الولايات المتحدة: أوباما والعنصرية

عامر نعيم الياس

في التاسع من الشهر الجاري قتل الشاب الأمريكي «الأسود» مايكل براون البالغ من العمر 18 عاماً على يد شرطي «أبيض» بست رصاصات أصابت جسده اثنتان منها استقرّتا في الرأس، وذلك في ضاحية فيرغسون بولاية ميزوري الأمريكية، وإثر ذلك اندلعت حركة احتجاجات وأعمال شغب لم تتوقف حتى اليوم، ما حدا بالسلطات الأمريكية إلى فرض حظر للتجوّل في الضاحية الواقعة في مدينة سانت لويس يبدأ من الخامسة صباحاً وحتى العاشرة صباحاً بتوقيت غرينتش.

ما يجري في فيرغسون يطرح العديد من التساؤلات حول مآلات العنصرية في الولايات المتحدة بعد انتخاب رئيس للبلاد من أصل أفريقي في تشرين الثاني من عام 2008، هل لا يزال المجتمع الأمريكي عنصرياً، أم أنّ السود يحاولون اللعب دوماً على عقدة ذنب تسمّى العنصرية لانتزاع مزيد من المكاسب في بنية المؤسسات الحكومية الأمريكية؟ هل نحن أمام عودة لقضية السود في الولايات المتحدة الأمريكية؟

الواضح أنّ الأمر مزيج من استغلال لعقدة ذنب مضافاً إليها موروث من العنصرية لم تساعد ممارسات المجتمع والحكومة الأمريكية على إزالته من العقل الجمعي الناظم لحركة المجتمع الأفريقي في الولايات المتحدة، حتى لو كان الرئيس من هذا المجتمع، فالمرشح الأسبق للانتخابات الرئاسية الأمريكية القس جيسي جاكسون قال في تصريحات لصحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية «إنّ ما يجري في فيرغسون هو تعبير عن الوعود التي لم تنفذ تجاه مجتمع السود في هذا البلد»، وفي هذا السياق يرى الكاتب تيم ستانلي في صحيفة الديلي تلغراف البريطانية أنّ «مقتل الفتية السود في بلد رئيسه أسود يعود إلى الكساد الاقتصادي الذي أصاب الأفريقيين الأمريكيين بشكل أقسى من غيرهم من المواطنين الأمريكيين مكرّساً التوزيع العرقي للثروة. يضاف إلى ذلك النظام البوليسي والقضائي الذي لم يصمّم لمساعدة السود بل لوضع عدد متزايد منهم من السجن».

ما يجري اليوم في فيرغسون يذكر بحادثة مقتل ترايغون مارتن في أحد شوارع ولاية فلوريدا على يد حارس أمني في عام 2012، حيث تمّت تبرئة من قتله بحجة الدفاع عن النفس، حوادث ترفع من وتيرة الغضب لدى الأمريكيين الأفارقة الذين شكل لهم مقتل براون فرصةً للتعبير عن غضبهم وإخراج هذا الغضب إلى العلن في حركة تكشف عدة أمور أهمها:

إنّ تحرك السود في الولايات المتحدة هو تعبير عن سخط تجاه سياسات وهيكلية الحكم في الولايات المتحدة التي لم تتغيّر إلى الحدّ المرجو، هنا تعنون «لوموند» الفرنسية في تقرير لمراسلها في واشنطن «فيرغسون أم السخط بين السود الأمريكيين».

إنّ انتخاب أوباما ليس سوى شكلاً من أشكال السراب حول انتهاء عصر العنصرية في الولايات المتحدة، بل أكثر من ذلك… إنّ ردّ الفعل العنيف وتدخل قوات الحرس الوطني في فيرغسون يكشفان عن العنف المتجذّر في العلاقة بين مكوّنات المجتمع داخل الولايات المتحدة الأمريكية، والمحاذير التي تتعلّق بالعرق واللون، هنا تقول الديلي تلغراف «في المرات القليلة التي حاول فيها أوباما التعامل مع قضايا عرقية كان لذلك نتائج سياسية سلبية».

إذا كان ما يجري في سورية يوصّف، أمريكياً، بأنه حرب أهلية ناتجة عن شعور مكوّن ما بالمظلومية، فالأجدى أن تواكب حكومة أوباما الحرب الأهلية الدائرة في سانت لويس بولاية ميزوري، كون الشعور بالغبن هو العامل المشترك البارز في تحرّكات السود الأفارقة الذين «لا يعرفون دوماً ما هي الرواية الصحيحة لما يحصل تجاههم» وذلك حسب تصريحات إحدى المتظاهرات لصحيفة «ليبيراسيون» الفرنسية.

كاتب سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى