«واشنطن بوست»: لماذا تخفّف السعودية قبضتها على النساء؟

في الآونة الأخيرة بدأت المملكة السعودية في اتّباع سياسات من شأنها تخفيف تضييقها على النساء. وتحاول صحيفة «واشنطن بوست» في هذا التقرير أن تفهم لماذا تتبنّى دولةٌ محافظة للغاية مثل السعودية تغييرات مفاجئة كتلك، وهي الدولة التي يندر أن تحدث فيها تغييرات.

لدى الأمير محمد بن سلمان رؤية لتطوير السعودية ومحاولة تقليل اعتمادها الكلي على النفط. لكن يبدو أنه مع «رؤية 2030» يتبنى بعض الإصلاحات الاجتماعية أيضاً. تمّ تجريد الشرطة الدينية من سلطة الاعتقال. كما شاركت النساء في الانتخابات للمرة الأولى في كانون الأول الماضي. مؤخراً، أعلنت وزارة العدل أنّه سيتمّ السماح للنساء بامتلاك نسخةٍ من عقد زواجهنّ. كذلك، لمّح ولي العهد إلى أنّ النساء قد يُمنحن قريباً حقّ قيادة السيارات، بشكلٍ رسمي.

يرى يو مينغ ليو وبول ماسغروف في مقالهما الذي نشرته «واشنطن بوست» أن «رؤية 2030» هي نتيجة حتمية لانخفاض أسعار النفط، وارتفاع النفقات العسكرية للحرب السعودية في اليمن. على النقيض من ذلك، تُفسر غالباً محاولات تحرير المجتمع السعودي بأنها محاولة لردم الفجوة بين الأجيال. السعودية دولة بها سياسات اقتصادية حرّة، وسياسات اجتماعية شديدة التقييد. ربما هذا التناقض يبرهن مدى صلة السياسة والاقتصاد السعوديين بسياساتها تجاه المرأة.

يفسّر الكاتبان اضطرار الدول القمعية الغنية بالنفط لفرض سياسات مجتمعية قمعية، بأنها محاولة لاسترضاء المجموعات ذات النفوذ والسلطة الدينية كرجال الدين الوهابيين. إذا كانت المملكة تحاول تقليل السياسات الاجتماعة القمعية، فهذا ربما يعني أنها أيضاً تحاول إعادة صوغ صفقتها مع رجال الدين. ليس هناك ما يكفي من الشواهد على أن المجتمع السعودي المحافظ هو من طالب بتلك الإصلاحات. حتى لو كانت بعض النساء تدعمن تلك القيود، يبدو أن الغالبية تفضل التخلص منها.

لماذا تفرض المملكة تلك القيود على النساء؟

قد لا تبدو الإصلاحات الأخيرة في السياسات الاجتماعية السعودية بتلك الأهمية، بيد أنها مهمة بالأخذ في الاعتبار مدى رسوخ هذه السياسات في المجتمع السعودي. تؤثر هذه القيود في جميع جوانب الحياة في المملكة تقريباً. بعضها قد يكون غير مفهوم بالنسبة إلى الغرب مثل فتوى تحريم بناء رجل الثلج. الأخطر من ذلك، هي القيود القاسية التي تفرضها المملكة على النساء. يصف مراقبون تلك السياسات بأنها معبرة عن التراث الديني للبلاد، لكن هذا ليس صحيحاً تماماً.

يرى الكاتبان أن هذه السياسات تمثل برنامجاً راديكالياً برعاية الدولة، يهدف إلى تبديل الثقافة السعودية وتوحيدها. عدد من السياسات السعودية المقيدة تستند على تقاليد دينية متبعة في منطقة نجد، منشأ العائلة الملكية. تلك السياسات تمّ فرضها على مناطق أخرى من البلاد مثل سواحل البحر الأحمر، والخليج الفارسي. الهدف ليس فقط فرض العقيدة الحنبلية الوهابية، بل أيضاً توحيد السلوك العام، يطلق نبيل مولين على هذه السياسات «عملية التقويم».

الوهابية وتأثيرها في عمل المرأة بمتاجر الملابس الداخلية

يوضّح النّقاش الذي جرى مؤخّراً حول إمكانية عمل المرأة في متاجر بيع الملابس الداخلية، الفجوة بين النساء في المملكة، والمؤسّسة الدينية. رفض رجال الدين عمل النساء في تلك المحلّات معللةً ذلك بأنّه أدى لحصول النساء على الكثير من الاستقلالية والسلطة. تبعاً لذلك يعمل الذكور من الأجانب في تلك المحلّات، الأمر الذي اعتبرته نساء سعوديات بعيداً عن التهذيب، وكذلك تهديداً اقتصادياً.

أصدرت الحكومة مرسوماً ملكياً تحثّ فيه وزارة العمل، على ضرورة استبدال الموظفين الذكور من الأجانب، بالنساء السعوديات. مع ذلك، قامت الشرطة الدينية بتهديدهنّ ومضايقتهنّ عندما عملن في تلك الوظائف. وصف الشيخ عبد العزيز آل شيخ مفتي المملكة وأعلى رتبةٍ دينيةٍ فيها، وصف القرار بأنّه «جريمة وقلّة احترام». عندما رفض وزير العمل إلغاء ذلك المرسوم، هدد بعض رجال الدين بأن يطلبوا من الله أن يصيبه بالسرطان.

يرفض كثيرون من السعوديين القيود المفروضة على المرأة لأنّها مكلّفةٌ جداً. تلك القيود لا تقيد حياة النّساء فحسب، بل تجبر العائلات السعودية على دفع مليارات الدولارات في كلّ سنة، وتفرض تكاليفاً على المجتمع السعودي ككل. على سبيل المثال، بسبب منع النساء من قيادة السيارات، تدفع الكثير من العائلات مبالغ كبيرة لتوظيف سائقٍ أجنبي. كذلك، تبقى الكثير من القوى العاملة في المملكة معطّلة، بسبب منع النساء من العمل، الأمر الذي يقلّل من الناتج الإجمالي المحلّي للفرد، بنسبةٍ تصل إلى 38 في المئة.

السياسات الاجتماعية السعودية وبقاء النظام

على رغم كون سياسات تقييد النساء باهظة الثمن ومرفوضة اجتماعياً، إلا أن الحكومة تستمر في تطبيقها. السبب في ذلك طبقاً لـ«واشنطن بوست»، هو الصفقة التي تعقدها الحكومة السعودية، عائدات النفط مقابل دعم الجماعات الدينية القوية تأتي هذه الصفقة على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للمرأة.

مثل سائر الدول الغنية بالنفط في المنطقة، يرتكز النظام السعودي على صفقتين في آنٍ. الصفقة الأولى هي بين الحكومة والمواطنين بشكلٍ عام، في مقابل عدم وجود تمثيل شعبي في الحكومة، يحصل المواطنون السعوديون على مجموعةٍ كبيرة من المنتجات المدعومة من الدولة، بدءاً من الإسكان، إلى الرعاية الصحية، والبنزين المدعوم. هذا هو عكس شعارات الحرب الثورية في الولايات المتحدة: «لا ضرائب من دون تمثيل». في الدول الديمقراطية، وجود ممثلين من الشعب في الحكومة يجلب الضرائب، أمّا في الدول الريعية، فإنّ التحرّر من الضرائب، ووجود الدعم الحكومي، يؤديان إلى قبول النقص في التمثيل الحكومي لهذا لا يدفع السعوديون ضرائب على دخولهم.

أما الصفقة الثانية فهي بين الحكام وجماعات المصالح القوية. يرغب الحكّام في البقاء في منصبهم لأطول فترةٍ ممكنة، وذلك لسببين، الأول هو تلقّيهم مبالغ ضخمة من خلال الرواتب والمكافآت وفرض القروض وغيرها من أشكال الفساد، والثاني، هو أنّ خسارة المنصب تعني النفي أو الموت. هكذا كان مصير غيرهم من ملوك دول الشرق الأوسط الغنية بالنفط، إذ تمّ قتل آخر الملوك العراقيين مع عائلته في ثورة عام 1958، بينما توفي شاه إيران في المنفى في القاهرة.

من جانبها، ترغب جماعات المصالح القوية في الحصول على أكبر حصّة ممكنة من عائدات النفط. يعلم الحكّام أنّه في حال توقفت تلك الجماعات عن دعمهما للحكومة، قد يؤدّي الأمر إلى انقلابٍ ناجح. لشراء ولائهم، على الحكومات الغنية بالنفط أن تضمن حصول كلٍّ من رجال الأعمال والجيش والاستخبارات ورجال الدين، على مبالغ كبيرة وثابتة من عائدات النفط.

يؤمن الكثيرون بأنّ الاستقرار السياسي المذهل للدول العربية الغنية بالنفط، ينبع من هكذا صفقات. بينما ترى «واشنطن بوست» أنّ بعض جماعات النخبة، إضافة إلى أموال النفط، تطلب خدمات غير مالية أيضاً. مثل دعم التعليم الديني، وتأجير الشرطة الدينية، والتصدير الدولي للمعتقدات الوهابية، وفرض سياسات صارمة للتفريق بين الجنسين. المملكة السعودية ليست الدولة الوحيدة التي تتبع مثل هذه الصفقات. تسلك إيران وبعض الدول العربية الأخرى الغنية بالنفط، اتجاهاتٍ مماثلة.

انخفاض سعر النفط

يستطيع هذا النظام الاستمرار ما استطاعت المملكة الحفاظ على هاتين الصفقتين. حين كانت أسعار النفط مرتفعة، استطاع النظام تحمل تكلفة إرضاء جماعات المصالح الأيديولوجية، كما منح الإعانات والمنافع الاجتماعية بسخاء، للحفاظ على صفقته الأولى مع الشعب. أمّا الآن فمن المتوقّع أن تظل أسعار النفط منخفضةً لعدة سنوات. لذا لن يستطيع النظام الملكي الاستمرار في الدّفع لكلتا الصفقتين.

بعبارةٍ أخرى، وتماماً كما هي رؤية عام 2030، فإنّ تغيير السياسات السعودية تجاه المرأة ليس تطوراً أخلاقياً. ويعني هذا أنّ الحكومة السعودية تواجه أوقاتاً سياسيةً عصيبة. لقد بات من الصعب الاستفادة من الجماعات التي اعتادت أن تطلب فتحصل على ما تريد. إعادة كتابة المساومات والصفقات الأساسية التي ينبني عليها النظام تحمل في طياتها خطراً جلياً، وهو احتمالية وجود نظام محتمل آخر، يعرض صفقات أفضل، ويحصل على السلطة.

تفسّر هذه العوامل لماذا تتغير العلاقة بين النظام الملكي والمؤسسة الدينية، بسبب إصلاحاتٍ موقتة ومحدودة. يقول توكفيل: إنّ أخطر لحظة لنظام مستبد، هي عندما يبدأ في الإصلاح.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى