سلطة خاوية ستسقط نفسها!!

مصطفى حكمت العراقي

يبدو أنّ بعض الحكام لا يروق لهم أن يروا شعوبهم تخرج عليهم بأسلوب متحضّر، لا يقترب من الشغب ويلتزم بحدود عالية من الانضباط والسلمية، تحت قيادة تضبط إيقاع كلّ ذلك وتسيطر على لهيب قلوب الجماهير بكلمة واحدة، كما تستطيع إشعال الوضع بكلمة أخرى، فهم ملتزمون بالانضباط اختياراً لا إجباراً لأنّ ثقافتهم ووعيهم وإيمانهم تحتم عليهم البقاء ضمن الأطر السلمية لكسب المطالب مع يقينهم بأنّ حكومة بلدهم لا تعرف للإنسانية شيئاً، ولن يثنيها عن أفعالها إلا القوة لأنّ السلطة دموية وبوليسية ولا تعرف إلا لغة القوة ولكن الشعب وقياداته السياسية والدينية والاجتماعية ألزموا أنفسهم بالنضال السلمي، واتخذوا في ذلك سبيلا، وهو ما أخرج جنون السلطة التي فشل حكامها في إيقاف مواطن واحد عما يريد تحقيقه إنْ أراد ذلك، حتى لو استعملوا لذلك كلّ امكانياتهم البوليسية وانتهجوا كلّ وسائل الردع والذعر والتخويف، فهم كمّن يريد حفر صخرة صماء بأظافره الواهية، فالصخرة صامدة والأظافر تتكسّر تدريجياً، وهذا هو حال الصراع الممتدّ لما يقارب السنوات الست بين شعب البحرين وحكومته الملكية المستعمرة من الغرب والرياض والمحكوم ملكها من سفير المملكتين المتحدة في أوروبا والسعودية في الخليج، كما أنّ رئيس حكومة المملكة البحرينية الذي شكل ظاهرة فريدة لجهة الاستئثار بالسلطة والتشبّث بها وعدم الخروج من الكرسي إلا إلى القبر مباشرة، فمن اجتاز حكمه الـ40 عاماً أصبح عاملاً في إرساء الظلم في المملكة بجانب شقيقه ملك المملكة والأخوين استعدوا غالبية شعبهم وجعلوا من أساس مواطني المملكة منزوعي الجنسية ومرحّلين في الخارج، وقامت بجلبِ ضعفاءِ أفريقيا وشرق آسيا، لتعطيهم الجنسية وتمنحهم حقوقاً وامتيازات، مقابل التعهد من قبلهم بالدفاع عن خليفة وزمرته والقتال في ذلك، والمساهمة في جعل كفة مؤيدي حكم خليفة هي الأرجح والأعلى، وأن كان ذلك على حساب أصلاء الشعب البحريني إضافة إلى التضييق السياسي وعدم السماح بنشوء تيارات تختلف أو حتى تناقش السلطة في خيارها، لأن السلطة بشخص ملكها خليفة ترى بأنّ قرارات الملك غير قابلة للنقاش. لإنها صائبة في كلّ الأحوال وكلّ من يتجرأ على مناقشة قرارات الملك وأن كان بصيغة دستورية وقانونية، فيجب أن يعاقب ويطرد من الحياة السياسية وتغلق مقراتهم ويحاكم قادتهم ويجردوا من هويتهم، وكل ما يؤيد بأنّهم من مواطني البلد وهو ما حصل فعلاً مع حركة الوفاق التي حصلت على غالبية المقاعد النيابية في الانتخابات البرلمانية في 2010، إلا أنّها أجبرت على مقاطعة الانتخابات التي تلتها واتخذت من الشارع سبيلاً لنضالها، بعدما حاربتها السلطة بشتى الطرق وجعلتها خائنة ومرتبطة بالخارج وتسعى لخراب الأمن في البلاد، وتمهّد لأسقاط الحكم في البلد بطرقة دمويّة والعديد من التهم التي الصقت فيها، بمجرد قولها كلمة حقّ ومطالبتها السلطة بالتحوّل نحو تطبيق أطر دستورية في حكم البلد، وعدم الاستمرار بمحاربة غالبية الشعب البحريني بمنهج طائفي. إلا أنّ السلطة استمرت في ظلمها وطغيانها ولم تكترث لشيء حتى انتهجت العديد من الخطوات التصعيدية والعدائية، والتي تنمّ عن تعال سلطوي وتعجرف لجهة عدم قراءة الواقع بمعطياته التي تتغير بسرعة البرق. فحامي سلطة خليفة وزمرته والجارالذي ينتهج من حلفاؤه توابع يسوقهم متى يشاء لتحقيق أهدافه بعدم وجود سلطة ديمقراطية في أي من بلدان جيران مملكة أل سعود لأنّ ذلك سيمهد لنشوء انتفاضة شعبية مدمرة داخل المملكة التي تغلي على صفيح الظلم والتدمير لطبقات واسعة داخل السعودية، وهو ما حصل بعد ثورة شعب البحرين، فأدخلت الرياض قواتها داخل المنامة لتثبيت حكم عاملها في البحرين خليفة ولكنها وصلّت اليوم إلى طرق عسيرة في شتى الملفات وهي الآن مكبّلة بملف اليمن فضلاً عن ملفها الداخلي المتدهور بشكل خطير بعد إعدام الشيخ النمر، فهي منشغلة بما لديها ولن تكون بنفس الاندفاع للحفاظ على توابعها في البحرين بنفس القوة والسلطة. ورغم ذلك نجد أنّ النظام البحريني يسير في خطواته العدائية بطريقة الإيحاء بأنّه في موقع القوة المتخذ لقراراته من دون إكتراث، إلا أنّ الواقع يثبت عكس ذلك. فمن ينتهك حقوق الإنسان جهاراً، ويحل جمعية الوفاق السياسية، ويمنع سفر العديد من نشطاء الرأي، ويعتقل الاخرين، ويسحب وثائق انتمائهم لبلدهم إضافة إلى إبعاد مرجع الدين الشيخ عيسى قاسم والضامن الأساس لاستمرار سلمية التظاهر، والسعي الحثيث لإجراء تغيير سكاني وخلل نسبي عبر مستوطنين لا مواطنين يؤكد جنون النظام وذعره ويقينه، بأن العودة للانتخابات ستفرض عليه لذلك يسعى للتمهيد بهذه الإجراءات لضمان الفوز بمقاعد أكثر.

هذا التصعيد من ملوك توابع ضد معارضة لا تريد قادتها اللجوء للعنف، وتحملت بذلك ضغوط قاسية من شعبها وأصدقائها قبل أعدائها لأنّ ممارسات النظام وعدم إكتراثه لشيء جعل أصداقاء المعارضة البحرينية يهددون باللجوء للسلاح، لإنهاء النظام بعدما فرض عليها النظام نفسه اللجوء لهذا، وعندها لا يتحكم بالشارع أحد فإن انطلقت شرارة الصراع المسلح ستأكل الغث مع السمين خصوصاً مع ذعر السلطة الواضح من إجراءاتها، بالرغم من يقين ملكها بأنّ خلاصه يكمّن في التراجع عن كل خطواته العدائية والقبول بالإحتكام لصندوق الانتخاب الذي سيفرض عليه. لذلك يحاول إطالة عمره بسرعة التجنيس إلا أن المعارضة وبعد أن تأكدت أنّ خليفة وحكمه لن يرجى منه خيراً سترد بعدم القبول بالتسوية إلا بالتراجع عن كل ما اتخذه النظام من أبعاد وسحب جنسيات واعتقال. ولن يكون الحل ممكناً إلا بعودة الشيخين عيسى قاسم وعلي سلمان إلى قيادة الشعب. لأن التفاوض معهم أهون بكثير من إبعادهم الذي سيجلب الويلات للنظام وقد يندم بعدها على ما اقترفه من خطوات… فبعد أن دخل الشيخ سلمان للمعتقل، كان الشيخ قاسم هو المثبط لكل تحرك غير سلمي أو انفعال قد يتخذه المتعاطفين مع الشيخ سلمان، أما الآن فلا يوجد شخص يمكنه درء الخطر عن النظام إن استمر ابعاد الشيخ قاسم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى