العدالة والتنمية لغة جديدة: هل تؤكد اقتراب النهايات؟

روزانا رمّال

يغيب الحديث بين أروقة حزب العدالة والتنمية عن مشاريع توسّع وآمال بامتداد الحزب سياسياً وفكرياً نحو مناطق مجاورة، ففي حين كان قد شاب هذا الاعتقاد لأكثر من خمس سنوات يتوجه الحزب، حسب المصادر، نحو مراجعة ذاتية كاملة لكل ما كان قد انتهجه من تبني خرائط تنشر الفكر الإخواني بشقه المعروف عربياً على إطار المنطقة الواقعة تحت خط التغيير ضمن مرحلة الربيع العربي الذي فرض حركة الإخوان المسلمين جزءاً لا يُستهان فيه من نسيج المنطقة العربية، خصوصاً النتيجة التي تحققت في مصر بعد سيطرة الإخوان وحكم الرئيس المخلوع محمد مرسي وبعد النتيجة التي تحققت أيضاً في تونس قبل الثورة الثانية بعد أن كان حزب النهضة فصيلاً حاكماً بقوة. الأمر نفسه عاشته ليبيا وصولاً إلى فلسطين، حيث تعتبر حركة حماس أهم فروع الحزب العسكرية التي استطاعت بشكل مريب ضبط النفس طيلة عمر صراع الديمقراطيات مع الشعوب العربية، خصوصاً لجهة التقدّم نحو إسرائيل والتصعيد أقله بما يعتبر تبنياً لانتفاضة السكاكين البيضاء التي لا تزال تقدم أروع مشاهد العنفوان الفلسطيني وتقدم أيضاً الدم كل يوم.

المد الإخواني تقدّم في سوريا أيضاً، لكنه لم يستطع أن ينسج صلة الوصل بين مصر وتركيا من جهة وباقي العالم العربي من جهة أخرى، ولم يستطع «حتى الساعة» وصل الأردن التي تعيش مخاطر أمنية جدية اليوم معه، فكانت سوريا أول من قطع رأس الامتداد واضعة تركيا أمام مفصل جدي جعلها تتحسب لأي ارتدادات لحرب التكفير في الجوار السوري.

لفت دور الإخوان المسلمين المسلح في سوريا مع تقارير أمنية سورية حول دور فاعل مسلح صبّ في مصلحة التضييق على النظام السوري واستهدافه تنفيذاً لقرار تركي صادر عن حزب العدالة والتنمية الذي تبنى سياسة التوسع متفرغاً لها بكل ما أمكن.

بالرغم من اشتداد المعارك في حلب اليوم إلا أنها لم تعد قادرة على توسيع أفق الحزب لجهة إنعاش قدرة الأتراك على فرض سياسة توسعية بالمنطقة بظل وجود القوات الروسية والإيرانية التي لا ترغب تركيا أن تشعل بينهما أي فتيل لكباش جديد بل وتهتم جداً، حسب مصدر ديبلوماسي تركي بإعادة العلاقات الممتازة مع إيران وروسيا ويقول المصدر بخصوص إيران «ترمي تركيا للارتقاء بمستوى العلاقات بين البلدين إلى حجمها السابق، فالبلدان يربطهما قواسم مشتركة كثيرة وتركيا تبذل قصارى جهدها لتعزيز التعاون الثنائي».

أقصى ما تصبو إليه أنقرة اليوم إبعاد شبح دولة كردية بالشمال السوري تربطها بالعراق. وكل ما يجري تسييره اليوم ينطلق من هذا العنوان الذي يشرح بوضوح تراجع منطق العدالة والتنمية عن التوسع المفترض ما يشرح انكفاء تركياً مشهوداً.

يقول مصدر مقرب من القيادة السورية حول ملف الأكراد لـ «البناء» إن «وحدة الكيانات الجغرافية هو المطلوب اليوم وبأن رسم خرائط لكيانات جغرافية جديدة غير وارد، أي أن التقسيم ليس ما ستقبل عليه المنطقة بالأشهر المقبلة، وبالنسبة لتركيا تحديداً فهي لا تنفعها دولة مجاورة «رخوة بدون تماسك». وهو أيضاً ما تتمسك فيه عواصم كبرى مثل واشنطن وروسيا».

هذا الحديث يشير إلى قلق ومخاوف تركية تريد تأكيد عدم انسجامها مع أي فكرة تقسيم. فهي على ما يبدو المتضرر الأكيد وربما الوحيد من تداعيات إغلاق الأزمة السورية على أي شكل من الفصل الجغرافي، وبالتالي فان حلم الاكراد بمشروع خاص سيقابل برفض تركي اولا واخيرا وسوري في كل الاحوال هو ما يفقده قدرة النجاح على التطبيق، مهما اشتد الحديث فيه او استخدم من اصل التجاذبات بالأشهر الماضية وربما لاحقاً.

يلفت اليوم نفس جديد يعيشه حزب العدالة والتنمية بشخص رئيسه الجديد ايضاً «بن علي يلدرم» الذي وعلى ما يبدو دخل المهمة خلفاً لأوغلو بنيات التهدئة او الانكفاء عن الصراعات التي أدت إلى توتير العلاقات مع الجوار جراء الازمة السورية، حسبما صرح منذ ايام وهذا يعتبر تحولاً لافتاً يخرج عن صديق «العمر»، حسب ما تصفه الصحافة التركية للرئيس رجب طيب اردوغان.

يلفت مساعد الرئيس التركي أردوغان، «جميل إرتيم» إلى ان «ثمة توقعات قوية بشأن تحسن في العلاقات التركية مع روسيا وان لهذه العلاقات تأثيرات إيجابية على الاقتصاد والسياحة في تركيا. وهنا تبدو موسكو ابرز الدول التي تصدعت العلاقة معها جراء ازمة سوريا وتبدو اكثر الدول التي تمنح القيادة التركية نوعاً من الاستقرار وتعيدها للمربع الاول، لكن هذا يحمل بعدين أساسيين الاول «أن تكون تركيا قد قررت دفع الثمن الباهظ وهو التعاون الرسمي العسكري مع روسيا في سوريا أو على الأقل ضبط الجماعات المسلحة المدعومة منها وإغلاق الحدود»، وثانياً توصل انقرة إلى خلاصة مفادها ان التخلص من كابوس الدولة الكردية لا يمكن ان يتم بدون مصالحة واضحة الأسس مع روسيا من دون اي مراوغة. وهنا فان الجدية التركية ستفرض على موسكو موقفا مباشرا عند تقديم اول مؤشر بهذا الاطار او تراجع.

لغة العدالة والتنمية الجديدة وفكرة التخلص من أزمات أسستها الأزمة السورية تكاد تشبه معادلة تركيا السابقة قبل الحرب السورية وهي سياسة «صفر مشاكل مع الجيران» التي اشتهر فيها داوود أوغلو، فهل تكون اللغة الجديدة هذه مؤشراً على اقتراب النهايات؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى