الفلاّح القوميّ طربيـه العنـز شهيداً ضدّ «الإسرائيليّ» المحتلّ
ل.ن.
بتاريخ 19/12/2003 أصدر المجلس الأعلى في الحزب السوري القومي الاجتماعي قراره رقم 11/72 الذي قضى بتسمية المواطن طربيه العنز الذي استشهد في مواجهة العدو الصهيوني عام 1972 شهيداً للحزب.
قبل ذلك، في عددها الصادر في أول تموز 1972 أوردت مجلة «البناء» الى جانب افتتاحيتها تحت عنوان «ما قاله الشهيد طربيه العنز» الخبر الآتي:
« نزل طربيه في التاسعة ليلاً الى مزرعته للقيام بريّها وكان يحمل بندقية حربية خوفاً من الحيوانات البرية التي ترتاد المنطقة أثناء الليل. وفجأة ظهرت دورية «إسرائيلية» مؤلفة من خمسة جنود كانت تتجول في أرضه التي تبعد الفي متر عن الحدود.
«مرت الدورية على طريق تقع ضمن أملاكه فشاهدته وأمرته بالتوقف عن العمل وبرفع يديه عالياً. لكنه أخذ من جانب الطريق متراساً له وبدأت المعركة.
بقي في مكانه حتى نفدت ذخيرته وكان قد أصيب بجروح مختلفة في جسـمه وأخيراً اقتربت منه الدورية وأفرغت بنادقها في جسده بعد أن أوقع فيها ثلاثة قتلى.
بعد ذلك حضرت الى مكان الحادث ثماني مجنزرات في داخلها ما يزيد على أربعين جندياً «إسرائيلياً» انتشروا في المكان وأخذوا يضيئون المنطقة بالقنابل المنوّرة بحثاً عن الفدائيين.
طربيه محمد العنز شـاب في السادسة والعشرين من العمر متزوج وله ولدان، الأول، نضال، عمره سنة ونصف سنة والآخر ستة أشهر، وزوجته حامل».
أما افتتاحية العدد فأوردت الآتي:
أبرز ما في الأيام المنصرمة، على ما فيها من أحداث جسام، كان وقفة طربيه عنز:
مزارع لبناني شاب يتصدى لخمسة من جنود الاحتلال «شمخوا برؤوسهم فوق أرض الوطن»، فأسقط منهم ثلاثة، وسقط هو مستشهداً بطلاً !
طربيه عنز هو الكلام الكبير الوحيد الذي سمعناه في الأيام الصغيرة الماضية، وكل ما عداه كان صغيراً وباطلاً.
حتى «إسرائيل»،
«إسرائيل» التي اقتنعت هي وأقنعتنا بأن دولتنا عاجزة عن حماية أرض الوطن وحماية المواطنين، فضلاً عن حماية الكيان، والنظام، والسيادة، والكرامة… التي «إذا امتدت إليها يد تقطع»،
«إسرائيل» لم تبق لرئيس حكومتنا صائب سلام ما يدافع به عن ملكوت الحكم والنظام ضد شياطين المعارضة والنظام إياه غير ذلك الاعتراف المنكر بالعجز، جاء وثيقة استسلام غير مشروط للعدو،
نقول، حتى «إسرائيل» ما كانت تنتظر أن تسمع، بين عويل النساء في حاصبيا، ومرجعيون، وصور، وبيروت، وبعبدا… كلاماً كبيراً رصيناً مسؤولاً مقنعاً مثل كلام طربيه عنز !
كل ما عداه كان صغيراً وباطلاً. كل ما عداه كان وضيعاً وحقيراً.
كل ما عداه كان برسم التسجيل المستمر في حساب الهزائم القومية والنكبات والكوارث التي «تتعهدها» و»تشرف» على حسن إنجازها هذه الأنظمة الجبانة الخانعة الخادعة!
كل ما عداه كان ثرثرة كلامية مأجورة يبرع في توزيعها خدام هذا النظام، وذاك وذلك، على صباحات الناس، دجلاً سياسياً يلبس لباس منطق، وتبويقاً وقحاً يخبئ خساسة منافعهم وصغارة أغراضهم خلف مقارنات بلهاء يقيمونها بين هذه الدويلات الركيكة وأنظمتها، ستراً للخيانة والعجز.
– وماذا قال طربيه عنز ؟
– قال لا، وحسبه بلاغة على شعبنا بل على حكامنا وأنظمة حكمهم، على الثرثارين، أصحاب الكلام الصغير الرخيص، المدافعين عن مساوئ الحكام ومساوئ أنظمة الحكم.
قال لا، للشعب المستكين، في لبنان والشام والأردن والعراق والكويت، أنت يا شعبي ما انخذلت في صراعك المصيري مع «إسرائيل»، إلا لأنك اعتقدت أنك تستطيع أن تؤمن بقاءك في بيتك وحقلك ومصنعك ومكتبك، إذا أنت لم تحمل سلاحك لتحمي به بيتك وحقلك ومصنعك ومكتبك!
قال لا، لهذه الأنظمة، الرجعية والغبية بالسواء، أنت لست جديرة بحمل مسؤولية المصير القومي، بما أنت تمثلين من تجزئة للوجود القومي، وبما أنت عليه من ضعف وتبعية وغباء.
قال لا، للثورة الفلسطينية، لا تصدقي أنك ضيف علينا، تمرين بنا مروراً، فلا أنت منا ولسنا نحن لك. لا تصدقي.
أنت ثورة من شردوا من أرضهم وثورة من يشردون، ويداسون. أنت ثورة من رفضوا بيع قضية أمتهم للإحتلال والاستعمار، وللمنتفعين، والخائفين منهما، وقرروا انتزاعها من سوق النخاسة الدولية، وضمانها بدمائهم وأرواحهم.
أنت ثورة كل فلاح في حقله، وثورة كل عامل في مصنعه، وثورة كل طالب، وموظف، وحرفي، وكل مواطن في كل قرية من قرانا، المحتلة منها، والمسجلة برسم الاحتلال، والمتروكة لعسف الاحتلال، وإذلاله، وإرهابه.
أنت ثورة الشرفاء، جميع الشرفاء، الذين يعتبرون أن موتهم بالعزّ خير من بقائهم في الذل…
فلا، لا تصدقي أنك ثورة غريبة يقوم بها أغراب، بل أنت ثورة ضمائرنا ودمائنا وكرامتنا وقيمنا، فإذا هم أرادوا عزلك وتصفيتك وقتلك فلأنهم يخافون لغة الثورة وروحها، ولأنهم يعرفون أن الثورة التي تحمل
السلاح في وجه اليهود الغاصبين المحتلين ستجد نفسها مضطرة إلى توجيهه أيضاً إلى يهود الداخل، المنفذين الفعليين لخطط الصهيونية والاستعمار.
هذا بعض مما قاله طربيه عنز، من كلامه الكبير الكبير!
إنه التحقيق العملي لقول سعاده العظيم: «إن الحياة كلها وقفة عز فقط».
إنه طريق الثورة الكبرى التي تلغي في استراتيجيتها الحدود التي وضعها الاستعمار بين أبناء شعبنا، ليعزلهم في كيانات الرجعة والغباء، والتي تلغي من مفاهيمها جميع الهويات المزيفة التي تميز بين فلسطيني ولبناني وشامي وعراقي وأردني، والتي توحد شعبنا كله في حركة واحدة ضد أعدائه: أعداء قضيته ومصالحه.
طربيه عنز اللبناني، شهيد الثورة الفلسطينية؟
أجل! ذلك لأن الثورة الفلسطينية سمعت كلامه الكبير الكبير وفهمت لغته.
أنه شهيد الأمة السورية كلها»
من ناحيته، أورد الامين فايز أبو العباس الذي تولى رئاسة لجنة تاريخ الحزب في منفذية مرجعيون المعلومات الآتية:
طربيه العنز مواطن من بلدة «الماري» قضاء حاصبيا. فلاح يقوم بزراعة الخضار، بندورة، خيار، بصل وبين أثلام هذه الأنواع يزرع الذرة، وفي أحد أيام الصيف لاحظ أن هذه المزروعات قد دمرت واجتيحت وكأن قطيعاً من الأبقار قد فتك بها، وبعد التدقيق والتمحيص وبحس المزارع علم أن هذا التخريب من فعل خنازير برية قادمة من الأرض المحتلة «فلسطين» خاصة وأن الأرض التي يزرعها تقع على الحدود شمال بلدتي الفجر والعباسية السوريتين المحتلتين، فصمم على الانتقام من هذه الخنازير فاستحضر بندقية M36 الفرنسية الصنع وكمن في الحقل ليلاً ولم تمر إلاّ ساعات حتى وجد نفسه أمام دورية «إسرائيلية» تجتاز حقله فعالجها بطلقات نارية من بندقيته فأوقع فيها أكثر من ثلاثة قتلى، ووقعت معركة بين هذا المواطن المدافع عن أرضه ورزقه وهؤلاء المحتلين القادمين لتدمير مورد رزقه أسفرت عن استشهاده وانسحاب المحتلين.
بعد أيام من استشهاد المواطن طربيه العنز، تحديداً يوم الجمعة 07 تموز 1972، قام رئيس الحزب الرفيق الأمين لاحقاً مسـعد حجل بجولة حزبية في مناطق الجنوب اللبناني رافقه الرفيق داود باز الأمين، رئيس الحزب لاحقاً بصفته وكيلاً لعميد الداخلية، فزار بيت الشهيد طربيه العنز حيث أعلن عن استعداد الحزب لتغطية تكاليف دراسة طفله نضال، ثم انتقل والوفد المرافق الى ضريح الشهيد حيث وضع إكليلاً من الزهر.
وزع الحزب منشوراً مطبوعاً من أربع صفحات، الاولى تحمل صورة للشهيد طربيه العنز، الثانية والثالثة تتضمنان افتتاحية «البناء» في أول تموز تحت عنوان «ما قاله الشهيد طربيه العنز»، والرابعة صورة تظهر رئيس الحزب الرفيق مسـعد حجل وهو يضع إكليلاً من الزهر على ضريح الشهيد العنز ويبدو الى جانبه الرفيق داوود باز.
يوم الأحد 20 آب من العام نفسه أقامت الأحزاب والقوى القومية والتقدمية مهرجاناً شعبياً في بلدة بكيفا راشيا لمناسبة أربعين للشهيد طربيه العنز، تكلم فيه كل من النائب زاهر الخطيب، السيد جلال بكداش عن القوى الناصرية، السيد فاروق المقدم ممثلاً حركة 24 تشرين، السيد فوزي بدور باسم التقدميين المستقلين، والرفيق هنري حاماتي الأمين لاحقاً الذي ألقى كلمة الحزب السوري القومي الاجتماعي وممّا جاء فيها:
«إننا لم نأت لنمجّد طربيه العنز، بل هو مجّدنا بموته، وانتقل إلى الحديث عن التجزئة السياسية والاجتماعية في أمتنا، هذه التجزئة التي مكنت أعداء أمتنا من احتلال قسم كبير من أرضنا والعمل على احتلال الأقسام الباقية. وعن الحكم الرجعي قال: إنه عاجز عن تحقيق إرادة الشعب، عاجز عن تأمين عز الشعب ورفاهية الشعب، لأنه حكم طائفي عشائري رجعي مرتبط بالاستعمار».
ودعا الرفيق حاماتي الأحزاب والقوى التقدمية والثورية إلى «الوقوف جبهة واحدة لمواجهة جميع المؤامرات التي يحوكها الحكم الحالي بمعونة الصهيونية والاستعمار، ولمواجهة الصهيونية والاستعمار واسترجاع حقنا المداس المغتصب، وعلى الأحزاب والفئات التقدمية أن تثبت ما إذا كانت بالفعل لا بالقول تسعى إلى ذلك». وانتهى إلى القول «إن «إسرائيل» قوة منظمة موحدة ولن نستطيع مجابهتها، إلاّ إذا كنا نحن الأحزاب والقوى التقدمية موحدي الصف فنتغلب على عدونا المنظم».
نشرت «البناء» في عددها الصادر في 08 تموز 1972 كلمة في بريد القراء بتوقيع سمير سعاده، موجهة الى المواطن الشهيد طربيه العنز .
وفي عدد «البناء» بتاريخ 19/08/1972 في بريد القراء أيضاً كلمة موجهة الى المواطن الشهيد بتوقيع الرفيق أسعد نعمان تكريت عكار .
في: 06/08/2014
لجنة تاريخ الحزب