هل سيكون عبور الفرات فخاً لأكراد سورية؟

شارل أبي نادر

جاءت مناورة الخداع التي نفذتها «قوات سورية الديمقراطية» ووحدات حماية الشعب الكردي، والتي أوحت من خلالها ميدانياً وإعلامياً بأنها تحضّر لمهاجمة مدينة الرقة عبر عين عيسى جنوباً في محور أول، وفي محور آخر انطلاقاً من ريف عين العرب الجنوبي باتجاه ريف الرقة الشمالي الغربي على ضفاف الفرات الشرقية، لتنحرف وحداتها فجأة غرباً، وتعبر الفرات مستهدفة مدينة منبج ومحيطها في الريف الشمالي الشرقي لمدينة حلب، جاءت هذه المناورة لتعطي انطباعاً أولياً بأنّ هذه الوحدات المذكورة تعمل وتخطط وتقاتل برعاية دولية كاملة وبإشراف وقيادة ضباط وخبراء عسكريين أميركيين وأوروبيّين.

بداية، كان لافتاً التقدّم السريع لهذه الوحدات باتجاه الغرب بدعم واسع من قوات التحالف الدولي تمثل بما يلي:

إعلامياً وديبلوماسياً:

اختفت فجأة الأصوات التركية الرسمية المعارضة لهذا العبور الكردي غرب الفرات والذي كان سابقاً من المحرّمات، وكان أيضاً بالنسبة إلى أردوغان خطاً أحمر، في تجاوزه يتعرّض الأمن القومي التركي للخطر وتُستهدف من خلاله السيادة التركية، وذلك حصل بضغط ديبلوماسي أميركي فاعل اختلط ما بين التهديد والوعيد، التهديد بفضح تجاوزات وارتكابات تركية – وما أكثرها حول تواطؤ وشبهات تركية في دعم ورعاية الإرهاب بشكل عام و»داعش» بشكل خاص، من خلال تسهيل حصول هذا الإرهاب بمختلف صوره ومجموعاته على المقاتلين والأسلحة، ومن خلال مساعدة هؤلاء في تأمين تمويل معاركهم عن طريق التهريب وبيع النفط السوري المسروق، والوعيد من خلال وعود وإغراءات بضمان تقيّد المجموعات الكردية بخصوصية الإقليم الذي كان دائماً وما يزال في نظر تركيا مشروعاً لمنطقة آمنة.

ميدانياً وعسكرياً:

وضع التحالف الدولي بتصرف العملية، وبالإضافة لعدد كبير من الخبراء والمستشارين الأميركيين والأوروبيين، غطاءً جوياً فاعلاً لمساندة التقدّم، أفقد داعش أيّة قدرة على المدافعة وعلى الانتقال في كامل مواقعه ما بين منبج وأريافها من الجهات الأربع، كما تمّ إنشاء جسر عائم على الفرات في منطقة قرة قوزاك، أمّن عبوراً واسعاً للوحدات المهاجمة في العديد والعتاد، وشكّل محوراً استراتيجياً أسّس للتقدّم بسرعة والسيطرة على شمال منبج، وبالتالي على طريق جرابلس ـ منبج، وقطع تواصل وحدات «داعش» بين المدينتين، مما أفقد الأخير نقطة مساندة ودعم قوية وضرورية لمعركته في المدافعة عن منبج.

الآن، وبعد أن تقدّمت الوحدات الكردية وسيطرت على أغلب محيط منبج من الجهات الأربع، حيثُ اقتربت من الغرب مسافة لا تتجاوز الكلم الواحد ومن الجهات الأخرى لمسافات لا تتجاوز في أقصاها 6 كلم، توقف هذا التقدّم فجأة، وبدأت تعلو الأصوات المتعدّدة في الشمال وشمال شرق سورية، وفي تركيا وبعض الدول الإقليمية حول الخوف من مجازر وارتكابات محتملة وتطهير عرقي يحضّر له الأكراد في منبج ومحيطها، وبدأ الكلام الإعلامي الأوروبي والذي يغطي كلاماً أميركياً غير ظاهر، عن عروض ليست بعيدة عنها تركيا، تتمحور حول تسوية مركّبة، تطال انسحاباً لوحدات «داعش» من منبج مقابل انسحابات كردية من غرب الفرات مع امتداد لهذه الانسحابات الكردية يشمل مواقع في تل رفعت وجنوب إعزاز وشرق عفرين وفي محيط باب السلامة ومطار منغ العسكري، ومن مواقع أخرى كانت قد خسرتها المجموعات المسلحة تركية الهوى والولاء لمصلحة الأكراد، في المعارك التي رافقت التقدّم الأخير للجيش السوري في ريف حلب الشمالي عندما فك الحصار عن نبّل والزهراء.

هذه التسوية «الفخ» بدأت تظهر ملامحها ميدانياً على الأرض من خلال تعثّر تقدّم الأكراد وحلفائهم على أبواب منبج بعد التراجع اللافت للتغطية الجوية لهذه الوحدات، وأيضاً بعد العمليات الهجومية المعاكسة الناجحة التي نفذتها «داعش» انطلاقاً من مدينة الباب، المدينة التي كانت وما زالت «داعش» تملك فيها نقطة ارتكاز وتجمّع وانتشار قوية، وحيث لم تطالها أيّة غارة جوية مؤخراً، وأيضاً بعد استعادة التنظيم السيطرة على عدة قرى في ريف منبج الجنوبي والجنوبي الغربي، وايضاً بدأت تكتمل معطيات هذه التسوية «الفخ» ديبلوماسياً من خلال ما ذُكر أعلاه حول الضجة الإعلامية بموضوع التطهير العرقي المحتمل والمجازر المرتقبة في منبج والتي أخذت طابعاً إقليمياً ودولياً واسعاً.

وأخيراً… إنها السياسة الأميركية ذاتها، لم تتغيّر لا في الأسلوب ولا في الأهداف، سياسة المراوغة والخداع، سياسة إحراق الحلفاء قبل الخصوم، وحيث لا يمكن تمييز حلفائها عن خصومها في النهاية، تبقى تلك الدولة المارقة والتي لا تقيم أيّ وزن للمبادى وللقيم وللتحالفات إلا بما يخدم مصالحها ومخططاتها.

عميد متقاعد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى