حرب الاستنزاف سبيل لإنضاج «إسرائيل» للقبول بالمطالب الفلسطينية

حسن حردان

ما أن تحدثت الأنباء مساء أمس عن التوصل إلى اتفاق بين الوفدين الفلسطيني و»الإسرائيلي» في القاهرة، حتى سارعت «إسرائيل» مجدداً إلى نفي ذلك، والتأكيد بأنّ الوفدين ما زالا في القاهرة يبحثان في تفاصيل الاتفاق وأنّ الوفد «الإسرائيلي» تلقى تعليمات من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بالإصرار على المطالب الأمنية.

غير أنّ ما حسم وجود قرار «إسرائيلي» مسبق بإفشال المفاوضات كما أشرنا في عدد الأمس. الإعلان بعد ظهر أمس عن قرار نتنياهو سحب الوفد «الإسرائيلي» من القاهرة. في ظلّ مؤشرات واضحة على اتجاه الوضع نحو التصعيد بعد إعلان «إسرائيل» عن إطلاق صواريخ باتجاه بئر السبع وشنّها غارات على مناطق مختلفة من قطاع غزة.

على أنّ الموقف الفلسطيني في الردّ على التعنّت «الإسرائيلي» وقرار حكومة نتنياهو بإفشال المفاوضات جاء حازماً على لسان الناطق باسم حركة حماس فوزي برهوم الذي هدّد نتنياهو بالقول: «إذا لم يفهم نتنياهو جيداً رسالة ومطالب غزة عبر لغة السياسة في القاهرة فإننا نعرف الطرق التي نجبره فيها على فهمها».

هذه التطورات تؤشر إلى جملة من الأمور:

الأمر الأول: انّ نتنياهو فشل في ممارسة سياسة التهويل على المقاومة بتوجيه ضربات قوية لها إذا لم تستجب لشروطه الأمنية في المفاوضات، كما أنه فشل في دفع الوفد الفلسطيني إلى تفجير المفاوضات عندما سارع هو إلى سحب وفده من القاهرة والعودة إلى لغة التصعيد العسكري.

الأمر الثاني: اتضح أنّ فصائل المقاومة ثابتة على موقفها وحازمة في قرارها عدم التراجع عن مطالبها المحقة، من ناحية، وجاهزيتها من ناحية أخرى للعودة إلى المواجهة في الميدان وإفهام «الإسرائيلي» بأنه لا يستطيع الهروب من استحقاق الإقرار بالمطالب الفلسطينية كما كان يفعل عقب كلّ عدوان في السابق، فصحيح أنّ قطاع غزة سيتعرّض للقصف مجدّداً ويتحمّل الفلسطينيون أكلافاً جديدة. فوق الأكلاف التي تكبّدوها بفعل الجرائم الصهيونية والتدمير الشامل لبعض أحياء غزة، إلا أنّ «إسرائيل» أيضاً سوف تدفع ثمناً كبيراً نتيجة لذلك، وهذا ما يمكن فهمه من كلام فوزي برهوم. فالخسائر الفلسطيني سوف تكون كمية بعد أن دفع الثمن الكبير في أيام العدوان السابقة، لكن خسائر العدو «الإسرائيلي» ستكون نوعية، في الاقتصاد والأفق والهجرة والتفكك الداخلي، وانعدام ثقة المستوطنين بجيشهم الذي كان بالنسبة لهم فوق النقد والتشكيك بقدراته وهيبته.

الأمر الثالث: انّ المؤشرات المقترح المصري، والاتفاق «الإسرائيلي» الأميركي كانت تؤكد بأنّ نتنياهو كان يتجه إلى الموافقة على اتفاق يسلّم فيه بمعظم المطالب الفلسطينية، التي لخّصت بالأمس برفع الحصار الكامل وإعمار غزة، وإصلاح الكهرباء، مقابل وقف نار مديد. غير أنه في اللحظات الأخيرة كان يسارع إلى التراجع والتهرّب من الموافقة بعد أن يتبيّن له وجود معارضة قوية داخل حكومته ولدى الرأي العام «الإسرائيلي» وقد أدّى إلى ذلك إلى سجال حاد داخل الحكومة عندما أخفى الاقتراح المصري، الأسبوع الفائت وباغته بنسخة عنه وزير خارجيته افيغدور ليبرمان.

الأمر الرابع: انّ الموقف الصلب للمقاومة ووفدها المفاوض، والمعارضة «الإسرائيلية» الداخلية للموافقة على المطالب الفلسطينية لوقف النار، وضع نتنياهو بين سندان معارضيه في داخل حكومته وحزبه وبين مطرقة المقاومة، الأمر الذي جعله يتأرجح فيميل حيناً إلى تأييد اتفاق يسلّم فيه بالمطالب الفلسطينية، ويميل حيناً آخر باتجاه العودة إلى التشدّد والتصعيد، وذلك خوفاً من أن يدفع ثمناً سياسياً يؤدّي به إلى ملاقاته مصير سلفه ايهود أولمرت الذي أقصته هزيمة حرب تموز 2006 من الحياة السياسية.

الأمر الخامس: يبدو من الواضح أنّ التوصل إلى اتفاق يحقق المطالب الفلسطينية، من دون جولة جديدة من حرب الاستنزاف التي باتت هي السبيل الوحيد القادر على إنضاج معارضي نتنياهو للقبول بتقديم التنازلات التي تشكل ممراً إلزامياً للخروج من دائرة الخسائر الكبيرة التي يتكبّدها الكيان «الإسرائيلي» من جراء استمرار الحرب.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى