توقيت اعتذار أردوغان
حميدي العبدالله
لا شك أنّ ثمة حسابات دفعت الرئيس التركي إلى تقديم اعتذار إلى روسيا كان قد رفضه في السابق. من أبرز هذه الحسابات:
أولاً، الأوضاع الاقتصادية التي تعاني منها تركيا، حيث تتراجع معدّلات النمو، ويدين صعود حزب العدالة والتنمية، واحتفاظه بالحكم طيلة الفترة السابقة إلى معدّلات النمو المرتفعة التي تحققت في فترات سابقة.
أردوغان بحاجة إلى استعادة بعض النمو للحفاظ على شرعية وجوده، في الحكم، ومستوى التبادل التجاري مع روسيا يلعب دوراً كبيراً على هذا الصعيد.
ثانياً، تركيا أردوغان قلقة جداً من التعاون بين الولايات المتحدة والقوات الكردية في سورية، وقد أخفقت كلّ محاولات أردوغان لإقناع الولايات المتحدة بوقف هذا التعاون، وإقامة منطقة عازلة على الحدود السورية التركية، بل أكثر من ذلك أنّ نشاط الأكراد في سورية مدعوماً من الولايات المتحدة بدأ في خلق شريط عازل، ولكن ضدّ تركيا وليس ضدّ أيّ جهة أخرى، وهذا ما تخشاه تركيا أردوغان كثيراً، وأردوغان يريد تطبيع العلاقات مع روسيا للضغط على الولايات المتحدة من جهة، ولفتح خيارات إضافية أمامه من جهة أخرى، ناهيك عن رغبته في تعطيل أيّ تعاون كردي روسي لن يصبّ في مصلحته.
ثالثاً، يستعدّ أردوغان لخوض جولة جديدة لتحويل تركيا إلى النظام الرئاسي، والطريق الوحيد الممكن على هذا الصعيد، هو اللجوء إلى الاستفتاء أو الانتخابات البرلمانية المبكرة، وفي كلا الحالتين يحتاج إلى تأييد غالبية كبيرة لتمرير النظام الرئاسي، ومن الصعب الحصول على تأييد غالبية تزيد عن 50 إذا كانت أوضاع تركيا الاقتصادية سيّئة وعلاقاتها متدهورة مع غالبية دول المنطقة والدول الغربية إضافة إلى روسيا.
رابعاً، يعرف الرئيس التركي أنّ التطبيع مع الكيان الصهيوني لا يحوز على شعبية كبيرة داخل تركيا، وبالتالي وبعد إقدامه على تطبيع العلاقات مع تل أبيب، كان بحاجة إلى حدث سياسي كبير يستخدمه لحرف الاهتمام عن التطبيع مع تل أبيب، وحدث تطبيع العلاقات مع روسيا مع ما يترتب عليه من نتائج اقتصادية وحده المؤهّل للقيام بهذا الدور.
هذه الحسابات مجتمعة، وليس واحداً منها، هي التي تفسّر توقيت لجوء أردوغان إلى التطبيع مع روسيا؟ ودفع الثمن المطلوب الذي كان يرفض دفعه على امتداد حوالي ستة أشهر، وهو الاعتذار من الرئيس الروسي عن إسقاط الطائرة الروسية.