مَن يرفض المثليين الدين أم المجتمع؟
جودي يعقوب
انصبّ مؤخراً اهتمام وسائل الإعلام الأميركية في طرح احتمالات عما كان يدور في خلد الشاب الأفغاني الأصل الذي يُدعى عمر متين ويبلغ من العمر 29 عاماً، وهو أميركي الجنسية بينما والداه مولودان في أفغانستان، حيث ولد عمر في نيويورك عام 1986 وانتقل مع عائلته لاحقاً إلى فلوريدا، حيث درس الحقوق في جامعة «انديان ريفر» في الولاية نفسها، حيث اقتحم النادي الليلي للمثليين في مدينة اورلاندو التابعة لولاية فلوريدا حاملاً رشاشاً ومسدساً وأطلق النار بشكل عشوائي أسفر عن مقتل ما لا يقلّ عن 50 شخصاً وجرح وتشويه 53 شخصاً آخر، في أعنف حادث إطلاق نار عرفته أكبر دولة في العالم منذ هجمات 11 أيلول 2001 بواشنطن ونيويورك يرتكبها شخص بمفرده في أحد ملاهيها الليلية، والتي عدّت من أسوأ الهجمات في تاريخ الولايات المتحدة، وكان داخل الملهى أثناء الحادث نحو 350 شخصاً للمشاركة في احتفالات للمثليين تستمرّ أسبوعاً، والى اليوم ما زالت الماكينة الإعلامية مشغولة بكشف تفاصيل حياة «جزار اورلاندو» ونبش ماضيه.
حيث عرف على انه كان كارهاً كبيراً لمثليّي الجنس ولم يكن يتحمّل رؤيتهم، لذا استهدفهم بالذات في نادٍ ليلي يرتادونه بعد أن احتجز مجموعة من الرهائن، وذلك بعد أن أصابته نوبة غضب شديد حين رأى شابين من المثليّين يتبادلان القبل في مدينة ميامي أمام أعين زوجته وابنه، وربما منذ ذلك اليوم قرّر عمر القيام بعمل ما ضدّهم تجسّد بالمقتلة الجماعية التي ارتكبها، والتي أدّت إلى قتله من قبل قوات الأمن عندما اقتحم الضباط المبنى في ختام هذه المأساة الأميركية.
في حين جاء إعلان مكتب التحقيقات الفدرالي «اف بي اي» بأنّ المهاجم متعاطف مع تنظيم «داعش» المتطرف، لأنه كان قد أجرى اتصالات بـ بخدمة الطوارئ 911 صباح الحادثة وأعلن فيها مبايعته للتنظيم، قبل الهجوم الذي تبناه التنظيم بنفسه في ما بعد، والذي بيّن أن متين كان يعتنق الفكر التكفيري وانّ جريمته ليست بعيدة عن التنظيمات الإرهابية.
والغريب في الأمر أنّ متين المنتمي إلى بورت سانت لوسي الواقعة في فلوريدا ليس لديه أيّ سجل إجرامي بحسب وسائل إعلام أميركية، بالرغم من انه ارتكب بعض التجاوزات في السابق، ولكنه كان تحت الرقابة الأمنية لمدة 5 سنوات، حيث اخضع في عامي 2013 و 2014 لتحقيقين لمعرفة ما إذا كان على علاقة بمتشدّدين أم لا، كما سبق أن استجوبته الشرطة الفدرالية للاشتباه في علاقته بالتطرف الإسلامي، ولكن دون توجيه اتهامات، وكان أيضاً على قائمة المراقبة للأشخاص المشتبه في تعاطفهم مع «داعش، لكنه لم يعتقل وبقي سجله القضائي نظيفاً.
وكان عمر يعمل كحارس أمن خاص منذ عام 2007 في مبنى شركة «جي 4 اس»، والتي تعدّ أكبر شركة أمنية في العالم ما سمح له بالحصول على رخصة حيازة سلاح في إطار عمله، واستخدم متين في عمليته بندقية ومسدساً، وبالسلاحين راح يطلق النار على مَن احتجزهم في الملهى واتصل بالشرطة خلال محاصرتها موقع الهجوم معلناً الولاء لتنظيم داعش قبل أن ترديه الشرطة برصاصها قتيلاً في معركة عند الفجر.
ولكن بعض تفاصيل حياته حملت مفاجآت عدة زادت من حالات الجدل وراء عمله الإجرامي هذا، حيث ثبت بأنه كان في زيارة السعودية، كما أشار سجل تنقله إلى أنه زار الإمارات العربية المتحدة في إحدى رحلاته، إضافة الى ظهوره في شريط وثائقي بشكل سينمائي يحمل عنوان
«the big fix»، عن أكبر كارثة نفطية عرفتها الولايات المتحدة في سنة 2010، يظهر فيه بشخصية حارس ليلي، ليقوم بالدور في الدقيقة 36 من الفيلم، والدور الذي لعبه متين في الشريط كحارس هي في الوظيفة والشركة نفسيهما اللتين يعمل فيها خلال هذه الفترة، كما انه كان يرتاد الملهى الليلي نفسه للمثليين لشرب الكحول وقضاء الوقت، إضافة إلى تاريخه مع المنشطات.
هذا كله جعلنا نسأل هل كان هجومه هذا هو بسبب انتسابه لتنظيم «داعش»، أو بسبب عدائه الشخصي للمثليين؟
لو كان السبب هو عداء متين للمثليين، فهل يحق لنا أن ننهي حياة إنسان بسبب كرهنا لأفعاله فقط، فهذه هي ثقافة التطرف التي تنتج «دواعش» يعملون حسب أهوائهم ويصبح علينا من الصعب ملاحقتهم وتتبعهم، هذا بالإضافة إلى التشجيع الأميركي لرعاية السعودية للمساجد بالطريقة الوهابية التي أنتجت وستنتج مئات وآلافاً من أمثال عمر الذين يستوحون بعضاً من «داعش» ويضيفون بعضاً من عندهم، لأنهم ليسوا جزءاً من تنظيم يمكن تتبعه بل هم ينتسبون إلى «داعش» عند وفاتهم ويهدونها عملياتهم تماماً كما فعل العروسي منفذ عملية قتل الشرطي في باريس.