أنطون سعاده… أيها الحاضر فينا كماء الحياة
د. منير مهنا
وما زلنا نعّلق العيون على وهج إيمانك ونسير إليك.
وما فتئنا نصعد أول الفجر جيلاً بعد جيل، وأنتَ في مبتدأ الزمن فاتحة القيامة.
نحارُ بعد سبع وستين سنة من خجل التاريخ كيف نلاقيك، وأنتَ على ما أنت، ثغرُ صباحٍ كامل الشروق، ونداء لأجيال لم يكفَّ توقها لتصغيك.
نسألكَ الطريقَ فتدلنا بوصلة عينيك إلى فراشات الضوء… وبلا ترددٍ نتبعكَ عشقاً للنور، ونستلهمكَ وعداً ويقيناً لأمة ترفض أن يكون قبر التاريخ مكاناً لها تحت الشمس.
يا سعاده…
أيها الطاعنُ بموتك في الثامن من تموز تنين الظلام، نحتفيك فادياً دمكَ بالشهادة لأجل سوريا. وأنت القائل الصادق المِصداقُ في قولك والفعل: «…حتى الدماء التي تجري في عروقنا عينها ليست ملكاً لنا، إنما هي وديعة الأمة فينا متى طلبتها وجدتها».
يا سعاده…
أيها الحاضر فينا كماء الحياة، والمنهلُ مذ كان لم يزل ثابت الصفاء في بيان الحق، والمنهج على صراط وافر الوضوح لمن أبصروك وتبصروا.
والحقيقة في معنى الإنسان خروج من عالم الذات الدائرة على ذاتها ومن أجل ذاتها، إلى عالم الذات المتفاعلة بذاتها مع كل ذات.
والسبيلُ ثقةَ المؤمنين بأن الحياة صراع من أجل الأفضل، وذاك قدر المنتصرين.
يا معلّمي…
جدارةُ الانتماء إليك لا يأتيها من لم يفقه حكمة الثامن من تموز، لحظة كان الباطل كله يصارع الحق كله، فكانت وقفة العزّ التي لا تنحني لذلّ ولا تهين، فأفقدتَ الموت بوقفتك وشموخك زهو صلافته حتى ناحَ على ما أستباح.
يا زعيمي…
أنتَ الدلالة ومنكَ تعلمنا ما نقرأ.
نقرأ لغة العقل إماماً، ولغة الوعي كشفاً، ولغة المقاومة جهاداً وشهادةً ولغة البطولةِ فداءً وشجاعةً، ولغة الثقافة تميّزاً وإبداعاً، ولغة الحق ثباتاً وإصراراً، ولغة الخير عطاءً وبذلاً، ولغة الجمال نفوساً ترتقي فوق نوازعها ومثالبها لتكون في ثالوث الوعي والوجدان والعمل من أجل سوريا، التي لا مصلحة تعلو فوق مصلحتها، ولا لغة إلا لغة حياتها وعزّها وانتصارها. فهذه هي لغة الحياة التي علمتنا.
وعدنا لك في ذكرى الثامن من تموز، ذكرى الفداء والشهادة، أن نبقى على القَسَم، وأن يظلّ هتافنا مدوياً قولاً واحداً: لتحيا سوريا.