا يفرقون «بين الخيار الاستراتيجي والخيار باللبن» على حد الشاعر محمد الماغوط، «يبدو أن ديناميكية الميدان السوري ومستجدّاته العسكرية ستسير بوتيرة أسرع مما مضى، وهذه الديناميكية السريعة للميدان السوري كانت قد بدأت مع تحرير مدينة تدمر السورية، الهامة استراتيجياً بصفتها نقطة الوصل بين البادية السورية والعراقية، والتي تُعدّ قلب الجغرافيا لكلتا الدولتين. وقد أعطت استعادة هذه المدينة الأثرية وتخومها منصة للارتكاز والتمهيد لعودة الدولة بكامل مقوّماتها إلى كبرى المدن التي تحاصرها التنظيمات الإرهابية من «نصرة» و «جيش فتح» وغيرهما حتى الآن، وهي كمدينة حلب، ودير الزور والرقة. ولا ننسى هنا أهمية استعادة مناطق في ريف اللاذقية المطلة على لواء اسكندرون السليب في الأيام الماضية.
لن ننطلق في قراءتنا هذه من الكلام العاطفي، رغم أنه ضرورة للولوج إلى توصيف الوقائع الميدانية لارتباط الميدان بعوامل الانتصار التي ترتكز على المبادئ والقناعات والاستعداد للتضحية والثبات، وغيرها من مصطلحات منظومة القيم التي تعتبر العامل الأساسي في صناعة الانتصارات.
يعلم الأميركيون، كما الأوروبيون، أن من اصل 100 ألف مقاتل في سورية، تمسك الاستخبارات التركية، وبتمويل خليجي لا حدود لسخائه، ولا حدود لغبائه، بـ99 ألفاً منهم، أي أنها تُمسك بالحرب السورية من كل جوانبها، ولذلك كسر الإرهاب يعني أن السلطان العثماني وحصانه سيكبوان، رغم أن الأميركيين، وعرب الخليج، والصهاينة، والأوروبيين، تواطأوا جميعاً مع أردوغان لتقويض الدولة السورية، ودائماً بذلك المال الخليجي الهائل الذي قال محمد حسنين هيكل عنه إنه «يستعمل شعيراً لحصان السلطان».
لاحظوا كيف تغيّر وجه أردوغان حين وصلت «وحدات حماية الشعب»، كما الجيش السوري إلى الحدود التي رسمها الانتداب الفرنسي. منذ البداية كان يفترض أن يدرك الأتراك أن سورية، سورية كلها، خط أحمر. لن يكون باستطاعة أردوغان وعربانه من الخليج أن يقيموا ولايات على الأرض السورية والعراقية حتى المتوسط.
اليوم، هو يوم آخر. صدمة أردوغان ستكون لها تداعيات ليس أقلّها حلم أردوغان بأن يمد يده لمصافحة الأسد، ولكن بعد إعلان التوبة عن تآمره وجرائمه في «سوراقيا» !!