القدس… ومأزق الإسكان
راسم عبيدات
هناك أزمة حقيقية يعيشها المقدسيون في مجال الإسكان، ومردّها الى ارتفاع تكاليف البناء في مدينة القدس، حيث رسوم الترخيص للشقة الواحدة بمساحة لا تتعدّى الـ 120 متراً مربعاً تصل الى 50 ألف دولار أميركي، ناهيك عن الإجراءات «الإسرائيلية» البيروقراطية المعقدة وذات البعد السياسي والتي تُعيق عملية الحصول على الرخص للبناء.
المسألة والمشكلة ليست هنا في التشخيص والاحتياجات للبناء لكي يتناسب مع الزيادة الطبيعية للسكان، والمقدّرة بما يقارب 2000 وحدة سكنية سنوياً، بل في مدخولات المقدسيين الشهرية، والتي تشكل عائقاً جدياً أمام قدرتهم على البناء والسكن، فسكان المدينة العرب من نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر الـ82 هناك 60 عرب، وهذا يعني بأنّ أغلبهم لا يستطيع البناء أو دفع أجرة شقة لا تقلّ عن 600 دولار أميركي شهرياً ولترتفع الى 1000 دولار في العديد من مناطق فلسطينية عدة… في حين سعر الشقة الجاهزة للسكن لا يقلّ في حدّه الأدنى عن 280 الف دولار أميركي ما لا يقلّ عن مليون شيكل . وهذا الرقم الفلكي، كيف لمواطن مقدسي دخله الشهري لا يزيد عن خمسة آلاف «شيكل» أن يتدبّره؟
كلّ المؤسسات والأفراد العاملين في قضايا الإسكان يقولون بشكل واضح، بأنه لا يوجد منح او دعم أو هبات فلسطينية أو عربية او إسلامية للإسكان في القدس، ولم تقدّم أيّ جهة مثل هذا الدعم. ولذلك يبقى الخيار المتاح للسكان هو الحصول على القروض التي تصطدم بالكثير من العقبات، حيث لا يتمّ إعطاء أيّ قرض من أيّ جهة فلسطينية عربية أو إسلامية دون الحصول على الترخيص، هذا الترخيص المسقوف زمناً يستهلك كلّ مدخرات المواطن المقدسي، ولربما يستدين من أجل الحصول عليه، ناهيك عن أنّ البنوك والمؤسسات المصرفية الفلسطينية تضع شروطاً معقدة على منح القروض للمقدسيين في مقدمتها الكفلاء العاملين في السلطة أو القطاع الخاص والمحوّلة رواتبهم على البنوك العربية، بالإضافة الى ملكية المقترض لبيت في الضفة الغربية، وكأنه لو كان يملك بيتاً سيلجأ للاقتراض؟ وكذلك مدة التقسيط والقسط الشهري، هي الأخرى من العوائق أمام عملية البناء والبقاء والصمود في القدس.
ندرك جيداً بأن لا حلول سحرية لهذه المشكلة، حيث يغيب التفكير الاستراتيجي الفلسطيني أو ينعدم في هذا الجانب، ولا ننكر بأنّ هناك عقليات نفعية وارتزاقية. ولكن الأغلبية تريد أن يتوفر لها سكن، وهذا يجب أن يكون مستنداً الى دراسات بحثية واجتماعية حقيقية.
ونحن إذ نواجه مشكلة على صعيد الأفراد والجماعات او القطاعات التي تريد أن يتوفر لها سكن في القدس، لكي تستقرّ وتكوّن أسرة أو تعزز صمودها وبقاءها، فنحن كذلك نواجه مشكلة في العناوين والمرجعيات والمؤسسات العاملة في هذا الجانب، حيث المصلحة الخاصة أو احتكار التمثيل والمرجعية، هي المسيطرة على العقليات العاملة في هذا الجانب، وهي معضلة أخرى تضاف الى المعضلات السابقة، وهنا نقطة جوهرية يتوجّب حلها في هذا الجانب ايضاً، ناهيك عن المشكلة الأخرى مع البنوك المحلية والإسلامية التي تعمل في هذا المجال، فهناك مصالح نمت للنافذين الذين يبحثون عن مصلحتهم اولاً قبل مصلحة القدس والمقدسيين.
المواطن المقدسي يقول مللنا الشعارات والبيانات والمؤتمرات، ونحن بحاجة الى خطوات عملية تثبت وجودنا وتدعم صمودنا في هذا القطاع الهامّ، ولا نريد أن نبقى حطباً لمن يتصارعون على المصالح والنفوذ، وهنا علينا أن نتصارح… نريد خطة طريق يتمّ تلمّسها ورسمها من قبل العاملين في هذا الجانب، والجانب الرسمي هو رأس الأزمة والمشكلة، ويجب ان توجه وتفتح النار عليه، فهو من يعيق توحيد العناوين والمرجعيات في مجال الإسكان، وكذلك العاملون في مجال القطاع الخاص، هم أيضاً حتى اللحظة لم يستطيعوا التوافق على جسم موحد، جسم يتولى عمليات توفير الشقق السكنية للمواطنين المقدسيّين بأسعار او أجرة معقولة، وكذلك يحقق الربح المعقول، وحتى اللحظة فكلّ المشاريع التي ينفذها القطاع الخاص، هي مشاريع ربحية، وإنْ كان هامش الربح يختلف من مستثمر الى آخر، وكذلك مدّة التسديد وحجم أقساطها، وهنا نقول بأنّ الاتحاد التجمع المقدسي للإسكان خطا خطوة هامة في هذا الجانب من حيث رفع فترة السداد الى 15 عاماً، مع عقد اتفاقيات مع البنوك المحلية الفلسطينية لتمويل قروض الإسكان بضمان الاتحاد للأفراد او المؤسسات والجمعيات الراغبين في إقامة وبناء شقق ومشاريع إسكانية، وكذلك الاتفاق مع الجهة الرسمية السلطة على تحمّل جزء من الفائدة المصرفية على القرض.
في 22 الشهر الحالي وبدعوة من إدارة وقفية القدس وباستضافة الاتحاد التجمع المقدسي للإسكان، تمّ الاتفاق على تشكيل شركة للإسكان، يتمّ طرح أسهمها للاكتتاب العام خلال شهر، على أن يكون هدفها توفير الشقق السكنية للمقدسيين بأسعار معقولة، وهي خطوة جيدة إذا ما انتقلت إلى حيّز التنفيذ الفعلي.
ومن هنا لا بدّ من وضع جملة أفكار علها تساهم في فتح نقاش جدي للخروج من مأزق الإسكان في القدس، المرتكز الأساسي لتعزيز الصمود والوجود الفلسطيني في المدينة.
ـ أن تتولى جهات فلسطينية أو إسلامية أو عربية إقامة مشاريع إسكان فلسطينية في القدس، يتمّ تأجير شققها بإيجارات معقولة ما بين 200 300 دولار شهرياً، وهذه المشاريع تبقى ملك الجهات المالكة او يتمّ وقفها، أما مَن يستطيع الشراء فيتمّ بيعه الشقة السكنية بسعر معقول مع هامش ربح بسيط يغطي مصاريف تحصيل القروض والمدة المحدّدة لسداد القروض.
ـ الفئات الفقيرة والمهمّشة التي لا تستطيع توفير دفع رسوم الترخيص، يتمّ العمل على دفع رسوم الترخيص عنها، على أن تتحمّل هي تكاليف البناء، مع إمكانية منحها قرضاً لذلك.
ـ أن يعمد رجال الأعمال وأهل القطاع الخاص العاملون في مجال الإسكان على تشكيل جسم موحد من خلال شركة أو مؤسسة مصرفية، تقوم بضخ الأموال للراغبين في شراء الشقق السكنية، وتقوم هي بعمليات البناء والبيع والتأجير بأسعار معقولة، وفي إطار التشارك، وهنا تلزم السلطة او المنظمة بتحمّل نسبة من الفائدة المفروضة على القروض.
ـ الفئات المهمّشة والفقيرة يجب العمل على إيجاد جهة فلسطينية او عربية او إسلامية في إطار التغنّي بعروبة القدس ودعم صمود ومرابطة أهلها فيها، من أجل إقامة مساكن شعبية لهم.
ـ الجهات المشكلة باسم القدس من منظمات ولجان ومؤسسات عربية وإسلامية يجب أن يكون لها دور فاعل في تجنيد الأموال التي تعزز الصمود والوجود الفلسطيني في القدس عبر شراء عقارات او أراضٍ سواء تلك المهدّدة بالتسريب للجمعيات الاستيطانية، أو التي يمكن استردادها من الذين قاموا بشرائها أو السيطرة عليها من «الإسرائيليين».
Quds.45 gmail.com