صراع جديد في سورية عنوانه الأطلسي ـ روسيا
جمال الكندي
بعد دخول الأزمة السورية عامها السادس، تغيّرت خارطة الوجود العسكري في الجغرافية السورية بالنسبة للجيش السوري والجماعات المسلحة، فبعد أن كان الصراع العسكري مقتصراً على الجماعات المسلحة بكافة أسمائها وانتماءاتها، ومع الجيش السوري ظهر مكوّن آخر يقاتل داعش حصراً ومدعوماً من أميركا والغرب وله أجندته الخاصة، وأقصد هنا «قوات سورية الديمقراطية» ذات الغالبية الكردية والتي اصبحت ذراع حلف شمال الأطلسي في سورية.
هذا الخليط الكبير من الوجود المسلح في سورية، عقد المسألة السياسية والعسكرية بسبب تنوّع الداعمين واختلاف رؤيتهم السياسية لسورية الجديدة، فالمهمّ عند الغرب هو ضرب الوحدة الوطنية السورية وإيجاد خرق للهيمنة على القرار السيادي لسورية، وجعلها كبعض دول المنطقة تتجاذبها كتل سياسية مدعومة من دول شتى ذات أجندات خاصة.
ففي ظلّ وجود «قوات سورية الديمقراطية» ظهر صراع جديد في الساحة السورية عنوانه الأطلسي روسيا، ويسعى كلّ طرف في قطبي هذا الصراع إلى أن يسبق الآخر بتحرير أكبر رقعة ممكنة من الأراضي السورية التي تحت سيطرة «داعش» في شمال وشرق سورية، مع وجود المسلحين الذين تسمّيهم أميركا بالمعتدلين والمدعومين من تركيا وبعض دول الخليج والمختلطين إنْ صحّ التعبير بـ»جبهة النصرة».
لذا أصبحت سورية اليوم ساحة صراع غير معلنة بين الجيش السوري وحلفائه الروس والإيرانيين والمقاومة اللبنانية، وبين الأميركان والغرب وأداتهم على الأرض والمتمثلة في «قوات سورية الديمقراطية»، التي تلقى العون والمساعدة من قبل حلف الأطلسي وتحاول إيجاد مساحة في الجغرافية السورية لجعل مسألة تقسيم سورية أمراً واقعاً وملموساً وليس حبراً على ورق، وما إعلانها نيّة تحرير الرقة إلا لخلق واقع جديد اسمه فدرالية سورية كأمر واقع، خاصة بعد أن قال زعيمها أنّه في حالة تحرير الرقة فإنّ «قوات سورية الديمقراطية» لن تسلّم الرقة إلى النظام السوري بل أنّها ستكون من ضمن نظام الفدرالية التي يبشر بها زعماؤهم السياسيون. لذلك بادر الجيش إلى إعلان معركة تحرير الرقة وريفها لقطع الطريق على آمال الحلف الأطلسي الجديد في تقسيم سورية.
ففي سورية هنالك ثلاثة مشاريع، وفي كلّ مشروع هنالك داعم ومنظر له، المشروع الأول الذي أسمّيه مشروع السيادة الوطنية أو المشروع الوطني وهو في ايجاد توافق مبدئي بين الحكومة السورية والمعارضة الوطنية الغير مرهونة للخارج، والتي تنادي بالوحدة الوطنية وبسيادة الأراضي السورية، وفي توحيد السوريين تحت بند محاربة الإرهاب وإعمار البلد، ويحمل لواء هذا المشروع الحكومة السورية والمعارضة الغير مسلحة أو معارضة الداخل ومعارضة موسكو والقاهرة كما تسمّى.
المشروع الثاني وهو تحت قيادة الحلف الأطلسي ويحمل رايته الأميركي وأداته على الأرض اليوم هي «قوات سورية الدمقراطية» التي تقاتل داعش فقط، ولا تتصادم مع المسلحين المدعومين من تركيا والخليج ولا مع الجيش السوري، ومن يحمل هذا المشروع يحاول أن يوجد جيش يقابل الجيش السوري معترف فيه دولياً يحارب الإرهاب الداعشي في المقام الأول ليحصل على مغانم سياسية بعد انتهاء العمليات العسكرية ومن خلال هذه المغانم السياسية يدخل في سيادة القرار السوري لمصلحة من يموّله ويدعمه، وأعني بذلك أن يكون في الحكومة السورية القادمة صوت غربي أطلسي أميركي ينازع الصوت الوطني السوري، وهذه نوع من أنواع المحاصصة السياسية التي تحاول أميركا عبر دعم «قوات سورية الديمقراطية» والذي عموده الفقري هم الأكراد بأن تجد لها موطئ قدم في سورية ما بعد الحرب، عن طريق وزراء في الحكومة السورية الجديدة يحملون الولاء للغرب ولسياسة الغربية في المنطقة، من هنا نفهم سرعة توجه الجيش السوري وحلفائه إلى الرقة وريفها من أجل كسر كما قلنا مشروع الأطلسي في سورية.
المشروع الثالث هو مشروع تركيا في سورية وهو عبر دعم الجماعات المسلحة من «أحرار الشام» و«جيش الفتح» وغيرهم والسيطرة على كامل حلب وإرغام الحكومة السورية على قبول رؤية معارضة الرياض للحكومة المقبلة التي هي عبارة عن تسليم سورية إلى معارضة الخارج وخروج الرئيس الأسد من المشهد السياسي المقبل، وعدم القبول بحكومة التوافق الوطني وإيجاد بديل عنها بحكومة انتقالية لها صلاحيات كاملة مكونة من معارضة الخارج ومن المسلحين، ومن أجل كسر هذا المشروع إيضاً كان اللقاء بين وزراء دفاع سورية وروسيا وإيران من أجل الإعداد لمعركة حلب الكبرى وإغلاق الحدود مع تركيا وتحرير حلب ريفاً ومدينةً.
الجيش السوري وحلفاؤه أمامهم بجانب معركة حلب معركة الرقة ودير الزور والتي تحظى بموافقة دولية كون العدو هو داعش ونتائجه الإيجابية سوف تنسحب سياسية في المفاوضات المقبلة مع المعارضة السورية، ومعركة الرقة هي معركة إنهاء مشروع الفدرالية التي أعلنت عنها «قوات سورية الديمقراطية»، أما معركة حلب فهي لكسر مشروع أردوغان الطامع لسيطرة على عاصمة سورية الإقتصادية وتمكين المسلحين فيها وفرض أجندة معارضة الرياض في مفاوضات جنيف المقبلة، والميدان العسكري في الجبهتين وهو وحده الكفيل ببلورة ماذا سيحصل في المفاوضات المقبلة بين الحكومة السورية والمعارضة بكافة انتماءاتها، وليس لدى المتابع للشأن السوري غير الانتظار لما سوف ينتج عنه الميدان العسكري في المقبل من الأيام.