سياسة أوباما الخارجية ومستقبل الشرق الأوسط 2/2
كتب شاس فريمان في العرض التقديمي لـ«الكابيتول هيل» حول مؤتمر مجلس سياسة الشرق الأوسط:
خرج الأميركيون في رحلة بحثٍ عن الوحوش بغية تدميرها، نجحوا في ذلك، وخلقوا وحوشاً آخرى. بعضها تبعنا إلى ديارنا، والأخرى في طريقها إلينا بلا شك. ولهذا نحن نتّبع سياسة التوسّع للحماية. برامج مكافحة الإرهاب لدينا تنتشر في كلّ مكان منعاً لتفعيل سياسة التشفّي والعنف ضدّ مصالح الولايات المتحدة.
لقد أعطينا دفعة كبيرة لانتشار الإرهاب بعد اجتياحنا العراق. هدفنا المُعلن كان السيطرة على أسلحة الدمار الشامل التي لم يمتلكها الإرهابيون الذين لم يكونوا أصلاً هناك. وبعد أن قطّعنا أوصال الحكومة العراقية، دخلنا في لعبة كرّ وفرّ ديمقراطية في المكان. فاستبدلنا الديكتاتور العلماني بآخر مستبدّ طائفي ولم نفشل في هذا فقط بل فجّرنا حرباً دينيةً أدّت في نهاية المطاف إلى ولادة الجهاديين الذين يحاربون اليوم على الحدود السورية ـ العراقية.
ما فعلناه في العراق أدّى إلى تقطيع أوصاله، وعملياً ما نقوم به الآن، شرذمة ما تبقّى من بلاد الشام. «إسرائيل» تقضم ما تبقى من فلسطين. يتحالف الجهاديون على تشريح العراق وسورية واقتسامهما. وبمساعدتنا، تحترق سورية، يتفحّم لبنان ويشتعل الأردن كما يبدو، ويهرب الأكراد من هياكل الدولة المفترض قيامها.
«مقيتةٌ هي الحكومة السورية»، لكننا نخشى حصول ما نتمنّاه ـ أي سقوطها ـ واستبدالها بأناس أكثر شرّاً ورعباً. التدخل الجوّي هناك لن يؤتي ثماره، وفي محاولة منّا لتحقيق وصفة انتصار النزعة العسكرية السحرية، اقترحنا تسليح أسطورة المعارضة السورية المعتدلة. ونتوقع من هذه الأخيرة محاربة الحكومة السورية ومعارضيها الأشدّاء، مع ضرورة تمنّعهم عن التمسّك بنبل قضيتهم المشتركة مع الجهاديين أو نقل الأسلحة اليهم. وهذه خطة لتهدئة الكابيتول هيل، لا فقط سورية.
أمّا إذا كان هدفنا إبقاء سورية مشتعلة، فهذا سهلٌ جدّاً. قد يكون هذا ما نريده فعلاً. ففي النهاية هذه الفوضى الحاصلة في سورية استنزاف لإيران، التي صنّفناها عدوّنا الرئيس في المنطقة. إذ يمكن القول إنّ إضعاف سورية قد يزيد من الضغط على إيران بهدف التخلّي عن برنامجها النووي الذي تعتقد «إسرائيل» واستخباراتها أنها لن تفعله بينما يؤكد القادة الإيرانيين أنها إن فعلت فستكون قد ارتكبت خطأً شنيعاً. إن تهديداتنا المتواصلة بقصف إيران اختبر ـ وبحق ـ نزاهة القادة الإيرانيين، إذ إننا نمنحهم كل الأسباب الموجبة التي تدفع بهم إلى بناء رادع نووي. وقد تستمرّ هذه التجربة لأربعة أشهر أخرى.
هذا يوصلني إلى نقطة مفصلية في صعوبة صناعة القرارات السياسية، فقد كرّرنا للناس في الشرق الأوسط مراراً وتكراراً أن عليهم إما أن يكونوا معنا أو ضدّنا. لكن أقوالنا هذه تبقى غير موثوقة لديهم بشكل مثير للإزعاج.
«ملالي» إيران هم ضدّنا في سورية ولبنان والبحرين، ومعنا في أفغانستان والعراق. نظام الأسد ومعه حزب الله يعارضاننا في سورية ويقفان إلى جانبنا في العراق. يحارب السلفيون الجهاديون معنا في سورية ولبنان وضدّنا في العراق وفي أي مكان آخر. الحكومة «الإسرائيلية» معنا في حربنا غير المعلنة ضدّ إيران، بينما تعرقل دعمنا الفلسطينيين في حقهم في تقرير مصيرهم، في الوقت الذي تسهّل ـ هي ـ على الأكراد القيام بالمثل. المملكة العربية السعودية معنا على إيران وسورية وضدّنا في العراق. كانت معنا ثم أصبحت ضدّنا عندما لم نعُد راضين عمّا يحدث في مصر. هي ضدّ الجهاديين في الهلال الخصيب ولا يستطيع أحد التكهّن أين تقف من هؤلاء الجهاديين في أماكن أخرى في العالم.
كيف يمكن لنا أن نضع استراتيجية متماسكة لإدارة الأمور في الشرق الأوسط في الوقت الذي يتعارض فيه الجميع بهذا الأسلوب الرديء؟ الجواب أنّ الغرباء لا يستطيعون أن يحكموا الشرق الأوسط، ولا يُفترض بهم المحاولة. آن الأوان كي يتقبّل قادة المنطقة تحمّل مسؤوليات أفعالهم ونتائجها بدلاً من التصرّف دوماً على أنهم أحرار من أيّ شعور بها.
حان الوقت كي يفهم سكان منطقة الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة أصبحت عاجزة عن حلّ القضية الفلسطينية «الإسرائيلية»، وأنه لم يعُد بمقدورها بعد الآن حماية «إسرائيل» من عواقب تصرّفاتها السياسية غير المقبولة قانونياً ودولياً، وأنها لن تكسب شيئاً بل ستخسر الكثير إن هي استمرّت على هذا النهج التدميري والعنصري.
تتخذ «إسرائيل» قراراتها من دون الأخذ في الاعتبار القيم والنصائح والمصالح الأميركية. قد تتخذ قرارات أكثر صوابية إن هي أدركت أنها قد تدفع ثمن أفعالها. على أميركا اتخاذ قرار قطع حبل السرّة وجعل «إسرائيل» تكون فقط «إسرائيل».
حان الوقت كي نكفّ عن التظاهر بأن الولايات المتحدة تعير أدنى اهتمام فعليّ لنشر الديمقراطية، وسيادة القانون أو حقوق الإنسان في الشرق الأوسط. نحن ندفع ثمن انتهاكات جسيمة ثلاثة هي: «إسرائيل»، ودعم النفي في مصر، وعدم التدخل في سياسة الملكيات غير الليبرالية في البحرين والسعودية والإمارات العربية المتحدة. فمن الواضح أنّ سياسة الولايات المتحدة ترتبك فقط بالمصالح لا بالأخلاق والقيم.
وإذا كان هذا هو الحال، فدعونا لا ننتهك قوانيننا من خلال مزاعم غير شريفة، تفيد بأنّ «إسرائيل» لا تسيء استخدام الأسلحة الأميركية، وأنه ما من انقلابات أو أهوال قضائية تحصل، وما من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في مصر. ما من مبرّر لدينا في ضرب القوانين عرض الحائط. إذا كانت مصالحنا الحقيقية في سورية وإيران تتعارض مع مصالح «إسرائيل» والسعودية فضلاً عن احتمال نشوب حرب باردة جديدة مع روسيا، فلنعترف بذلك، ولْنتصرّف على هذا الأساس. وقد يعني كلّ هذا إسقاطاً هزلياً لمؤتمر جنيف الذي أقيم حول سورية، والذي عمل على استبعاد كلّ الأطراف، وجعل من المؤتمر وسيلة لإقامة العلاقات العامة، من دون بذل جهود حقيقية لتحقيق السلام. ولو أننا أشركنا كلّ أطراف النزاع في هذا المؤتمر بمن فيهم إيران، لكنّا أملنا في إنهاء دوّامة العنف الدائرة هناك.
حان الوقت كي نقوم بذلك لأسباب إنسانية عدّة ومقنعة… إنهاء الصراع في كل من سورية والعراق، السبيل الوحيد لاحتواء الجهاديين ووقف المزيد من التفكّك العنيف السائد في سورية والعراق. لا يجوز لنا رفع مستوى الجهوزية والاستعداد في سورية من خلال ضخّ المزيد من الأسلحة التي ستنتهي حتماً في أيدي الجهاديين. من المفترض وضع حدّ لمزيد من التدخل الخارجي في القتال في سورية، والتركيز على منع نشوء معقل توسعيّ لهؤلاء في الهلال الخصيب وبلاد الشام التي ستصبح حينئذٍ وطناً لجحافل المسلمين المتطرّفين الحاملين راية الخلافة الإسلامية السوداء.
تشكّل حركة الجهاد التي تطلق على نفسها اسم «الدولة الإسلامية»، خطراً شديداً على السعودية كما على إيران. من الصعب على كلا الدولتين التعامل سوياً، غير أن مصالحهما المشتركة تدفعهما نحو ذلك. فهذه «الدولة» الجديدة وُلدت من رحم التنافس الجيوسياسي والديني بين الرياض وطهران ولا يمكن احتواؤها إلا بالتعاون بين العاصمتين. وهذا يعتمد على مدى التطور في العلاقات الأميركية الإيرانية ومدى قدرة الولايات المتحدة على القيام بذلك. لكن إذا ما بقيت الدولتان تتناصبان العداء، سيكون من الطبيعي أن تتوقع الولايات المتحدة امتداداً أكثر خطورة للسيطرة الجهادية التي ستغيّر المعالم الجغرافية والسياسية في الشرق الأوسط، وأن تسعى إلى العمل مع المملكة السعودية على ترويض الميول المتطرّفة في مثل هذه الدولة، وأن تتنوّر من خلال إقامة تحالف إقليمي يحقق التوازن في المنطقة مع إيران، وإلا ستكون النهاية مدمّرة كما في حال التدخل الأميركي في العراق.
اتّباع هذا النهج يتطلّب الكثير من المهارة والخيال الدبلوماسي الجامح الذي لم تُظهره الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة. وبالتالي، فإن النتيجة الأكثر احتمالاً لدينا، تكمن في المزيد من التردّد والحيرة والسخافة الدبلوماسية والعسكرية والتي ستلقي بظلالها على الأحداث الجارية. ما يعني ازدياد التهديد الوجودي لـ«إسرائيل»، انفجار سياسي مرتقب في مصر، تفكك متصاعد في العراق ولبنان والأردن وسورية وصولاً الى فلسطين، وتحويل جزء كبير من موارد هذه الدول لمكافحة الإرهاب ومحاربته في المنطقة وضدّ الوطن الأميركي… بإمكاننا وبمقدورنا القيام بأفضل من ذلك بكثير.
ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
فريمان هو سفير ورئيس المشاريع الدولية، مسؤول أميركي متقاعد في وزارة الدفاع، دبلوماسي، مترجم، حاصل على عددٍ من الأوسمة والجوائز العالمية، خطيب شعبيّ، ولديه خمسة كتب.