شهادة البريفيه… همجية الاحتفال!

فدى دبوس

يخال لك وأنت تسمع الابتهاجات والرصاص والمفرقعات النارية أنه تمّ انتخاب رئيس للبنان، أن فجأة حُلّت أزمات اللبنانيّ جميعها. أو فجأة حصلت المعجزة وانتهت البطالة والفقر والعجز والمناحرات السياسية. لكن وفي برهة تكتشف أن هذه الابتهاجات ما هي إلاّ لأنّ مراهقين في لبنان نجحوا في البريفيه!

طعم النجاح لذيذ نعم، كلّنا يعرف ذلك، وكل من اختبر النجاح يفهم شعور الأهل والطلاّب لكن ماذا عن ثقافة الرصاص؟!

تساؤل برسم مَن يطلق الرصاص في أيّ مناسبة لديه؟ «إذا واحد تجوّز بيقوصوا، نجح بيقوصوا، حصل على وظيفة كمان بيقوصوا»، وطبعاً ظاهرة إطلاق الرصاص لا نهاية لها وكأنها باتت واجباً على كلّ لبناني وما عادت أمراً ممنوعاً.

معظم اللبنانيين يملكون أسلحة في منازلهم، وغالبية هذه الأسلحة تستخدم للابتهاج أو «الزعرنات»، ويا ليتها مرّة تستخدم في وجه العدوّ أو في وجه من يجب أن تطلق في وجهه رصاصة.

اللافت أن رصاص مساء الأربعاء كان هدفه نبيلاً، ألا وهو الفرح بنجاح أبناء من المفترض أنهم شقّوا طريقهم الأوّل نحو الانطلاق إلى المستقبل. لكن هل يجوز أن نعلّم أولادنا الذين يسعون إلى شقّ طريق مستقبلهم العلمي بثقافة الرصاص؟

ثم إنّ من فرح بأولاده لنجاحهم هل يجب أن يحزن أمّ أخرى بسبب رصاصة طائشة ربما تصيب فؤادها قبل أولادها؟!

كنّا ننجح في البريفيه، ونجحنا في الشهادة الثانوية وتخرّجنا من الجامعات ولم نطلق رصاصة واحدة ابتهاجاً، فلم هذه الهمجية اليوم في الاحتفالات؟! ثم هل تستحقّ شهادة «البريفيه» كلّ هذه الاحتفالات؟

المضحك أنّ هذه الشهادة لا تخوّل الطالب الدخول إلى الجامعة، ولا يمكن له أن يبدأ من خلالها مرحلة جديدة نحو المستقبل، ولا يمكن له أن يمارس من خلالها وظيفة ما… جلّ ما في الأمر أنه انتهى من مرحلة المتوسطة ليصل إلى مرحلة الثانوية، ويمكن لهذه الشهادة فعلاً أن تشكّل خطوة انتقالية في حياة الطالب النفسية ليس إلاّ، لذا فإن النجاح فيها ليس إنجازاً مستحيلاً كي يتمّ هذا التهليل وتكثر الصيحات.

أعجبني أحد التعليقات للدكتور باسل صالح حول الأمر على صفحته الخاصة على «فايسبوك» إذ قال: «أنا رأيي إذا كان حدا من سكان نفس الشارع ناجحين. يفجروا الشارع بفرد مرّة يحطوا سيارة مفخخة. يحتفلوا بالجملة أحسن ما يحتفلوا بالمفرق»، لم يكن هذا التعليق وحده هو الذي تناول الموضوع على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي، بل كان هناك العديد من التعليقات التي عبّرت عن غضبها وانزعاجها من المشهد.

هذه التعليقات وغيرها لم تكن تهدف إلى التنظير على الناس أو إعطاء الآراء التي لا معنى لها ولا طعم، ولكن هدفها انتقاد وضع بات يؤرق الجميع، فاستخدام السلاح لا يمكن له أن يعتبر «مزحة» أو أمراً عادياً. وللأسف لا تزال الدولة غائبة عن كل تلك الأمور وعلى ما يبدو أنها ستبقى ولن يتغيّر الأمر. ولا يسعنا إلاّ القول «مبروك لطلاب البريفيه والله يسترنا من طلاب الثانوية العامة!»…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى