القدس عروس عروبتكم

رياض طبره

تحتلّ القدس مكانة قلّما احتلتها أو تحتلّها أيّ مدينة في هذا العالم. ولهذا دلالاته بكل تأكيد، وله أيضاً ظلاله على المشهد التاريخي منذ فجر التاريخ إلى الآن. وهو يحمل الضدّين الحرب والسلام في طيّاته. فعلى رغم من أنها «مدينة الله» في إحدى مسمّياتها، ومدينة السلام، والقدس الآتية من القداسة، مع ذلك تكاد حروب كثيرة جرت وما زالت مستمرة من أجل القدس وتحت راية فتحها أو تحريرها.

هل صحيح لأنها زهرة المدائن أم لأنها المدينة التي كانت آخر المدن التي دخلها المسيح قبل أن يسلّمه يهوذا إلى الجند ليحمل صليبه ويعبر الجلجلة في درب آلام ما زال إلى الآن هو درب حياة لشعبنا العربي الفلسطيني منذ الاغتصاب ثم الاحتلال الذي ما زال جاثياً على صدور الأمة منذ عقود من دون أن يحرّكها أو يوجّهها الاتجاه الصحيح مع أن القيصر الروسي بطرس الاكبر قد قال يوماً: سيظل الفرنسيون ينتصرون على الروس حتى يتعلموا منهم كيف ينتصرون عليهم.

واليوم، يوجعني سؤال كلما تابعت لحظة بلحظة ما يجري في وطننا الكبير وفي بلدنا الحبيب سورية مفاده لو أن هذه الدماء الزكية الطاهرة وهذه الموارد الكبيرة الضخمة اتجهت لتحقيق «السلام العادل والشامل في المنطقة»، هل كنا بحاجة إلى يوم في السنة أو يومين نتذكر واجبنا خلالهما تجاه القدس؟ وهل كنا بحاجة إلى وجود لجنة لإنقاذ القدس غير موجودة أو فاعلة ومثلها تلك التي ما زالت قائمة لإنقاذ المسجد الأقصى منذ سبعة وأربعين قهراً، إذ يناشد الأقصى العرب والمسلمين لإنقاذه فيفجع إذ يراهم يتهافتون على جبهة أعدائهم ودائرة تلك الجبهة أي «إسرائيل» يخطبون ودّ نتياهو، ويتآمرون معه على من وما تبقى من سورية والعراق ومصر واليمن وليبيا، هذه الدول التي شكلت ذات صحوة قومية حلماً عربياً لاسترجاع القدس .

هذه اللجنة لم تفلح يوماً بإقناعنا بأنها لجنة لشيء غير أنها لجنة لاستمرار ضياع القدس وتعرضها لمزيد من عمليات التهويد، وربما أكثر من ذلك الذي نراه الآن ونخشى المزيد منه في ظلّ وجود ثمانمئة ألف مستوطن في الضفة الغربية ما يشكل كياناً «إسرائيلياً» متجدّداً لا يقع تحت دائرة الاهتمام وضرورة الاسراع بالمعالجة .

والوجع الأشدّ إيلاماً اليوم، ونحن نحتفل باليوم العالمي للقدس، أننا بتنا نرى القدس رغم كل جراح الاحتلال والتهويد ليست بخطر داهم كما هو حال الأمة كلها، وكما هو حال المدن العربية الرئيسة بالذات. إذ باتت بين سندان الإرهاب ومطرقة التشطير، وربما الدمار والخراب لحاضرها وماضيها ومستقبلها ومستقبل أجيالها .

كنا نبكي فلسطين جرحاً غائراً في الكرامة العربية، ونبكي القدس جرحاً أكثر عمقاً. لكننا بتنا اليوم نبكي أمة من الماء إلى الماء، حالها كحال المستجير من الرمضاء بالنار، أمة ربما كانت خير أمة أخرجت للناس.

المشكلة اليوم أننا نشعر بالعجز ونحن مطالبون بالاجابة عن السؤال الرئيس: لماذا لم يتطوّع الشباب المسلم والعربي ويندفع باتجاه فلسطين منذ النكبة 1948 وإلى الان، فيما تتدافع مجموعاتهم لقتل الحياة وقتل أنفسهم كما نرى ونسمع كل يوم بعيداً عن فلسطين وعن القدس؟

كاتب وشاعر سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى