قالت له
قالت له: كيف يكون الحبّ بلا جدل إن لم يكن طاعة؟ وكيف يصير الحبّ عبودية وهو رحيق الحرّية؟ فما من فعل يشبهنا مثله، والجدل فيه علامة حياة، وأنت تريده موتاً. إن أردته سكوناً تسمّيه جميلاً ورتابة التكرار، فالحبّ في لعبة الروح والجسد فعل حوار.
فقال لها: أحبّ في الحبّ الحوار، وتلاقح الأفكار، وانشغال الروح بالروح والقلب بالقلب والعقل بالعقل والجسد بالجسد، في الليل والنهار. لكنني أحب فيه أكثر حُسن الجوار. ولا يفسد الجدل والحوار إلا أن يكون محرّكهما ادّعاء يغلف الاستئثار. فيصير الجدل تحقيقاً واتهاماً، وبالمقابل دفاع وإنكار. فهذا ليس حباً بل نقيق ضفادع، وسعي إلى شجار. تعالي نقرأ شعراً أو نشاهد فيلماً أو نتبادل كتاباً وتختلف بيننا الأفكار. فهذا جدل الرقيّ واستمتاع الروح، وهذا تلاقح الأفكار. تعالي نتحدّث عن موسيقى العظماء ومسارح الخالدين، ومن صنع البوق ومن اخترع المزمار. وتعالي نحكي قصص الجاحظ في الأسفار، ونقارن زنوبيا وإليسار، أو أحكي عن بطولات أدونيس وأحكي عن العشق في حياة عشتار. أما ما تسمّينه جدلَ الغيرة والتحقيق بعد السحور وقبل الإفطار، أليس هو التكرار؟ وهو الروتين قاتل المشاعر والأشعار؟
فقالت: تُحسن هرباً من أسئلتي برفع سقوف الدعوة إلى العلم والحلم، وتصير معرفة الحقيقة مشكلتي. وتنسى أنّ الأنثى يقتلها أن تشعر أنها صارت مجرّد تذكار وتشعر أنّ الحبّ يتحقّق في كلّ حديث عن أنها الوحيدة في جدول أعمال الحبّ حتى لو كانت أسئلتها تستنفر وتستفزّ وتنتهك الأسوار.
فقال لها: هذا ليس الحبّ سيدتي. هذا بعضٌ من قلق التقدّم في الأعمار، وبعضٌ من بحثٍ عن أعذار، لتكون لك الثقة أنك باقية فوق كلّ اعتبار. هذا مقبول في السنة مرّة أو في مواسم البقول والفواكه والخضار، لكنّه صار صفاً يومياً يخفي الضعف وراء الأسئلة المتشابهة، كأن الحبّ عقوبة أو في الحبّ صعوبة. فكوني مرّة جدّية ومرات لا تخشي. كوني ألعوبة يكفي ألا تكوني مذعورة أو مرعوبة. فللحبّ أيضاً أعمار. لكننا نستهلك ما فيها فتصير مهزلة الأقدار.
فقالت: يكفي أن تقبل منّي آخر أسئلتي عن واحدة، وتقبلّني ولا تنسَ أن تتلو أنت عن أخطائي في الصبح ما يليق من أعذار. وإلا أبكي وتصير محرمتي وتندم أو تحزن أو تحتار.
وفي لحظة سكون، قال: تعالي، قد حان وقت الإفطار.