الانتحاريون من جنسيات أجنبية واستطاعوا الدخول عبر عملية تضليل الأجهزة الأمنية
محمد حمية
على رغم استخدام تنظيم «داعش» وسائل جديدة في عملياته الإرهابية للمرة الأولى في لبنان، إلا أن سلسلة العمليات الانتحارية التي ضربت منطقة القاع البقاعية منذ أيام لم تكن مفاجئة، بل كان متوقعاً أن يقدم التنظيم على شنّ عمليات إرهابية في مناطق تشكل الخاصرة الرخوة للبنان، لا سيما القاع ورأس بعلبك والفاكهة. لكن علامات استفهام عدّة ترسم حولها، هل كانت منطقة القاع هي المستهدفة أم أنها معبر للوصول إلى مناطق أخرى في عمق الحدود اللبنانية؟ وإذا كانت القاع هي المستهدفة فما هو السيناريو الذي رسمه التنظيم؟ هل هو السيطرة على منطقة القاع ومحيطها واتخاذ سكانها رهينة؟ وما علاقة ذلك بالمستجدات العسكرية في المنطقة لا سيما في سورية وتحديداً بعد تراجع التنظيم على إثر العمليات العسكرية ضدّه في الرقة والفلوجة وغيرهما؟ وبالتالي هل تتكرّر عمليات القاع في مناطق أخرى على الحدود وفي الداخل؟
لا شك في أن هذه العمليات قد فشلت بحسب خبراء عسكريين، لأنها لم تحقق أهدافها المخطط لها، وفي الوقت نفسه تؤكد ضعف التنظيمات الإرهابية في الجرود إن كان «داعش» أو «النصرة»، وتعبّر عن المأزق الذي تعيشه وتكفي المقارنة بين وضعها اليوم ووضعها منذ سنوات قليلة وتحديداً خلال غزوة عرسال عام 2013.
لا يمكن للانتحاريين الذين نفذوا العملية الدخول إلى البلدة من دون تغطية من جهات معينة من داخل مخيمات النازحين أو خارجها، الأمر الذي يعيد أمن المخيمات وتنظيمها وضبطها إلى الواجهة والتي تحولت إلى قنابل موقوتة ستنفجر في أيّ لحظة في وجه الدولة اللبنانية التي لم تتعاط مع هذا الملف بمسؤولية منذ بدء الازمة السورية لا على الصعيد الأمني ولا على صعيد النزوح، في ظل العدد الكثيف من النازحين لا سيما في منطقة البقاع، وبمعزل عن أن الانتحاريين ليسوا لبنانيين ولا سوريين بحسب شهود عيان إلا أنهم دخلوا من الأراضي السورية ووجدوا من يسهّل دخولهم ويزوّدهم بالمعلومات من داخل الاراضي اللبنانية.
إجراءت مشدّدة في البقاع
مصادر مطّلعة في البقاع تؤكد لـ«البناء» أن حالة من الحذر لا تزال تخيّم على منطقة القاع ومحيطها. مشيرة إلى أن القرى المحاذية للقاع اتخذت إجراءات أمنية قبل الهجومين الانتحاريين على القاع بالتنسيق مع الجيش والقوى الأمنية، وبعد التفجيرين رفعت درجة هذه الإجراءات ونشرت مجموعات عسكرية للحراسة على النقاط التي يمكن أن يتسلل عبرها الإرهابييون، كما اتخذت بلديات المناطق والمحافظ قرار بمنع تجوال النازحين السوريين خلال الليل تحت أي سبب، وتم وضع حراسة مشددة على بعض المراكز الحساسة لا سيما في المساجد والحسينيات وأماكن التجمعات المدنية، لا سيما خلال شهر رمضان بالتنسيق مع الجيش والقوى الأمنية.
وتكشف المصادر أن الانتحاريين دخلوا من الأراضي السورية، وتلفت إلى أن لا يمكنهم الدخول إلى القاع وتنفيذ عملياتهم الإرهابية من دون تواطؤ وتسهيل من بعض النازحين السورين المتواجدين بكثافة في القاع وعرسال.
المخيّمات قنابل موقوتة
وحذّرت المصادر من أن مخيمات النازحين تحولت إلى قنابل موقوتة وخصوصاً أنها تشكل بؤراً حاضنة للإرهابيين في عرسال ومشاريع القاع. وتوضح أنه لا يمكن حماية المناطق الحدودية مئة في المئة من الهجمات الإرهابية. فكل إرهابي يستطيع الدخول إلى أيّ بلدة حدودية ويفجر نفسه إذا كانت البلدة حاضنة للإرهاب، لكن الاحتمال ينخفض إلى حدّ كبير إذا كانت المنطقة ليست حاضنة للإرهاب.
وتتحدث المصادر عن مساحات شاسعة بين الجرود والمناطق الحدودية ويتواجد الجيش اللبناني في مناطق عدّة وأخرى يتواجد فيها عناصر حزب الله، وتحذر من أن الخطر يكمن في مشاريع القاع التي غالبية سكانها من العراسلة وتحديداً من آل الأطرش المعروفين بانتمائهم إلى «داعش».
من العراق إلى لبنان
يشير الخبير الاستراتيجي العميد المتقاعد وليد زيتوني في حديث إلى «البناء» إلى أن ما شهدته بلدة القاع يندرج في سياق تغيير التكتيك وطريقة العمل من قبل تنظيم «داعش»، والأسلوب الجديد الذي استخدمه التنظيم في هجمات القاع هي الطريقة التي يستخدمها في العراق من خلال الزجّ بعدد كبير من الانتحاريين في عمليات متلاحقة.
واعتبر زيتوني أن استراتيجية «داعش» الثابتة تكمن في الوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط عبر شمال لبنان، وبعد الهجمات الليلية تبين ان العملية هي بمثابة تسلل هدفه السيطرة على القاع باعتبارها خاصرة رخوة، وجعلها قاعدة انطلاق لتوسيع أعمالهم الإرهابية في باقي المنطقة لكن تم إفشال هذا التكتيك، وهذا لا يعني أن المخطط توقف فهو لا يزال قائماً خصوصاً في ظل تواجد الاستخبارات التركية في شمال لبنان، وكل الاحتمالات واردة في ظل وجود خلايا نائمة في مخيمات النازحين يستخدمها «داعش» لأهدافه. وهذا يستدعي قراراً سياسياً يسبق القرار العسكري، ورأى أنه يجب تسليم المخيمات التي تؤوي الإرهابيين إلى النظام في سورية لمعالجة أوضاعها.
هدفان لهجمات القاع
وتحدّث زيتوني عن وجود هدفين للهجمات في القاع. الأوّل عام يتعلق بالمعركة التي تدور في المنطقة بشكل عام، وليس في الكيان اللبناني فقط، فنحن ذاهبون إلى معركة كبيرة في حلب على رغم أنها قد تتأخر لمدة ثلاثة أشهر. لكن هناك حربَ استنزاف وتثبيت مواقع تسبق عملية الإقتحام بالمقابل هناك عمليات تجهيز من قبل «داعش» و«المعارضة المسلحة» التي استفادت من فتح الحدود التركية والهدنة التي تم إعلانها.
أما الهدف الثاني بحسب زيتوني، فإنه يرتبط بتراجع لتنظيم «داعش» في معركة حلب وفي الرقة نتيجة هجوم الجيش السوري عبر محورين، ما شكّل نوعاً من الضغط على «داعش»، وهذا ما دفع «داعش» إلى تنفيذ الهجوم في القاع والذي يعتبر بمثابة اختبار لمعرفة مدى إمكانية نقل الصراع عبر الحدود اللبنانية مروراً بشمال لبنان، من أجل للوصول إلى البحر المتوسط وذلك لاستباق الخطة الأميركية.
صراع المحاور
وأوضح زيتوني أنّ الأميركي غيّر وجهة هجومه من الحسكة باتجاه الرقة نحو منبج في ريف حلب بهدف السيطرة على الحدود مع تركيا، وصولاً إلى حلب من أجل الوصول إلى شمال اللاذقية والمحور الشمال، وذلك يرتبط بالمشروع الأميركي لتطويق الصين عبر الأبيض المتوسط مروراً من لبنان إلى الشام والعراق وشمال إيران وصولاً إلى منطقة القوقاز. فالهدف بالنسبة إلى الأميركي إيجاد ممر له إلى القوقاز، وهذا المخطط الأميركي تعارضه تركيا لأنها تعتبره يؤسس لدولة كردية، ما قد يؤدّي إلى خسارة أجزاء من أراضيها لصالح الدولة الكردية، وبالتالي ما يحصل يندرج في سياق الصراع الأميركي التركي الحاصل في المنطقة.
ويتحدث زيتوني عن صراع بين ثلاث اتجاهات في المنطقة، الأول الأميركي الذي يمتد من شمال لبنان إلى القوقاز عبر سورية والعراق. والثاني التركي يحاول عبر «داعش» قطع هذا الخط ومروره عبر الشمال سيأخذ قسماً من الأراضي التركية، لذلك تركيا تحاول كسر رجل الأميركي من شمال لبنان لعرقلة سير الخط الاميركي الذي يمسك بالوضع في شمال لبنان.
ويضيف: أما المحور الثالث فهو سورية وإيران وروسيا ويريد قطع الطريق على على المحورين لأن المحور الأميركي سيطال إيران من جهة الشمال الغربي ويمر على الأراضي السورية ويعمل لتطويق روسيا.
ويلفت زينوني إلى أنّ العمليات الانتحارية في القاع تستهدف فتح ثغرة في المنطقة وإقامة سدّ منيع في وجه المحور الاميركي والالتفاف على القوات الروسية والسورية من الخلف من داخل الاراضي اللبنانية، لذلك هذه العمليات تأتي في إطار المشروع التركي وترافقت مع حركة تركية نشطة في شمال لبنان الأسبوع الماضي عبر الدعم بالمساعدات الإنسانية والطبية. ويشير إلى أن جولة العمليات الأولى والثانية كانت بمثابة تحضير للموجة الثالثة التي كانت ستنفذ في ما لو نجحت الجولتان الاولى والثانية.
وتوقع زيتوني أن تتكرر هذه العمليات في مناطق معينة أخرى وأن تستغل السعودية هذا الوضع وتحرك خلاياها النائمة التابعة لتنفيذ عمليات إرهابية أخرى.
القاع مستهدفة لتاريخها المقاوم
وترى مصادر حزبية في القاع، في حديث إلى «البناء»، أن الوضع في القاع بحالة من الترقب والحذر واليقظة، وتضيف أن القاع مستهدفة تاريخياً نظراً إلى خطها المقاوم والوطني وهي التي استهدفها الإرهاب «الاسرائيلي» وارتكب فيها مجزرة كبيرة وعاد واستهدفها خلال حرب تموز 2006 وارتكب فيها مجرزة ايضاً، واليوم ضربها الإرهاب التكفيري وأوقع 5 شهداء و20 جريحاً.
وتؤكد المصادر أن الانتحاريين ليسوا لبنانيين وليسوا سوريين وتبين ذالك من خلال لكنتهم التي تحدثوا بها مع بعض أهالي البلدة قبل تفجير انفسهم وهم في مقتبل العمر، ولا يوحي مظهرهم بأنهم «داعشيون»، فهم حليقو الذقون ويحملون شنطاً صغيرة على ظهورهم وذلك للتمويه وتضليل الاجهزة الامنية.
ودعت المصادر القوى الأمنية إلى القيام بواجباتها، وتضيف: لا يستطيع الجيش تغطية جميع المناطق الحدودية بل يحتاج إلى مساعدة من الشعب. وطالبت الدولة اللبنانية بإجراء اتصالات مباشرة وغير مباشرة بشكلٍ عاجل مع السلطات السورية للتنسيق معها لضبط الجرود في بعلبك وعرسال والقاع.
وتحذّر المصادر من خطر النازحين السوريين وتدعو إلى إعادة إحياء اللجنة التي شكّلت من حزب الله والحزب السوري القومي الاجتماعي واستخبارات الجيش لتنظيم وضبط عملية النزوح وإحصاء أعدادهم الحقيقية ودخولهم وخروجهم من المخيمات والتحقق من وجود إرهابيين في داخلها.
وجدّدت المصادر التأكيد على أن القاع مستهدفة من المشروع الإرهابي التكفيري نظراً إلى موقعها الجغرافي، لا سيما أنّ مشروع «داعش» لا يزال يتمثل في الوصول إلى البحر المتوسط عبر القاع وعكار عبر طرابلس. وتشدّد على أن المسيحيين ليسوا تحت عباءة أحد بل هم منسجمون مع القوى السياسية وكل مكونات المنطقة، ومتمسكون بأرضهم ولا وجود لمخطط لتهجير المسيحيين. واستبعدت اندلاع أيّ فتنة مع مناطق الجوار.
مجهولون للسوريين: غادروا البقاع وإلّا…
وانتشر ليل أمس الأربعاء بيان «تهديد» موقّع بِاسم «حركة أحرار البقاع الشمالي» في مناطق البقاع وفي الأماكن القريبة من تجمّعات النازحين السوريين وجاء فيه: «تعلن حركة أحرار منطقة البقاع الشمالي عن قرار بحق السوريين، يجب عليكم مغادرة منطقة البقاع الشمالي، خصوصاً هذه البلدة خلال مهلة 48 ساعة تبدأ من ساعة تبلغكم هذا القرار، وإلّا سنتعامل معكم كأعداء ولن تكونوا بأمان، سنحرق بيوتكم، سنغتصب بناتكم ونساءكم، وسنقتل أطفالكم وقد أعذر من أنذر».