أردوغان يوطّن في تركيا… في لبنان «الرئاسة مقابل التوطين»؟!

روزانا رمّال

انتظار نتيجة الحرب في سورية ينسحب على استحقاقات لبنان الدستورية عنوة من بين كلّ الدول المتأثرة بالحرب، مع العلم أنّ سورية نفسها مصدر الأزمة وصاحبتها، استطاعت إجراء الاستحقاق الانتخابي الرئاسي أولاً ثم النيابي «مجلس الشعب» وصولاً الى تشكيل حكومة أعلن عنها حديثاً، رغم كلّ ما تعانيه من مرارة الحرب، فيما لبنان لم يستطع تجاوز عقدة التمديد لمجلس النواب مرتين، ولا انتخاب رئيس للجمهورية، رغم الفراغ المتمادي منذ سنتين ونيّف، إضافة الى كلّ هذا لم ينجح الأفرقاء في إنتاج صيغة قانون انتخاب جديد يتفق عليها اللبنانيون من أجل التغيير في واقع الحياة السياسية والمدنية.

سورية ليست وحدها، فالعراق ايضاً الذي يستقبل العيد بتفجيرات الكرادة المأساوية يمارس الحياة السياسية والدستورية على اختلاف الآراء والنماذج المقدّمة من حكومات وأدوار وتحالفات بشكل يؤكد على الرغبة بإبقاء الدولة وحضورها.

لبنان «بجموده» إذاً واحد من ملفات المنطقة التي باتت تشكل ريبة لا بدّ من فهم خلفياتها، وإلا فإنّ التساؤل عن حجم حضوره بالملفّ اقليمياً وبساحة الحساب الدولية تشي بأنه أقوى أوراق المنطقة المخبّأة للحظة المفاوضات، وترسم علامات استفهام حول هذه الحقيقة، فهل هذا صحيح؟ لماذا لبنان؟ ما أسباب التعطيل الذي فاق قدرة المنطق على التعاطف مع أوضاع أمنية أصبحت اليوم حال كلّ الدول العربية والإقليمية من السعودية وصولاً لتركيا وحتى العالم؟

يشكل الرئيس اللبناني معضلة الملفات التي تحجب فرصة اختيار مجلس نواب جديد، هذا بعين البعض، اما بعين البعض الآخر فإنّ قانون الانتخاب هو العقدة التي تحول دون انتخاب مجلس نواب جديد قادر على انتخاب رئيس جديد. وهنا تبدو الامور عالقة عند آراء وأولويات لا تغيّر في حقيقة أنّ الأمر برمته خلاصته «التعطيل».

بات أكيداً انتظار دفة الحرب في سورية ووضوح مخارجها بالحدّ الأدنى سياسياً حتى يتمكن الأفرقاء من اختيار رئيس للجمهورية، وبات أكيداً عجز ايّ فريق عن حسم الأمور لصالحه، لكن ما يثير المخاوف اليوم في البلاد تصاعد الحديث عن ملف توطين اللاجئين السوريين في لبنان وما تساهم فيه الحكومة اللبنانية من خلق هذه الريبة وتعزيزها أكثر برفضها البحث في ملف اللاجئين مع سورية عملاً بمبدأ النأي بالنفس الذي كان قد عزّزه موقف رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان.

يتوافد إلى لبنان منذ الأشهر الماضية مبعوثون دوليون بينهم رؤساء أوروبيون وممثلون أمميون عجزوا عن تقديم تفسير للتعطيل، كاشفين عن جزء لا يتجزأ من الواقع الذي كان لفترة قد شكل أملاً داخلياً بقدرة بعض الدول مثل فرنسا على إنتاج حلّ، خصوصاً عندما طرحت مسألة ترشيح رئيس تيار المستقبل سعد الحريري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجية، وهو خصمه السياسي الأساسي حول الازمة في سورية، لتبدو المبادرة يتيمة حتى الساعة غير ممزوجة بدعم قادر على إنجاز الملف، حاسمة مسألة إمساك الدول التقليدية مثل فرنسا، المعنية تاريخيًا بملف الرئاسة اللبنانية، ما يعني انه بات في مكان آخر او ربما مؤجل لبحث آخر أكثر ارتباطاً بالأزمة عبر الوسطاء أنفسهم.

المبعوثون الدوليون اولئك أتوا للبحث في ازمة اللاجئين بشكل مباشر بين الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند وفيليب هاموند وزير الخارجية البريطاني، وصولاً الى بان كي مون امين عام الأمم المتحدة، رافعين المسألة إلى سلم أولويات البلاد، أيّ انّ احداً غير مستعدّ للبحث في ملف الرئاسة قبل هذا الأمر الذي يبدو ملحاً بالنسبة للغرب، وعليه كلّ شيء راكد حتى الساعة إلى حين البت بمصير اللاجئين، حيث من الممكن ان يجدي هذا التعاون مع الاوروبيين بحلول مرتقبة رئاسياً إذا قدّم لبنان لهم ما يبث الطمأنينة، وهو الواقع على البحر المتوسط حيث أصبح هاجس الانتحاريين الأكثر حضوراً عبره الى اوروبا.

ربطاً، اعلن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بشكل مفاجئ أنّ حكومته تعمل على مشروع من شأنه أن يسمح بنهاية الأمر للراغبين من اللاجئين السوريين الحصول على الجنسية التركية.

كلمة «نهاية الأمر» او نهاية المطاف، كما ورد في كلمة الرئيس التركي تؤشر الى فترة زمنية وهي فترة انتهاء الحرب في سورية وتبيان النتيجة، لكنها من جهة أخرى تؤكد امراً أساسياً وهو اعتراف اردوغان بعجز بلاده عن بسط نفوذها في سورية حيث كان ممكناً إعادة اللاجئين اليها، فبات امراً واقعاً استطاع على أساسه تجييره ضمن إطار إنساني، لكنه يتعدّى هذا الأمر ليصبح استغلالاً حسب قانونيين أتراك لرفع نسبة المقترعين لمشاريع قوانين قدّمها اردوغان وتسجيل مزيد من الناخبين للتحوّل الى النظام الرئاسي الذي يريده في تركيا.

فأردوغان يريد تعزيز صلاحياته من خلال تغيير الدستور، في مشروع يثير استياء شديداً لدى بعض الرأي العام والمعارضة البرلمانية.

الحساب الانتخابي نفسه يحيط بالمسألة في لبنان والتغيير العددي، هكذا يعلّق مصدر سياسي متابع لتطورات الملف الرئاسي لـ «البناء» حول فكرة التجنيس في تركيا وما يعادله من توطين في لبنان، مؤكداً أنّ أحد أبرز العوائق أمام العماد ميشال عون بالنسبة للسعوديين هو رفض التوطين، وهو ما يأتي غالباً على لسان وزير الخارجية جبران باسيل رئيس تياره، مؤكداً قبوله فوراً كرئيس للجمهورية ورفع الفيتو عنه إذا وافق على التوطين الذي من شأنه إحداث تغيير ديمغرافي في وجه حزب الله!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى