تقرير

استمرت أسعار النفط في الانخفاض أكثر من سنتين، ومع زيادة الطلب وانخفاض الإنتاج، يبدو أن كل ذلك على وشك التغيير.

في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، يحاول كيث جونسون استعراض ما كانت عليه حال النفط في السنتين السابقتين، ومن خلاله استشراف ما قد يؤول إليه الوضع بنهاية السنة في ظل بعض المتغيرات الجيوسياسية.

يقول جونسون: في السنتين الماضيتين، تسببت وفرة إنتاج النفط في السوق العالمي في تدهور أسعاره، ضاربةً بذلك ميزانيات شركات النفط ومدمرةً ميزانيات الدول النفطية من روسيا إلى العراق، التي يعتمد اقتصادها بشكل أساسي على الثروة النفطية.

وكما يرى الكاتب، فإن كل ذلك على وشك الانتهاء بسبب موجة زيادة الطلب وانخفاض العرض، لا سيما بسبب الانقطاعات المفاجئة في إنتاج النفط، والاضطرابات السياسية في أماكن مختلفة مثل كندا ونيجيريا وليبيا، ومن المتوقع ارتفاع أسعار النفط نتيجة لذلك في نهاية السنة.

صرّحت الوكالة الدولية للطاقة، الثلاثاء الماضي، أنها تتوقع استمرار التوازن في سوق النفط حتى نهاية السنة الحالية، كما صرّحت أن إنتاج العالم للنفط بالكاد يكفي ما يستهلكه، إذ تتوقع انخفاض معدلات الإنتاج بنهاية السنة، ما يرجح زيادة معدّلات ارتفاع أسعار النفط. يذكر أن سعر النفط اليوم بلغ 50 دولاراً للبرميل أي ضعف الثمن ـ البخس ـ في بداية السنة الحالية.

إلا أن جونسون يلقي باللوم على الوكالة الدولية للطاقة في عدم اتخاذها إجراءات فعالة للتعامل مع الوضع، وبالأخص مع استمرار ضخ المملكة العربية السعودية النفط بكميات وافرة حتى انخفضت الأسعار بشكل ملحوظ. ومع تلك الظروف المتمثلة في زيادة الإنتاج من ناحية، وانخفاض أسعار النفط، يرى الكاتب أن الفضل في التوازن الطبيعي بين العرض والطلب الذي شهده سوق النفط العالمي في السنتين الماضيتين يعود إلى عاملين أساسين الاضطرابات العالمية، ووفرة الإنتاج التي بلغت في أيار الماضي أعلى معدّلاتها منذ خمس سنوات.

يعرض جونسون سريعاً جملة من الاضطرابات التي أثرت على معدّلات إنتاج بعض الدول للنفط في السوق العالمي، ولعل أبرز تلك الدول نيجيريا وفنزويلا وليبيا وكندا.

فعلى سبيل المثال، تعدّ نيجيريا مصدرَ قلق كبير بسبب عاملين أساسيين، تنوع الاضطرابات فيها بين أعمال تخريب واستهداف المنشآت النفطية الأجنبية، فقد شنّت المليشيات مؤخراً هجوماً على أنابيب دلتا النيجر، والتي أسفرت عن تبديد ما يقارب مليون برميل نفط يومياً في أيار، إضافة إلى طبيعة الجيل الصاعد من المجموعات المسلّحة التي تأبى أيّ تفاوض مع الحكومة، بعكس سالفاتها. فنيجيريا تواجه احتمال تعطل ممتد فترة طويلة بسبب تلك الاضطرابات التي تشبه إلى حدّ كبير أحداث أيلول 2006.

أما فنزويلا، فهي تواجه مجموعة ضغوطات سياسية واقتصادية وخيمة، إذ يتوقع الخبراء تعثر ضخها للنفط بدرجة كبيرة بحلول نهاية السنة الحالية. فضلاً عن ليبيا واستمرار تفكّك نظامها السياسي، والذي انعكس على مستويات إنتاج النفط وصادراته.

ومن ناحية أخرى، كان لحرائق الغابات في كندا أثر بالغ في تأثر إنتاج النفط في كندا، وبالتحديد مقاطعة ألبرتا أكبر مركز لاستخراج النفط الرملي، فقد انخفضت معدّلات الضخّ العالمية بسببها بمعدل مليون برميل يومياً.

يقول جونسون إن إجمالي انعكاسات كل تلك الانقطاعات المفاجئة في مستويات ضخّ النفط، بلغت 3.7 مليون برميل يومياً، ما ساعد على دفع أسعار النفط لأعلى معدّلاتها هذه السنة.

هل يستعيد السوق التوازن؟ يقول جونسون إنه على مدار السنتين الماضيتين كان العالم «غارقاً» في كميات وافرة من النفط بدرجة جعلته يتحمل اختفاء أحد مصادر صناعة النفط وهي ليبيا، كما تحمل الآثار السلبية لأفعال المتمرّدين النيجيريين من دون أي قلق. إلا أن استمرار تلك الاضطرابات تسببت الآن في «تموجات كبيرة في سوق صار أكثر محدودية» على حدّ تعبيره.

يقول ريتشارد مالينسون محلل متخصص يعمل في شركة Energy Aspects للاستشارات في لندن إن الوضع لم يعد كالسابق. إذ كانت تتسبب أيّ اضطرابات بسيطة في ارتفاع أسعار النفط بدرجة كبيرة، لكن يبدو أن السوق صار أكثر تنبهاً للجوانب الجغرافية والسياسية.

وبينما تبدو حرائق كندا على وشك الخمود، على الأرجح ستستمر الاضطرابات في نيجيريا طويلاً، إلا أن كلا العاملين نجحا في ما لم تنجح فيه الوكالة الدولية للطاقة من «إغلاق مضخة النفط المفتوحة لآخرها قليلاً».

يقول روبرت ماكانللي مؤسس ورئيس مجموعة Rapidan لاستشارات الطاقة إن تلك الاضطرابات ساعدت في إرساء أرضية أكثر صلابة لأسعار النفط، والإسراع في استعادة التوازن بين الإنتاج والطلب العالمي.

فتلك الانقطاعات في إنتاج النفط ليست مدعاة للقلق في ذاتها، ولم تكن كذلك طوال السنتين الماضيتين، لكن في ظل انتعاش الطلب العالمي الآن في الهند والصين ثاني أكبر مستهلك للنفط والولايات المتحدة الأميركية ، يتحتم على «أوبك» التوصل إلى اتفاق يوازن بين الإنتاج النفطي والطلب.

أما من ناحية السعودية، فهي مستمرّة في إنتاج النفط وفقاً للمعدّلات القياسية، أي ما يعادل إنتاج 10.2 مليون برميل يومياً، ما يثير تساؤلاً حول قدرة المملكة العربية السعودية على التجاوب مع محاولات «تقليص» إنتاج النفط والتوصل إلى اتفاق بين دول منظمة «أوبك» في الاجتماع نصف السنوي المزمع انعقاده الشهر الحالي.

يتوقع ماكانللي استمرار ارتفاع أسعار النفط حتى نهاية السنة، وذلك لمواجهة الانقاطاعات المفاجئة ومخاطرها. ومع استمرار الوضع الراهن وفي ظل محدودية الاحتياطي النفطي لدى الدول المنتجة، فإن العالم على وشك مواجهة طريق وعر للغاية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى