تمّوز… عبق الشهادة
رحاب زيدان
اسمع… إنها رصاصات الغدر لا يزال أزيزها يسكن «الرملة البيضاء» لتذكّر التاريخ أنّهم اغتالوا رجلاً بحجم أمّة. فبين صخب الحدث وخجل التاريخ، كان سعاده يقف أمام الشهادة واثق الخطوات قويّ العزيمة صلب الارادة، مؤمناً أنّ الحياة كلّها وقفة عزّ فقط.
فكر كسر وحشة الموت وخاطب أجيالاً على مدى عقود. فكلّ يوم يولد سعاده داخل كلّ سوريّ قوميّ اجتماعيّ، ليؤكّد لمن راهن على اغتياله أنه فقط اغتال جسداً، وأحيا فكراً تتولّد منه نهضة تهزم الموت ومَن وراءه.
سجّل سعاده للتاريخ وصيّة لا تزال كلماتها تسكن عقل كلّ من عرف فكره وقلبه، فهو الذي قال تلك ليلة: «أنا لا يهمّني كيف أموت، بل من أجل ماذا أموت. لا أعدّ السنين التي عشتها، بل الأعمال التي نفّذتها. هذه الليلة سيعدمونني، أما أبناء عقيدتي فسينتصرون، وسيجيء انتصارهم انتقاماً لموتي، كلّنا نموت، ولكن قليلين منّا يظفرون بشرف الموت من أجل عقيدة. يا خجل هذه الليلة من التاريخ، من أحفادنا، من مغتربينا، ومن الأجانب، يبدو أن الاستقلال الذي سقيناه بدمائنا يوم غرسناه، يستسقي عروقنا من جديد…».
سعاده كان أوّل السائرين على درب النهضة مراهناً على أننا أبناء حياة، نموت لتحيا أمّتنا بعزّ ونصر. فتموز الذي سقاه الزعيم بدمائه تحوّل إلى زوبعة غمرت كلّ الشهور وكلّ الأيام. تلاميذ سعاده على دربه سائرون، مؤمنين مدافعين، فهم كما زعيمهم يلبّون نداء الأرض ويسقون النصر من الدماء التي في عروقهم.
من الشام والعراق إلى فلسطين ولبنان فالأردن، عبق الشهادة يسكن الأرواح والبيوت. يعانق نجوم السماء، يجعل من كلّ قطرة دماء نواةً لنهضة تهزّ التاريخ وتكتب فجراً جديداً.
استشرف سعاده تاريخنا الحاضر، ورسم لنا الأخطار التي تواجه أمّتنا. فما كان أمام أعداء هذه النهضة إلا أن اغتالوه، معتقدين أنهم بموته سيتمكّنون من هذه الأمة ويقضون عليها حضارةً وشعباً. ولكن، ها هو سعاده اليوم ينتصر بنسوره المرابطين على الجبهات، يرسمون خريطة جديدة معبدة بالوعي ومنتصرة بالحق.
ها هو تمّوز جديد يقبل على هذه الأمة الحيّة، يجدّد العهد لسعاده أنّ أبناءه الذين خطابهم يوماً، باقون على نهجه وخطاه. وأنّ نصرهم سيأتي انتقاماً لموته وموت كلّ شهيد دفع دماءه ذوداً عن هذه الأمّة التي تستحق الحياة.