صباحات
فلنتخيّل قائداً كالسيّد نصر الله وحجم الملفّات التي بين يديه، من صيانة وتعزيز ميزان الردع في وجه «إسرائيل»، إلى مقتضيات ومستلزمات الحرب في سورية والعراق واليمن، والقلب على البحرين، ومواكبة أوضاع الحزب ومؤسساته وناسه وهمومهم واهتمامتهم، انتهاءً بمفاعيل قانون العقوبات الأميركية. وعلى رغم ذلك، يتفرّد بتسجيل ظاهرة السموّ والرفعة في جعل الأخلاق الإنسانية معياراً للسياسية، فيعلن طرد كلّ عضو في حزب الله يشارك في إطلاق النار ابتهاجاً أو حزناً أو غضباً، مهما كان تاريخه مشرقاً، وكانت سيرته مشرّفة، لأن الاستهتار بحياة الناس عمل مشين، كاف لوضعه خارج شرف الانتساب إلى حزب المقاومة والناس… إنها الأخلاق.
بريطانيا وتركيا شرق أوروبا وغربها، ينسحبان من الحروب ويخرجان من أوهام الامبراطورية، وينكفئان إلى الداخل على رغم كلّ الكلام المنمّق ومحاولات التمويه. فهما تعترفان ضمناً أن مكاسرة الصخرة السورية لخمس سنوات قد شقت رؤوسهم وصارت الأثمان أعلى من العائدات، وأن السمّ الذي أُعِدّ لسورية فاضت به موائدهم فشربوه. وأنّ الحساب لم يغلق، فدماء السوريين ستلاحقهم بالعفاريت التي صنعوها وجلبوها لتنشر السحر الأصفر في سورية، فانقلب السحر على الساحر. والتتمة عندما تعلن أسباب تنحية أوغلو… الذي علّمهم السحر.
أردوغان لم يعتذر لروسيا، لكنه لبس ثوبه بالمقلوب، وغطّى رأسه باللبن وركب حماراً معقوراً وطاف حول البوسفور طالباً رضا بوتين. ولما جاء قبول الرسالة قال باللغة التركية كلمة «لا تواخذونا» معناها غير كلمة «أعتذر»، فيقصد بها لقد ارتكبنا حماقة وتصرّفنا كأغبياء، وتكلّفنا غالياً ثمن «جحشنة» لا يقدم عليها البشر، وما نالكم بسيط من نتائج هذه «الحيونة»، وما نالنا كثير. فهل صفحتم وطويتم الصفحة وفتحتم لنا الباب لنصحّح ما خرّبناه.
يا محلا الاعتذار… حلو القاموس التركي!
صاح البريطانيون في وجه كاميرون عندما طالبهم بالتصويت لصالح البقاء في الاتحاد الأوروبي، فقالوا: عندما تحقّق وعودك لنا بالغاز الروسي الرخيص عبر دخول أوكرانيا وحصار موسكو، والغاز القطري عبر سورية وتركيا وتفتح لنا أسواق آسيا بعد حصار الصين وحرمانها الغاز والنفط من إيران، تستطيع مطالبتنا بتحمّل منافسة العمالة والزراعة الوافدتين من أوروبا الشرقية بِاسم الاتحاد الأوروبي. فآخر نتاجكم وصول الإرهاب وتدفّق اللاجئين. تحمّلنا مراهقتكم ربع قرن فلن نعطيكم أعمارنا لمغامراتكم… بكى كاميرون وضحك السوريون. اهنوا على رحيل الأسد وفشلوا، فبقي الأسد ورحلوا!
الوردة إذا لم توزّع عطرها لأميرة تستحقّه، لا تشعر بالوجود. وإذا رقصت من الفرح لا تكتمل فرحتها قبل أن تعقد خلوة مع النحلة تروي حكايتها وتمنح رحيقها بلا حساب ولا منّة. والذين يدّعون القدرة على الشعور بالوجود والفرح في العزلة خارج أسرة صغيرة صنعوها بأنفسهم، مراهقون ولو بلغوا من العمر عتيّاً. يتعلمون الحياة وقد يغادرونها قبل أن يتمّوا صفوفها الابتدائية. اختبروا نجاحاتكم بحجم الذين يشعّ فرحكم وسطهم وتمنحونهم الفرح لتتلقوا إشعاعه عبرهم… تلك هي السعادة التي يتقنها الشهداء… وكلّ ابتسامة تصنعونها لإنسان لها نسبة من شهادة بحجم حاجته إليها، وتعطيكم فرحاً بحجم صدقه في تلقّيها. هكذا يشعّ الصباح عليكم فابتسموا للضياء.
يصنع الناس عتبات وهمية لأبواب وهمية يتوقّعونها. باب تغيير جذري في حياتهم نحو الأفضل، ويحلمون بها ويرسمون لها الأحلام الوردية، فيحدث أن يبلغوها ولا يتغيّر شيء كما توقّعوا، بل صار عليهم رسم عتبات جديدة لأبواب جديدة. أو لا يقع ما توقّعوا، فلا تفتح لهم الأبواب، فيصيبهم اليأس من الحياة والإحباط من المستقبل، وهم لا يعلمون أن أوّل التغيير هو اليقين بأن لا تغيير جذرياً في الحياة يصنع معجزة إلا التغيير في التفكير، وأهمّه اكتشاف أنّ المعرفة للذات وللغير وللمجتمع هي مصدر القوة قبل المال والمناصب والشهرة والأسرة، بل بها تدخل العتبات الآمنة نحو المال والمناصب والشهرة والأسرة… فهل نبذل من وقتنا لنعرف أكثر ونتواضع في ادّعاء المعرفة بمثل ما نهدر من الوقت لما نتخيل من عتبات وأبواب؟ الجواب هو صباح أيامنا.
إذا كانت الطرق التي نسلكها معقدة وصعبة، فعلينا قياسها بالأهداف التي نقصد بلوغها لا بالجهد والوقت اللذين أنفقناهما إليها. وإلا صرنا كالمقامر الذي يواصل اللعب دفاعاً عن خسائره وسعياً إلى تعويضها، فيقع في المزيد منها، ويرتكب الحماقات في مزيد من الغرق في مستنقع الأحلام. بينما الشجاعة هنا ليست في الإقدام والمثابرة، ليست بالعناد، الشجاعة هي قدرة التراجع أحياناً والمثابرة هي مواصلة التدقيق والمراجعة دائماً. هو الفارق بين الشجاع والمغامر والمقامر.