واشنطن: خلاف عون ـ بري «لا يمكن التعويل عليه»
روزانا رمّال
زيارة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون رئيس المجلس النيابي نبيه بري، في عين التينة، لتهنئته بعيد الفطر لا تمرّ مروراً عادياً، بعد حجم الخلافات التي سادت لسنوات بين التيار وحركة أمل وحجم التشنج الذي أوصل التيار أكثر من مرة إلى حدّ التلويح بالانسحاب من طاولة الحوار من بين قادة الكتَل النيابية في آذار الماضي، كأحد الأمثلة على حجم التباعد الذي كان قد ساد، وحينها قال بري للبنانيين «هذا الحوار ليس ملكَ نبيه بري، فهو للجميع، وإنّ من ينسحب منه هو الذي يتحمّل مسؤولية ذلك».
الأكيد انّ تطوراً ما جعل الامور اكثر ليونة وجعل العماد عون يتوجه نحو الرئيس بري في هذه الزيارة، ولو حملت طابعاً بروتوكولياً يحسب مع واجبات المعايدات ليحضر «ملف النفط» الذي وصل لحلحلة بين حركة أمل والتيار إثر الاتفاق الذي حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الخارجية جبران باسيل بشكل مفاجئ أيضاً. وهذا ما سنيعكس على الاجواء الغربية المتابعة للملف، خصوصاً الأميركية منها المهتمة بحماية حصة «اسرائيل».
يتوضح لواشنطن بالنتيجة مدى العلاقة الاستراتيجية والمبدئية بين القوى الحليفة لحزب الله، مجدّداً ما يعطي العماد عون حضورا «رئاسياً» اقوى نابعاً من مبدأ نافذ بدلاً من الصورة التي يحاول خصومه وضعه في إطارها وهي صورة «المرشح المستعطي» الذي يحاول مهما كلف الثمن الوصول لقصر بعبدا واضعين اتصاله بالسفير السعودي وزيارتيه إلى المفتي دريان والرئيس بري بهذا الإطار.
وإذا كان ملف النفط قد تمّ بمباركة دولية، فإنّ هذا سيكون أحد أبرز اعترافات الغرب بعدم القدرة على تخطي الثنائي عون بري وهما حليفا حزب الله بطبيعة الحال، وعدم النجاح في توسيع الشرخ ما يعني خضوعاً أميركياً واضحاً، لهذا المصير المجمّد منذ اكثر من عامين. اما اذا كان الملف هو نتاج اتفاق ومعطيات داخلية بحتة فإنه تكريس مبرم لمتانة العلاقة بين حلفاء حزب الله الذين لم يساهموا بتصدّع الحلف بالرغم من المحاولات الغربية والإقليمية ذلك، والفائدة بالمنطقين واضحة.
ملف النفط وحده ليس كفيلاً بحلّ الأزمة الرئاسية، لكن أبعاده بالحسابين الأول والثاني كفيلة بفتح ابواب التقدّم نحو الحلّ الرئاسي بشكل أكبر من أي وقت مضى، فأزمة النفط والغاز هي أصلاً واحدة من المعضلات التي كرّست على أساسها حروب «الربيع العربي»، وبمجرد الاقتراب الى حلحة الجزء المتعلق فيها لبنانياً، فإنّ هذا يعني الكثير سياسياً.
وبتفاصيل الملف الرئاسي فإنّ حسمه إيجاباً لصالح عون لا بدّ أن يحوز تقارباً بين المستقبل والتيار الوطني الحر وحركة امل بشكل اساسي، اذا تمّ التسليم بكلام رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط الأخير الذي سجل فيه ليونة اتجاه عون، معتبراً أن لا مشكلة عنده بالاتفاق عليه واعتبار انّ مرشح جعجع او القوات اللبنانية الأول والأخير هو عون. وهنا تتقدّم الأسئلة حول مدى امكانية ملء هذه الثغرة التي من الممكن ان تقرّب بين المستقبل والتيار ليحضر الموقف السعودي القادر على خلق هذا التقارب الذي بات ممكناً وضعه في إطار التقدّم ولو ببطء نحو عون بعد البت بملف بحجم الاتفاق على ملف النفط.
بالعودة الى لقاء عون بري، فإنّ الإيجابية الواضحة التي ظللت البلاد في عيد الفطر كنتيجة للتقارب على خط الرابية – عين التينة كشفت انّ الاختلاف بين عون وبري ضمن الحلف الواحد لا يمكن التعويل عليه استخبارياً او سياسياً. وهذا تحديداً موجه للقوى الخارجية، خصوصاً الاميركية التي رشحت النائب سليمان فرنجية، حسب المصادر حينها «لشق» الصف الواحد، معتبرة انّ الرئيس بري سيعلن فوراً موقفاً رافضاً لترشيح عون لا لأنه يفضل فرنجية بل لأنه يحتاج إلى مخرج يخلصه من ضغط القبول بعون بنهاية المطاف لتتبيّن استحالة أن يتوجه رئيس مجلس النواب نحو شيء من هذا القبيل وليتبيّن ايضاً انه منسجم انسجاماً كاملاً مع استراتيجية حلف برمّته ترى في الحرب السورية مصيراً ومساراً مطلقاً ولا مجال على أساسه إفساد ما تمّ بناؤه. وهنا بدا انّ ترشيح فرنجية أحد أبرز الحسابات الخاطئة غربياً التي لم تدعمه كما يجب والتي بدا اليوم أنه كان لخلق خلل في صفوف المسيحيين حلفاء حزب الله من جهة، وفي صفوف الثامن من آذار من جهة أخرى ليتبيّن من جهة فرنجية ايضاً عدم استعداده للخروج عن هذا المصير والمسار الذي دعا اليه السيد نصرالله وأيّده فرنجية ليقين عنده بأهمية عدم الخروج عن مسار المعركة الإقليمية ككلّ وحساباتها التي من الممكن ان تنسف كلّ تضحيات الميدان.
مصادر التيار الوطني الحر تتحدّث عن تطوّر ايجابي على صعيد الملف الرئاسي بالساعات الماضية من دون أيّ تحديد او تفصيل بمكنوناتها او النسبة الممكن الارتكاز عليها. وهذا ما اكد عليه النائب ميشال عون من عين التينة واصفاً التقدّم بالبسيط على صعيد الاستحقاق الرئاسي، قائلاً: «لن نغوص في التفاصيل».
وبالانتظار حقق حلفاء حزب الله مجدّداً فوزاً معنوياً بالتلاحم والتعاضد بوجه كلّ مساعي الاهتزاز التي زرعت بإتقان ليتبيّن انّ التعويل الاميركي «بعيون فرنسية سعودية» على خلاف استراتيجي بين عون وبري غير وارد، ولو كلّف تعطيلاً يصنّف بالأقلّ سوءاً مما هو أسوأ على البلاد وأكد أيضاً أنّ أحداً من الحلفاء غير مستعدّ لكشف حزب الله محلياً أمام مشاريع الغرب.