تقرير
في بلدة «مانيانفيل» الفرنسية، كمن لاروسي أبالا، الشاب الفرنسي المغربي، خارج منزل ضابط شرطة. انتظره أبالا حتى خرج من المنزل، ثم هاجمه وطعنه حتى الموت. بعدئذٍ اقتحم المنزل، وقتل الزوجة.
بعد ذلك بدقائق، بثّ أبالا مقطعاً مباشراً لنفسه على «فايسبوك» باستخدام هاتفه، متفاخراً بفعلته، ومبايعاً تنظيم «داعش». اقتحمت قوات التدخّل السريع المنزل، وأطلقت النار على أبالا، وحذف «فايسبوك» المقطع بعدئذٍ بدقائق، لكن شبكة «داعش» الإخبارية، «أعماق»، نشرت نُسختها المُعدّلة من المقطع، واصفة أبالا بمقاتل «داعش».
حدث هذا بعد 48 ساعة من مذبحة أورلاندو، التي قَتَل فيها عُمر متين 49 شخصاً في ملهىً للمثليين جنسياً. ومع أنّ أبالا لم يقتل عدداً كبيراً مثل متين، إلا أن جريمته كانت الأولى التي يُستخدم فيه البثّ الحي، وهو ما توقّعه الصحافي جيسون بورك، من جريدة «غارديان»، في شباط الماضي.
هذا التقرير، الذي نشرته صحيفة «أتلانتك» الأميركية، يتحدّث عن «تلفزة الجهاد»، وكيف يستخدم الجهاديون وسائل الإعلام لاستقطاب المجندين، وبثّ الخوف والرعب.
ما بدأته «القاعدة» واحترفه «داعش»
وفقاً للمقال، فإنّ الجهاديين يهتمّون بتسجيل الفظائع التي يرتكبونها قدر اهتمامهم بتنفيذ الفعل نفسه. كانت «القاعدة» قد بدأت هذا التقليد بمقاطع التفجيرات الانتحارية، لكن «داعش» أخذه إلى مستوى آخر تماماً، جعل انتشار أخباره في أنحاء العالم أمراً يسيراً: تصوير الفظائع بجودة عالية، ولكن بدلاً من دبابة أو شاحنة تنفجر، جسدٌ بشري يُنتهك عن قُرب. تُقرّب هذه التسجيلات المسافة بين المُشاهد والضحية، وهي السرّ وراء الدعاية «الداعشية» فمشهد القتل أمر يريد الناس مشاهدته.
لكنّ «داعش» لم يبثّ جرائمه مُباشرة، فعملية القتل لا بدّ أن تُظهر القوة الكاملة والسيطرة، وتتم بلا جُهدٍ وبكفاءة تامة، وهو ما يحتاج إلى «مونتاج» وتعديلات على الناتج النهائي. كذلك فإن البثّ الحيّ قد يكشف مكان وقوع الحادثة، ويهدّد الجماعة أمنياً، لكن البثّ الحيّ من العسير أن تتفوق عليه أيّ وسيلة أخرى إذ يزيل حاجزاً آخر بين المشاهد والضحية: حاجز الزمن.
ببثّه الحيّ، تحوّل أبالا من مجرّد مُشاهد إلى صانع للمحتوى. من المحتمل أن أبالا قد شاهد مقاطع «داعش»، وقرّر أن يخرج من صفوف المشاهدين ليصنع «محتوىً» جديداً بنفسه.
ما يحبّ الناس أن يروه
الهدف من وراء مثل هذا التصوير، اكتساب الدعاية والشعبية. يُلاحظ الباحث بريان جينكينز أن «استعداد الإعلام الإخباري لنقل أحداث العنف الدرامية وبثّها في أنحاء العالم يعزّز، وربما يشجّع الإرهاب كوسيلة فعالة للدعاية». واليوم، مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، ازدادت أعمال الإرهاب دماراً وحدّة، مثلما فعلها أبالا، وبثّه بثّاً حيّاً عبر حسابه على موقع «فايسبوك».
من السّهل أن ندين وسائل الإعلام لولعها بقصص الإرهاب، يقول التقرير، وإعطاء الإرهابيين ما يريدونه، لكن المُشاهدين يُشاركون في ذلك. يقول عالم الأنثروبولوجيا فرانس لارسون إن هناك دوماً أناساً مستعدّون للمشاهدة والاستمتاع بمشاهد الإعدامات. في حين قارنت سوزان سونتاج الرغبة في مُشاهدة الأجساد المتألمة بشهوة مشاهدتها عارية. ربّما كان السبب أننا نُقارن بين سوء طالع المُتعذّبين على الشاشة، وحُسن طالعنا نحن، ونشعر بأننا بخير. سببٌ آخر، «شهوة العين»: الحاجة إلى رؤية كل ما هو جديد، وغريب.
إننا نُدين القَتَلة، لكن أعمال العنف الرائعة التي يقومون بها، وتفاصيل حياتهم المُثيرة تلفت انتباهنا. إننا نحبّ أن نكره هؤلاء الشياطين ونتحدّث عنهم بلا توقّف. يعرف الإرهابيون هذا ويشجّعهم على أفعالهم، ويدفعهم إلى «تلفزة» المزيد من أعمال «الجهاد»، ليقينهم أننا أنا وأنت سنجلس لنشاهدهم.