أوباما وكشف المستور برفض الحرب على سورية
ناصر قنديل
– ارتفعت بالتزامن مع زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن، وقبيل لقائه بالرئيس الأميركي، وتيرة مطالبات لإدارة الرئيس باراك أوباما للتدخل العسكري في سورية، توّجتها وثيقة الدبلوماسيين، التي اتضح أنها كانت بتمويل سعودي عبر مشاركات نظمها السفير الأميركي السابق في السعودية ريتشارد مورفي لزملائه السفراء لقاء بدلات مغرية في ورش عمل تنتهي بالتوقيع على الوثيقة، وبالرغم من وضوح الصورة السياسية بأن الإدارة التي جلبت أساطيلها قبالة سورية قبل ثلاث سنوات وتراجعت عن فكرة العمل العسكري، لن تفعل ذلك ولم يبق لها ثلاثة أشهر من الحكم قبل الانتخابات الرئاسية، مع حفظ كل الفوارق لحساب التدخل حينها مقارنة باليوم، فإن رد البيت الأبيض الأخير على المطالبات يحمل قيمة تفسر ما جرى حينها وما يؤكد الرئيس الأميركي أنه سيجري في حال التفكير بالتدخل.
– يومها كانت الأساطيل في البحر، وكان العنوان قد جرى تسويقه بعد تصنيعه، وبات معلوماً اليوم دور المرشحة الرئاسية هيلاري كلينتون التي كانت وزير للخارجية يومها، في ترتيب نقل غاز السارين عبر السفارة الأميركية في ليبيا إلى الجماعات المسلحة في سورية لاتهام الدولة باستخدامه وتبرير العمل العسكري، كما أن الشعار كان مغرياً، كان الروس لم يتموضعوا بعد في سورية، والتفاهم على الملف النووي لم يوقع مع إيران، والسعوديون لم يتورطوا ويُنهَكوا في حرب اليمن، ورغم ذلك قرر أوباما صرف النظر عن الخيار العسكري، ووصل في حواره مع مجلة أتلانتيك في الحوار الموسع والشامل الذي وصف بعقيدة اوباما حد القول إنه فخور بكونه لم يورّط أميركا بالتدخل العسكري في سورية، ولم يصغ لحلفائه الذين مارسوا الضغط والإغراء ليقوم بالعكس، بينما يذهب الرد باختصار اليوم ليقول: لماذا؟
– يقول البيت البيض إن أي تدخل عسكري سيطبق حرباً مفتوحة، سرعان ما تتخطى حدود سورية وتصبح ابعد من ذلك بكثير، ولم يقل أبداً بلغة الفرضيات إن التدخل في سورية يمكن أن يطلق أزمة أو مواجهة، بل بلغة القطع واليقين أنها ستكون بداية حرب مفتوحة تتسع لما هو أبعد من سورية، وهو ما كان مجرد توقع وتحليل لمن لا يعلمون ماذا وصل للرئيس الأميركي من رسائل روسية وإيرانية، يعرفها وحده، ويكشف اليوم مضمونها بطريقة غير مباشرة، فهو اليوم لا يتحدث كمحلل سياسي أو عسكري، بل بصفته الرئيس الذي أمر بتوجيه أساطيله للذهاب نحو سورية تمهيداً للتدخل العسكري وعاد وأمرها بالعودة، ليجيب الذي يطالبونه اليوم بفعل ما لم يفعله يومها، فيخبرهم بطريقة غير مباشرة بالقول ضمناً، ألا تعلمون لماذا أمرت الأساطيل يومها بالعودة، لقد فعلت ذلك لأن العالم كان على أبواب حرب مفتوحة تتخطى حدود سورية، فقد تلقيت إنذاراً روسياً إيرانياً بأن الطلقة الأولى نحو سورية ستكون الطلقة الأولى في هذه الحرب المفتوحة.
– كلام البيت الأبيض رداً على دعوات التدخل يملك قيمة تاريخية، لأنه يأتي بخلفية تجربة لم تحدث إلا مرة واحدة مع أميركا، بأن أمرت أساطيلها بالذهاب لحرب ثم أمرتها بالعودة، والسبب هو تفادي حرب مفتوحة أوسع مدى، وهذا تأسيس لفهم موازين القوى الجديدة التي ترسم اليوم مستقبل الشرق الأوسط وتفسّر ما يسمّيه حلفاء واشنطن بتخاذل إدارة الرئيس أوباما، وهو ضمناً يقول لهم، لم نعد كما كنا أصحاب قرار الحرب والسلم في الشرق الأوسط، وربما هذا يفسر بعض الثقة الروسية بأن واشنطن ستضطر بالنهاية لقبول التفاهمات، لأن يدها فارغة من البدائل.