الهواتف مفتوحة.. جرود عرسال خط أحمر!
هتاف دهام
تعود الأمور إلى طبيعتها بعد أسبوع أو أسبوعين من أية حادثة أمنية في لبنان. تنتفض الحكومة ووزراؤها المعنيون ساعات معدودة قبل أن تبرد دماء الأبرياء الشهداء ويخفت صوتهم. المواكب الأمنية لوزيري الدفاع الوطني سمير مقبل والداخلية نهاد المشنوق إلى بلدة القاع عقب التفجيرات الإرهابية والتدابير التي رافقت وصولهما، فاقت التعزيزات الأمنية في البلدة جراء الحادث الإرهابي.
أحدث صاعق تفجيرات القاع الأسبوع الفائت هزة أمنية. فتح أمن البقاع على مصراعيه، وسط معطيات مهمة ودقيقة من أجهزة أمنية أنّ القاع البداية، فاتحة لتفجيرات تستهدف المنتجعات السياحية والاحتفالات السياسية. في هذا السياق يأتي تحذير مصدر عسكري بارز من تجنّب ارتياد الأماكن المكتظة بالسكان في عطلة عيد الفطر. الاستنفار الأمني في الضاحية ودوريات الجيش في الحمرا خير دليل، فانتحاريا القاع فاران ومتواريان عن الأنظار. أما الشبكتان اللتان أُعلن عن توقيفهما بعد يوم القاع المأساوي تمّ اكتشافهما قبل تفجيرات الأحد الفائت من شهر حزيران، بناء على معلومات غربية عن خطر أمني في لبنان. ترافقت مع تحذيرات غير اعتيادية لرعاياها بمغادرة لبنان، ومن وقوع هجمات إرهابية خلال شهر رمضان تستهدف غربيين ومطاعم وفنادق.
تتغاضى الحكومة اللبنانية عن مواجهة تجمّعات الإرهابيين في مخيمات عرسال. ممنوع التقدّم خطوة واحدة تجاهها. القرار السياسي يحظّر على المؤسسة العسكرية اقتراب ألويتها وأفواجها من الجرود. لا يمكن للجيش القيام بعمليات ذات طبيعة هجومية احتلال موقع، مهاجمة عدو سواء كان إرهابياً او إسرائيلياً من دون قرار سياسي. على عكس العمل الدفاعي المتعدّد الأساليب المتوقف على تقدير القائد الميداني من الانقضاض الاستباقي لمنع الإرهاب من شنّ هجومه، إلى عمليات الاستطلاع خلف خطوطه لإرباكه.
لم تحصل أية معالجة جذرية لمخيمات عرسال بعد نكسة 2 آب 2014. وحده لواء المغاوير بقيادة العميد المتقاعد شامل روكز أثناء توليه غرفة العمليات المركزية لإدارة المعارك، حصّن وجود الجيش في المفاصل الأساسية ومحيطها. أقام حواجز ونقاط تفتيش. دخل فوجه مخيمات النازحين في مشاريع القاع. المنطقة الممتدّة من عرسال إلى رأس بعلبك مروراً بالقاع طبيعتها الجغرافية حساسة. أدار القائد المغوار معاركه باتجاه العمق إلى الجرود المحتضنة للإرهابيين. لكن قرار قائد الجيش العماد جان قهوجي بالتراجع نتيجة ضغوط سياسية وضع حداً لاستمرار العملية. نتج عن ذلك تحويل مخيمات النازحين في الجرود العرسالية إلى شبه معسكرات وبيئة حاضنة. المطلوب الاستثمار في النزوح السوري لبقاء الإرهابيين. فلو استكملت عمليات التطهير التي كادت أن تنطلق في آب 2014، لتبدّلت المعطيات.
لا يمكن للقوى الأمنية الإحاطة بالنزوح في ظلّ التنوّع الديمغرافي الموجود. إنّ تأييد فئات لبنانية داخلية واحتضانها الإرهاب والتغطية عليه سواء في مناطق شبعا، البقاع الغربي، عرسال وجرودها، وبعض مناطق وادي خالد في طرابلس، وفّر قاعدة صلبة للمجموعات التكفيرية لتتحرك بمرونة. كان اللبنانيون جزءاً أساسياً من عملية السفارة الإيرانية والرويس وكورنيش حارة حريك، بالإضافة إلى حركة الإرهابي أحمد الأسير وتعاونها مع الإرهاب وتشكيل أحد روافده، وكذلك مخيم عين الحلوة وغيره من المخيمات. هذه الحالة أمّنت خلفية مريحة لعناصر التحكم والسيطرة لقيادات النصرة وداعش في لبنان المتحكمة بمناطق النزوح ومخيماتها.
شكلت شراكة تيار المستقبل السعودية بشكل غير معلن مع المشروع التكفيري، العائق الكبير أمام التعاطي الأمني الجذري مع مخيمات النزوح، ما دام هذا المشروع يشكل سكيناً في خاصرة حزب الله. يداهم الجيش مخيمات السوريين في الجنوب والشمال والبقاع. يحقق إنجازات نوعية بإلقاء القبض على إرهابيين وضبط أسلحة وقنابل وأحزمة ناسفة. تلقى أعماله ترحيباً سياسياً وإقليمياً. تتناقض وقائع هذه المخيمات مع أحداث جرود عرسال، لأنّ الاقتراب من البؤرة الأمنية الإرهابية الموجودة فيها وفي بعض أحيائها ممنوع.
لا خضوعَ في جرود عرسال لسلطة الدولة. أكثر من 50000 نازح خارج سطوة الدولة وجغرافيتها. يتواجد هؤلاء بعد حاجز الجيش في المنطقة الفاصلة بين العمق السوري والبلدة. المخيمات تحت أمرة الإرهابيين. تزورها المنظمات الإنسانية رغم علمها أنها بؤر للمسلحين. مستوى التنظيم مذهل. منظومات التحكم الإرهابية كبيرة ومتكاملة تضرب لبنان تحت ستار النزوح والوجع الإنساني والبيئة الحاضنة من بعض القوى السياسية. تحظى هذه المخيمات بغطاء سياسي، شعبي، ودولي. باتت المنظمات الدولية ساتراً أمنياً للعمل التكفيري المرعي من الغرب. أحد أخطر الإرهابيين من قياديي داعش، اعتقله الجيش منذ فترة، وكان يعمل في منظمة دولية وعلى قاب قوسين من أن يغادر إلى أوروبا.
أقفل روكز هاتفه أثناء معركة عبرا منتفضاً لمعنويات الجيش وكرامة عناصره، حاسماً المعركة ضدّ الإرهابيين. فعل ذلك في نهر البارد وقصقص وعرسال. مرت ثمانية أيام على تفجيرات الانتحاريين الثمانية في القاع. دخل الانتحاريون البلدة من جرود عرسال. لم يقفل المعنيون بالوضع الأمني هواتفهم، بل بقيت مفتوحة تنتظر التوجيهات السياسية. لم ينتفض أحد على الواقع الأزرق المكبّل يد قائد الجيش. الموقف السياسي لم يتبدّل. لا تنسيق مع الحكومة السورية. جرود عرسال خط أحمر. تكتفي عناصره بالدفاع عن مواقعها. تفكك «مخابراته» الشبكات الإرهابية المنتشرة في الأراضي اللبنانية. يستكمل حزب الله الحرب الاستباقية على الحدود، بعدما غابت عناصره المقاومة عن الجرود المقابلة للبلدة.