دماء رخيصة وقادة بلا انتماء!

مصطفى حكمت العراقي

تستمر دائرة الأيام بالدوران فلا تبقي أحداً على حاله الا ما ندر، وكان للعراقيين صفة التميّز بالدوام على حال لم يتغيّر منذ الاحتلال الأميركي وإلى الآن، فكانت دماء العراقيين هي الغالبة لجهة الدوام والتسابق على السقوط، فكان السقوط المستمرّ والمتزايد صفتها الرئيسية، وكان زهق الأرواح لبلاد ما بين النهرين اللذين تحوّل ماؤهما دماً من كثرة الدماء المتناثرة في كلّ مكان حتى تحوّل العراق ساحة لتنافس العصابات الإجرامية بينها لجهة إظهار قدراتها في استهداف المدنيين وسقوط الأبرياء وضرب المناطق المحصّنة، وصولاً لتحقيق العدد الأعلى من الأرواح المزهقة. وعندها يتحقق المراد وتكون الصورة مكتملة بجثث محروقة واشلاء متناثرة وجرحى تحوّل ما تبقى من حياتهم جحيماً وظلاماً لا يحوي طريقه نوراً، وأمهات ثكلى، وأبناء يتامى، وعمارات متساقطة وأخرى محروقة، وأيام من المفترض أن تكون أعياداً لشعب لم ولن يعرف للعيد سبيلاً.

كلّ هذا يفعله الإرهاب متى يشاء وأينما يشاء في ظلّ قيادات أمنية وسياسية وحكومية نائمة لما يحصل ولا تكترث لشيء يحصل، لأنّ المال الحرام أشبع بطونها وأعمى أبصارها وجعلها غير مكترثة لتساقط الأبرياء اليومي، تتلقى ما يحصل بشعارات زائفة لا تغني ولا تسمن من جوع، وكأنهم يقولون اذهبوا كشعب إلى الجحيم ونحن كقيادات جاثمون على صدوركم أحياء كنتم او أمواتاً. فالقيادات التي أوجدها الاحتلال وأدام وجودها الفساد بمختلف أشكاله لن يرجى منها خيراً لجهة التفاعل مع مطالب شعب أنهكه القتل والفساد وإجرام دواعش السياسة والفساد، فضلاً عن إرهاب داعش في المناطق العراقية المغتصبة منذ عامين.

فمن يشعر بالفقير والجائع والعاري والمقتول والجريح والنازح والمظلوم ومن أطرق الدهر عليه ويلات ومصائب لا تنفك واحدة حتى تأتي الأخرى مطبقة عليه، كلّ ذلك يجب أن يشعر به شخص غير ساسة العراق الذين تشهد لهم ولعوائلهم شقق دبي وباريس وباقي عواصم الغرب والخليج التي اتخذوا منها ملاذاً ومسكناً لهم لأنهم ينظرون إلى العراق كبلد ثانوي ووسيلة لجمع المال وتخزينه لصرفه في عواصم أخرى تمنح لهم الجنسيات وتجعلهم عبيداً وتوابع لتحقيق أهداف هذه الدول في العراق مقابل الإبقاء على توابعهم في عواصم تلك الدول. كلّ ذلك جعل العراق عرضة للإرهاب وتنفيذ مخططاته متى ما يشاء الأخير ذلك فتوالت الأعمال الإجرامية واختلفت شدّتها الى أن أمست بغداد قبل يومين على تفجيرات دامية في منطقة الكرادة المكتظة بالسكان، نظراً لموقعها المركزي في قلب بغداد وكثرة المجمعات التسويقية فيها، اضافة الى وجود مقارّ عدة للأحزاب والحركات السياسية والمجتمعية فيها، ما جعلها تغصّ بالمواطنين في الأوقات كلها، فكانت صيداً ثميناً للإرهاب في مختلف الأوقات، وتلقت ضربات إجرامية عدة الى أن كان آخرها وأكبرها ما حصل قبل يومين في ساعة متأخرة من الليل راح ضحيتها أكثر من 200 شهيد والعشرات من الجرحى والمفقودين وخلفت خسائر مادية شاسعة في عملية أصابت الجميع بالذهول لجهة ضخامة العمل وتوقيته، خصوصاً بعد أن وعدت القيادات الأمنية بالسيطرة على ملف بغداد الأمني والقضاء على مصادر حدوث الأعمال الإجرامية ومن يقوم بها، وخصوصاً بعد تحرير الفلوجة من إرهاب داعش حتى جاءت هذه العملية لتنسف كل شيء وتعود بالعراق الى المربع الأول لجهة كشف فشل وزيف خطط القيادات الأمنية المسؤولة عن أمن العراق بشكل عام والعاصمة بشكل خاص. فمن أصدع رؤوسنا بالتهيئة والتحضير وإعداد خطط محكمة في أيام العيد نجد ان كلامه هواء في شبك وأن من فشل لعشر سنوات في ادارة الامن لا يمكنه النجاح في ما يستجد من أيام حتى كانت معالجة الخرق الفاجع بزيارة اجراها قائد الملف الأمني الأول في العراق رئيس مجلس الوزراء لموقع الحدث بعد وقوعه، فكانت قناني المياه والحجارة وكل ما يمكن رميه باليد هو نصيبه وموكبه من طريقة مثلى للاستقبال تلقاها من اهالي الضحايا للتعبير عن سخطهم من فشل ادارة العبادي وحكومته في ملف أمن بغداد وباقي ارجاء العراق، وكأنهم يقولون يا قائد البلد اين وعودك بالحفاظ على أمن بغداد بعدما لهفت مهرولاً لرفع العلم العراقي في الفلوجة بعد تحريرها ورفعت يدك وصوتك قائلاً سأحافط على دمائكم ولن أجعلها رخيصة كما كانت وسأجعل من يحميها أميناً عليها ومقدّراً قيمتها بينما من يمسك الآن به لا يعرف قيمة الدماء المتساقطة وينفذ أوامر الولايات المتحدة التي أبقته في منصبه الأمني قائداً لملف الأمن في بغداد لسنوات.. وهنا يمكن أن نطرح تساؤلات عدة إن لم يتم حلها فسيبقى الوضع على حاله وسنبقى ننتظر متى يأتي الانتحاري ليمزقنا ويجعلنا أشلاء متناثرة… وهنا نقول هل يجب أن يبقى المسؤول الأول عن أمن بغداد، وهو قائد عمليات بغداد في مكانه بعد فشله الذريع لسنوات في حفظ أمن العاصمة ووقوفه بالضدّ من الحشد الشعبي واتباعه أوامر السفير الاميركي في العراق، ام انّ مقولة إنّ قائد عمليات بغداد أقوى من رئيس الوزراء نفسه ولا يقدر الأخير على إخراجه من منصبه هي الواقع فعلاً؟

هل سيبقى العراق بلا منظومة استخبارية متينة تأخذ من تجارب الحلفاء كسورية وإيران تجارب لتقويتها وإرشادها للوقوف على قدمها ومنع وقوع الحدث الإجرامي قبل حصول الخطر لا الاكتفاء بغسل مكان التفجير ولمّ الجثث بعد وقوعها؟

متى سيتمّ قلع جذور المحاصصة في توزيع المناصب الأمنية التي باتت تباع وتشترى بمختلف الأسعار بالنسبة لقوة المنصب المُراد الوصول إليه او الأقلّ قوة؟

متى سيكون لقادة العراق الضمير لوقف نزيف الدم وإنْ كان ضميرهم قد مات، وهو الأرجح، فهل يرجى منهم خير ام أنّ دواعش المنطقة لا يختلفون عن دواعش الصحراء، والاثنان لا عيش معهم؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى