الأعمال اللبنانية… «فالج لا تعالج» ومغرقة بتقليد التركي!
جهاد أيوب
على رغم تراكم التجارب، والطموح الكبير، وإدراك أن المنافسة العربية شرسة، لا تزال الدراما اللبنانية تسير خارج سرب المنطق في الدراما، ولا منهجية تحرّكها سوى استغلال الموقف بعيداً عن الحدث، والهروب من الواقع، والابتعاد قدر الإمكان عن معالجة مشاكل البلد التي يعيشها على رغم أن «تحت كل صحن في لبنان قضية، ومشكلة وقصة»، لكن الأعمال اللبنانية مصرّة على أن تفقد توازنها في الطرح و«الحدوتة»، وتعشق الغيبوبة، وإن طرحت قضية ما تقع في إشكالية التعصب السياسي والطائفي، وها هي تعيش الغربة في مخاض مشوّه يجعلنا نأسف على ما يقدّم وما كان.
الغربة
التجربة اللبنانية مكتوب عليها أن تعيش الغربة مهما تعصّبنا لها، ومعقود قرانها على الاستسهال وعمل من ليس له عمل، وظلم الفنان الجاد. وعلى رغم هذا الكمّ من المواهب التمثيلية، وهذا الفهم الخاطئ في الحرّية المباحة بشكل عشوائي، هي أسيرة حركة تجارية إنتاجية ضيقة، حرّيتها مفبركة لا تشبه مجتمعها، وحركتها متصنعة لا تتوافق مع التحرّك اليومي للفرد فيها، ومواضيعها إما مخملية، أو برجوازية ومافيات وسراب وغير منطقية. ومن النادر أن نجد فيها ما يشبهنا، وإذا وُجد يحارَب، وتُلفَّق له «خبريات» سياسية ومناطقية وحزبية. هذا يعني أنّ الدراما اللبنانية مشغولة بخراب الاستمرارية، ويا ليتها تعود إلى أحداثها المعاصرة المنتمية إلى تاريخها القريب، بذلك تجدّد بقصص حدثت ولا تزال تحدث… العمل على تصوير الحياة الاجتماعية وقرائتها بمفردات أهلها، المفتاح الأسهل الذي سينقذ الدراما اللبنانية من الغرق في المجهول.
تخبّط تجربة السنة
ما قُدّم هذه السنة من دراما لبنانية بغالبيته نسخ مكرّرة من الأجواء التركية، أزياء غير مبرّرة، تصوير المنظر الطبيعي الجميل، التقاط صور القصور من زوايا مختلفة. والممثلون، حدّث ولا حرج، وبالكاد يخرج من يقنعنا، خصوصاً من ناحية الوجوه النسائية. والغريب أن الممثل اللبناني يتألق في الأعمال المشتركة، ويتفوّق، لكنه في العمل المحلي تضيق آفاقه، ونشعر كما لو كان تمثيله رفع عتب. لا بل نصدم بأداء أكثر من متواضع، ولا ندري سبب هذا الانفصام عند الممثلين. أما القصص فغايتها الهروب من الواقع، ولجم ما هو منطقي، والسير خلف اختراعات لأحاديث نسائية لا أعماق درامية فيها، ولا تعرف أن تتناول حضورها من الناحية الإنسانية، بل بقيت المعالجات على القشور، ولو أننا أخذنا بعض المشاهد، و«منتجناها» على مشاهد مسلسل لبناني آخر ومختلف فلن نجد الفرق، ولا ينتبه المشاهد لهذا الخليط، أقصد ما عرض يستطيع اختزاله بحلقات قليلة بعيداً عن المدّ والتطويل، واختراع الاحداث السطحية التي لا تخدم الفكرة. وإذا غيرنا التسميات لن يختلف الأمر، ولا ريب في قولنا إن الدراما اللبنانية… «فالج لا تعالج».
هذه سنة التخبط في الدراما اللبنانية، تسعى بغرور للوصول إلى الماضي الذي حدث، ولذلك واكبت العصر من دون دراية ومعرفة بتفاصيلة. الدراما اللبنانية صورة سريعة لا روح فيها، وإن اجتهدت فردياً يلجمها المنتج الخبير بكل الفصول الدرامية والثقافية والإخراجية فيعطّل عقل المشاهد الذي يتابع دمى تتحرك، ويقتل العمل فنياً لكونه يستخف بالفعل الدرامي. نقصد لا مجال لتغيير المنهجية المتبعة مع هذه المجموعة على أمل أن نجد المنتج الواعي، والفنان الحالم الحاسم الذي يعرف الاختيار، والمخرج صاحب الرؤية، وإلى ذلك اليوم تبقى الدراما المحلية مجرد سهرات غنية بالازياء والاكسسوارات النسائية، واللهجات المغناج، والحوارات الممجوجة، والتقاط صور لحديقة منازل الجيران والسلام.
المشترك
لا خلاف في أن الاعمال المشتركة مع الفنانين السوريين لها نكهتها الجميلة، وقدّمت في بعضها وجبة فنية غنية بمفهوم البعد الفني من احساس عال، وتقنية في تقمص الدور، وذكاء في الأداء، وأيضاً على صعيد النصّ الجميل والمترابط، والحبكة القصصية المتماسكة، والحوارات البعيدة عن التنظير. وبصدق علينا الاعتراف بأن الاعمال المشتركة إضافة مهمة، أبرزت طاقات الفنان اللبناني بثقة، وزادت من انتشاره خارج حدود الوطن، وقدمت شخصيته بوضوح محبب، وهذا يطرح الكثير من الأسئلة والتساؤلات.
«نص يوم»
«نص يوم»، إعداد وإخراج سامر البرقاوي، بطولة: تيم حسن، نادين نسيب نجيم، عمر ميقاتي، جوزف بو نصار، وفادي أبي سمرا.
تيم حسن هو الذي صبّر المشاهدين على المتابعة، وتحمل هذا الكم من التسطيح والفراغ والملل والتطويل إلى حين الحلقة السابعة حيث تبلورت الأحداث، وبدأ العمل يتنفس الأفضلية. تيم أيقونة الفن العربي، مجتهد يتقمص دوره لتخال أنه كذلك، يتابعه المشاهد وهو بدوره يقدم أدق تفاصيل الشخصية. هذا الفنان عابر الحالة والموقف ولو كان في الغرب لاختير كأفضل ممثل. يعرف استخدام نفسه كما ينطق الكلام، ويجعل حركاته الإيمائية كما لو انه يمتلك البوح. مخارج حروفه سليمة كأنه ينشد دوره. باختصار، تيم حسن ضمانة لنجاح العمل، ولكن الممثل مهما كانت إمكانياته عالية يحتاج إلى عمل شبه متكامل. لذلك، سقط «نص يوم» في المنافسة في حلقاته السبع الأولى، وعاد ليحتل المنافسة الأهم بجدارة، والفضل في ذلك لتكثيف حالات الحدث، وتقنية تيم، وذكاء المخرج، وإعطاء مساحة محببة للقدير جهاد سعد الذي أضاف نكهة جميلة بأداء متقن ينبع من خبرته.
العمل لا يتطلب 30 حلقة، بل يختصر بخمس حلقات، فالحدث يتيم وواضح ولا يتحمل الثرثرة، والحوارات بعيداً عن تيم فقيرة، والتطويل مشكلة، والمشاركون بالعمل عددهم محدود ومتواضع. حتى إقحام قصة جهاد سعد معها فهي تكرار ليس إلا… بالطبع، النجاح لا يتطلب الكم، ولكن «نص يوم» يصلح لسهرة أو خماسية أو لفيلم سينمائي. أما نادين نسيب نجيم فهي لم تمثل ولا أغنت العمل. ظهورها في الحلقات الأولى أقل من عادي، والإصرار أن تخفي نصف وجهها من خلال غرّتها أمر مضحك لا يليق بالشاشة. وإذا كان القصد من ذلك خجلها لكونها فاسدة، وتسعى وراء السرقة فهذا جهل فني بامتياز. أدت بشكل لا بأس بعد الحلقة 15، ولو تنبه الكاتب والمخرج لها بعيداً عن انشغالهما بالفنان تيم، وعمّقا مشاهدها لكان العمل أحدث نقلة في الدراما العربية. فكرة أدوار تيم ونادين تستطيع إغناء العمل، وخلق تداعيات درامية رائعة، ولكن ما كل ما هو حقيقة ويطور العمل يعرف ويتمنى.
القدير عمر ميقاتي له علينا الحق في أن نرفع له القبعة، هو من المجتهدين، ومن المعلمين، ومن الصابرين على بلاء فنان اليوم. يمثل ببساطة، ويؤدي بمسؤولية، ويمتع السمع والبصر، وكان إضافة جميلة إلى هذا العمل.
كما تميز المخرج سامر البرقاوي باللقطات الذكية، وبالإضافات الضوئية التي أدخلها على مشاهده النهارية والمسائية. عيبه أنه لم يشتغل على بعض الممثلين حيث ظهرت مشاهدهم ناقصة، تتطلب أكثر من إعادة. همه كان تيم والشكل العام للكادر الغني والمفعم بالحركة، والتقاط الطبيعة اللبنانية الرائعة وترك بعض الممثلين يغرّدون خارج سرب التمثيل.
«جريمة شغف»
تأليف نورا الشيشكلي، إخراج وليد ناصيف، وبطولة: قصي خولي، نادين الراسي، أمل عرفة ونجلاء بدر.
منذ أكثر من سبع سنوات ونحن نكتب ونقول على المنتجين إسناد الإخراج إلى مخرج الفيديو كليب وليد ناصيف، لأن كاميراه فيها نفحات تصلح للدراما، وهذه السنة أُخذ بإشاراتنا. كان على وليد أن يدرس التجربة أكثر، وأن يميّز أن التصوير الدرامي يختلف كلياً عن تصوير الفيديو كليب. الخط يختلف، والهدف والإيقاع، وعلى رغم تقديمه صورة جميلة وغنية، وحرك ممثليه بطريقة مقنعة، إلا أن أسلوب تقطيع مشهده كأنه يصوّر كليباته الغنائية لم يفارقه. عليه أن يعيد قراءة مشاهده أكثر. وبالتأكيد ربحنا هذه السنة مخرجاً درامياً سيتطوّر ويحدث نجاحاً كبيراً مع الأيام.
قصي خولي من أفضل الممثلين العرب، يتمتع بإقناع واتزان وحرفنه، واثق الخطوات، غني بتعبيره، ومتفوق في أدائه. كان أكثر من مقنعاً، خاض بالشخصية إلى حد خلناه أنه كذلك، هو إضافة لكل عمل يشارك فيه. أما نادين الراسي فالكل يعرف إمكانياتها العالية، ومصداقيتها في الأداء. جرأة منها أن تمثل مشاهدها وهي في السجن من دون ماكياج. ولهذه الفنانة مقدرة على بلورة المشهد بذكاء وعمق.
أمل عرفة فنانة الأدوار الصعبة، تستطيع أن تلوّن بعفوية، وتتحرك أمام الكاميرا بذكاء. وعلى رغم موهبتها المتوهجة، تلتزم بإرشادات المخرج إذا وجدت، وإن لم تجدها تصر أن تعطي المشهد الذي تخطفه بثقة وبقناعة تفيد العمل، وهنا لعبت دورها بعمق الشقيقة والمسؤولية. أمل طاقة فنية تغني الفن، وتضع حضورها المتميز من دون أن تربك المشاركين معها.
العمل مكتوب بعناية وبدقة، والمشاهد التي صوّرت في مصر كانت تحتاج إلى جلسات عمل أكثر، وإعادة صوغ أعمق للحوارات، وما عاب العمل ككل، التطويل ولحظات الصمت غير المبرّرة!
«يا ريت»، «وين كنتي» و«مش أنا»
«يا ريت»، تأليف كلوديا مرشليان، إخراج فيليب أسمر، بطولة القديرة منى واصف، قيس الشيخ نجيم، مكسيم خليل، ماغي بو غصن، وسام حنا، وهاني عادل، وريمي سرميني، وبسام لطفي.
قصة حب وخيانة من خلال واقع سوري ـ لبناني. وللحق النص كتب بعناية، وبدقة، ولكنه يحتاج إلى مخرج يقرأ ويناقش ويضع رؤية، والأهم أن يعرف كيفية تنفيذها. هنا غياب كلّي لدور المخرج، وفي كثير من الأحيان نشعر أن همه المشهد المفتوح من دون علمه ماذا سيحدث من حوارات في داخله، وهذا أكد أن المخرج لديه عقدة من قراءة النصّ، أو من قراءة مشاهده المسطحة بغالبيتها والبعيدة عن انتظار الحدث.
لم يدرك المخرج كيفية تحريك ممثليه، وتركهم لخبراتهم، وموهبتهم، وقد أضاع الكثير من التقاط تعبيرات القديرة منى واصف خلال تأديتها المشهد الحالة بعفوية العمق التمثيلي. تعامل مع مشاهدها كأنه يصوّر مشاهد عابرة لممثلة فقيرة الإمكانيات. منى قيمة وحضور ساحر تاهت بزحمة مخرج متواضع الإمكانيات أرهق ممثليه، وشتّت جهودهم، والتقط كادراته بضعف بصري بعيداً عن طبيعة النصّ وبفقر المشهد.
قيس الشيخ نجيب هو أساساً من الممثلين الجيدين، ومن الصعب أن يحلّ مكان المخرج الغائب. لذلك أدى دوره باجتهاد من دون إضافات. ومكسيم خليل ركّز على وسامته بعيداً عن قراءة موضوعية لشخصيته ومساحة دوره في المشهد. بالطبع المسؤول عن ذلك هو المخرج، لذلك وجدنا مكسيم يكرّر أسلوب غضبه وعصبيته من دون أبعاد وأهداف، كأن الشخصية ليست مركّبة ولا عمق فيها، شخصية ركيكة غير مؤثرة. والمفاجأة المؤسفة كانت في أداء ماغي بو غصن، ونحن نعلم موهبتها اللافتة، وكلّنا ثقة بتقمّصها أدوارها. لكنها هنا غير مقنعة، ولم تعرف ما هي الشخصية التي أدّتها. أداء متصنّع مكشوف، وحركة فقيرة لجسدها. وهلع وتأثيرات غير مبرّرة. للأسف، وعلى رغم أن الدور على ما يبدو مكتوب بشكل جيّد على الورق، ونفّذ بشكل ركيك وفقير، وبطلته أضاعته وشوهته، شاهدنا ماغي في أسوأ أدوارها، وبأسوأ إدارة.
«وين كنتي»، تأليف كلوديا مرشليان، إخراج سمير حبشي، وبطولة كارلوس عازار، نقولا دانيال، جان قسيس، نيقولا مزهر، جناح فاخوري، وبالاشتراك مع القديرة وفاء طربيه.
تستطيع كلوديا مرشليان أن تسرق السمع قبل البصر من خلال كتابة ذكية لحواراتها. هذه الكاتبة المسكونة بقلق اللحظة غامرت هذه السنة بتقديم أكثر من نصّ درامي، تاهت بغياب الرؤية الإخراجية، نأمل أن تجد هذه الكاتبة نصفها الإخراجي حتى تقدم الأفضل. الدراما فكرة ونصّ وحوارات مشغولة بعمق ودراسة، ومخرج لديه رؤية، ويعشق النصّ، لا أن ينفذه كموظف والسلام.
هذا العمل الثاني المتواضع لمخرج كنا نعوّل عليه الكثير بعد «أحمد وكرستينا»، سمير حبشي الذي غاب عن المنافسة والبصمة السنة الفائتة، وهو اليوم يكرر الغياب، للأسف لم يوصل لنا أيّ فكرة لتعبيرات مشهديه في صوره. اهتم بالإضاءة على حساب المشهد ككل، والغريب أن بعض مشاهده تحتاج إلى إعادة تصوير لفقر أداء الممثلين فيها، ولضعف الكادر، ولتشتت المشهد المركب على عجل.
نقولا دانيال في قمة العطاء، يدرس مشهده بعناية الخبير والمعلم، يوضب أدواته من دون إحراج لإمكانيات المخرج والزملاء. مثقف وبسيط. هذا القدير هو جوكر الدراما اللبنانية وعصبها، ويغني المشهد. أما كارلوس عازار هذا النجم بامتياز الحصان الرابح، يحتاج إلى مخرج يفجر إمكانياته لا أن ينتظر منه التمثيل، ظلم في هذا العمل، وغابت العفوية في كثير من مشاهده التي شعرنا أنه يؤديها من دون اقتناع أو رفع عتب، أي «بدّي إخلص تصوير مشاهدي وفلّ».
«مش أنا»، تأليف وسيناريو وبطولة كارين رزق الله، إخراج جوليان معلوف، بطولة بديع أبي شقرا، عمل كوميدي اجتماعي بعيد عن الواقع.
العمل لا يتحمّل النقد لا إخراجياً ولا تمثيلاً ولا كتابة، وهذه الأخيرة علّة أصابت العمل الضعيف، ومهما سوّق له يبقى مجرد مسلسل متواضع الجهود، ويفتقر إلى صناعة الدراما. وأسوأ ما فيه حواراته غير المترابطة، وركاكة مشاهده، وضعف إمكانيات بطلته كارين في الكتابة والتمثيل، غير مقنعة، ولا أعلم لماذا شعرت أن خلف كل مشهد تصوّره تنافر ومشاكل وتعصيب مع فريق العمل… هذا شعور وصلني بعد كلّ مشاهدة، وقد لا يكون حقيقة.
كما نأسف لجهود ممثل كبير اسمه بديع أبي شقرا، جهود ضاعت في هباء عمل غير ناضج وغير مكتمل.