قرار دولي بحماية لبنان…؟
روزانا رمّال
عام 2013 أدلى مبعوث الولايات المتحدة السابق للسلام في الشرق الأوسط والمستشار الحالي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دينيس روس، بشهادة أمام الكونغرس الأميركي حول سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية، معتبراً أنّ الحرب في سورية كان لها أثر على مصالح الولايات المتحدة، فـ «كلما تخطو سورية نحو الهاوية وتنهار الدولة بصورة أكثر ويزداد عدد اللاجئين الفارين إلى الدول المجاورة، يبزغ تهديد جديد بحصول المزيد من عدم الاستقرار في الدول المجاورة لسورية». واضاف انّ «الواقع المتمثل في وجهة نظر كل من أنصار المدرستين المثالية والواقعية في السياسة الخارجية الأميركية على أننا نقف أمام خطر حقيقي يحتم التأثير في مجرى الأحداث على أرض الواقع»، مضيفاً: «من هنا يتعيّن علينا التركيز على المجالات الثلاثة التالية: أولاً، على ما يمكن القيام به من أجل تغيير ميزان القوى ليس فقط بين المعارضة والنظام، ولكن الأهم من ذلك، داخل المعارضة نفسها. وثانياً، نحتاج إلى المزيد من الجهود لحماية الشعب السوري. ثالثاً، نحتاج إلى التركيز على احتواء الصراع بحيث لا ينتشر إلى خارج سورية ويزعزع استقرار المنطقة».
تدرك واشنطن سلفاً خطر المجموعات المسلحة على لبنان وهي تعرف أنها غير قادرة على حمايته منها، فالأمر ليس قراراً خُدع به اللبنانيون لجهة التزامه دولياً وإقليمياً بأن لا أحد يريد انفجار الاوضاع في الداخل، وهذا ما بات كلام أغلب المسؤولين في لبنان، وكأن الامر لفتة أميركية وقرار مسؤول، لكن هذا لا يمت للحقيقة بصلة وبالتمعّن اكثر تبدو واشنطن واحدة من هذه الدول المربكة في مجال تعاطيها وضبطها لتحرك مجموعات الإرهاب القديمة التي بدأ جزء منها يصبح متعدد الولاءات. وها هي غير قادرة على ضبط اي هجوم داخل الارض الأميركية وآخره اشرس عملية ذهب ضحيتها قرابة الخمسين أميركياً في اورلاندو، يضاف اليها عجز اوروبي شامل عن استعادة الأمان لدول اساسية وتصنف الاكثر أماناً لعقود مثل فرنسا وبلجيكا وبريطانيا، يضاف الى هذا الازمة التي تعصف بالاتحاد الاوروبي اليوم التي قد تزيد الطين بلة.
يمكن لمن يتابع الوضع الاوروبي التأكد من استحالة التعايش مجدداً مع هذا الوهم في لبنان، خصوصاً انّ الانهيار الذي سيعقب خطوة بريطانيا الانسحاب من الاتحاد الاوروبي سيجعل كلّ الدول والحكومات هناك منهمكة بمصيرها ومصير إنقاذ ما تبقى من انظمة اقتصادية مركزة على محاولة تعويض الغياب البريطاني قبل فوات الأوان. وهنا فانّ اي ضبط لمسألة نزوح الارهاب لم تعد ممكنة الا بحالة واحدة وهي الانضواء ضمن حلف جدي لمكافحة الارهاب اي الانضمام للمسار الروسي. وهذا ما لا يبدو واضحاً حتى الساعة أميركياً الا اذا تقدّمت ادارة البيت الابيض الحالية بآخر أشهر من ولاية اوباما بهذا الخيار وبالتالي فإن حماية لبنان وضمان استقراره ليس بيد من لا يقدر على ضمان الاستقرار في بلاده.
بالواقع تكشف عملية القاع الوحشية بارتداداتها حقيقة الأمر وتكشف ما وراء الاستقرار الهش الذي عاشه لبنان لفترة طويلة والاستقرار اللافت عنوة، وهو البلد الذي يضمّ حزب الله راس الحربة في مشروع التكفير ليتبيّن أنه وحده السبب بالاستقرار بمعنى آخر. فإن الهدوء في لبنان ليس إلا بسبب نجاح التنسيق بين الجيش اللبناني وحزب الله بصدّ الإرهاب على الحدود مع سورية والنجاح بالتنسيق الأمني الذي أنتج إلقاء القبض على كبرى الخلايا الأمنية الإرهابية على امتداد البلاد، والا لكان لبنان أمام كارثة كبرى.
لم يتخلَّ تنظيم داعش لحظة عن فكرة التصعيد في لبنان وهو توعد كل اللبنانيين حكومة وشعباً بشريط سابق مصور شهير.
الحديث اليوم بالإجراءات ورفع مستوى المسؤولية الى اعلى درجاتها رسمياً وحكومياً يبقى هو الاهمّ. بالتالي فإن الحكومة التي تغرّد اليوم في غير سرب الواقع وتحصر نفسها ضمن شكليات الدعم ودعوات الوحدة الوطنية لم تعد ناجعة، خصوصا انّ اللبنانيين اليوم لا يهمهم سوى أمنهم والاطمئنان الى الآتي من الايام التي لا تطمئن في شيء واذا كانت الحكومة تصرّ على لبس لبوس «النأي بالنفس»، فإنّ هذا يعني أنها تريد الخروج عن منطق الاحداث برمّتها، واعتبار لبنان جزيرة لا تقع على حوض البحر المتوسط المهدد من اجتياح الإرهاب، فاذا كانت الحكومة تحفظ لعهد الرئيس السابق ميشال سليمان هذه المعادلة، وهذا المنطق الذي اراد تقديمه للدول الاقليمية التي كانت رغبت بذلك قاطعة العلاقة اللبنانية السورية رسمياً، وهي من اهمّ العلاقات تأثيراً على الدولتين، فإنّ هذا الأمر لن يحميها طويلاً واذا كانت الحكومة تتوهّم مجدّداً دعماً عربياً او إقليمياً للجيش اللبناني فلتتذكر الهبة السعودية التي لم تعط للبنان لتؤكد على أنّ كشف الجيش اللبناني وعزله عن الجوار ومنعه من التنسيق معه هو المطلوب.
التعاون الأمني اللبناني السوري «المرفوض» هو احد ابرز وسائل إنقاذ البلاد من المأزق، وهو قادر على تنظيم العلاقة اولاً بين الجيش اللبناني والجيش السوري، وثانياً بين الحكومتين اللبنانية والسورية على ملف الإرهاب، خصوصاً انّ مصدراً دبلوماسياً سورياً أكد لـ «البناء» استعداد بلاده للتعاون في هذا المجال، وهو الموقف نفسه الذي التزمت به سورية منذ بداية الازمة.
لا قرار دولياً ولا قدرة او ضمان لحماية لبنان ولا مجال مجدّداً لتمسك الحكومة بمخلفات وأطلال لن تفيد وإلا ستنفجر الأمور أمامها رسمياً وشعبياً.