دحر الاحتلال… الآن إمكانية واقعية
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
كنا في انتفاضة الحجر… الانتفاضة الأولى كانون الأول 1987 قد اقتربنا من إمكانية تحقيق شعارنا بنقل الدولة الفلسطينية من الإمكانية التاريخية الى الإمكانية الواقعية… ولكن أخفقنا في ذلك لعوامل ذاتية وموضوعية، منها الاستثمار السياسي المتسرّع من قبل البعض للانتفاضة الشعبية ومفاعيلها، وكذلك موضوعياً تدمير العراق واحتلاله، وانهيار النظام الرسمي العربي المستدخل للهزائم وثقافة الخنوع والاستسلام، ثقافة 99 من اوراق الحلّ بيد امريكا وسقوط الحاضنة الأممية، انهيار الاتحاد السوفياتي السابق والكتلة الشيوعية… وكانت النتيجة الدخول في نفق اوسلو المظلم… الذي شكل النصر الثاني بعد النكبة لإسرائيل بلغة ثعلب السياسة الإسرائيلية شمعون بيرس…
هذا الاتفاق الظالم ما زال شعبنا يدفع ثمنه حتى اللحظة الراهنة، حيث قسّم الشعب والأرض وهتك النسيج المجتمعي وفكّكه، وأدخلنا في دهاليز مفاوضات عبثية، حوّلها البعض الى ثابت في سياسته ورؤيته واستراتيجيته، ونظّر لها عبر كتب ومحاضرات وندوات، بأنها الطريق الوحيد لانعتاق شعبنا من الاحتلال.
الثابت في السياسة والفكر الصهيوني، ضرب وتصفية عوامل القوة العربية والفلسطينية، لخدمة هدف استراتيجي صهيوني ثابت، ألا وهو تصفية القضية الفلسطينية، ولعلّ الحرب الأخيرة التي شنّها الاحتلال على شعبنا الفلسطيني بدءاً من الخليل تحت يافطة وذريعة خطف الصهاينة الثلاثة ومن ثم قتلهم لاحقاً، والتي تدحرجت الى عدوان شامل على قطاع غزة، لم يكن جوهرها وهدفها الأول أمنياً، بل كانت الأهداف الأساسية لها سياسية بامتياز، في أولها الاستمرار في تكريس الاحتلال وتحسين شروط احتلاله، من خلال إسقاط خيار المقاومة لعشرات السنين القادمة، عبر تصفية قوى المقاومة في قطاع غزة وتدمير كلّ بناها التحتية، الأنفاق والورش والمصانع، وتدمير ترسانتها من الأسلحة وتحديداً الصواريخ التي تهدّد جبهة الاحتلال الداخلية، وأيضاً تصفية كلّ الأجنحة العسكرية للمقاومة، وبما يمهّد لتكريس فصل الضفة عن القطاع وسلخ أجزاء كبيرة منها وضمّها للاحتلال والسيطرة الكاملة على مدينة القدس، وإغلاق أي إمكانية لإعادة الوحدة واللحمة للبيت الفلسطيني حكومة الوفاق الوطني .
وضمن هذه السياسة والأهداف شنّ الاحتلال حربه وعدوانه الهمجي على شعبنا في قطاع غزة، هذا العدوان الذي أدركت فصائلنا وجماهير شعبنا، بأنّ هدفه ليس هذا الفصيل او ذاك، بل هو استهداف للشعب الفلسطيني بأكمله، ولذلك التفت الجماهير والتحمت مع المقاومة في صمودها وتصدّيها للعدوان، الذي عندما فشل في تحقيق أهدافه بكسر إرادة المقاومة وتدميرها وتصفيتها بنية وثقافة ونهجاً وخياراً وإرادة، عمد جيشه المهزوم عندما شعر بأنها قد أحدثت تطوّراً نوعياً على مستوى التجربة والخبرة القتالية لأفرادها، وكذلك بالنسبة إلى تطوير قدراتها العسكرية كماً وكيفاً، وقدراتها على تنفيذ عمليات نوعية خلف خطوط العدو، وما أوقعته من خسائر كبيرة في قواته العسكرية، تحديداً للواء النخبة، لواء «جولاني» جعلته يفقد صوابه، ويعوّض عن ذلك بارتكاب مجازر جماعية وجرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي من خلال استهداف المدنيين ودور العبادة ومقرّات الأمم المتحدة والمدارس والمشافي، متوهّماً بأنّ ذلك قد يساعده في خلخلة الجبهة الداخلية الفلسطينية، وفك العلاقة ما بين الجماهير الفلسطينية وقوى المقاومة، ولكن الجماهير الشعبية رغم بشاعة الجرائم والمجازر، قالت بشكل واضح إنها تقف خلف المقاومة في مطالبها، وخيارها هو خيار المقاومة.
دولة الاحتلال وجيشها الذي «لا يقهر» والذي خلق حكام العرب المهزومون حوله هذه الهالة الكبيرة، والذي تعوّد على شنّ حروب خاطفة على الدول العربية معتمداً على تفوّقه العسكري وترسانته العسكرية التقليدية والنووية، ودعم لا محدود عسكري وسياسي ولوجستي وأمني ومالي من قبل أمريكا والغرب الاستعماري، هذه القوة بدأت بالتآكل، وبشكل واضح بعد هروب جيش الاحتلال من الجنوب اللبناني، وتحرير الجنوب في 25/أيار/2000، ومن ثم ازدادت عملية تآكل قوة الردع والهيبة للجيش «الإسرائيلي»، بعدما شنّت حربها العدوانية الأولى بالوكالة عن امريكا على حزب الله والمقاومة اللبنانية في تموز/2006، من اجل خلق ما يُسمّى بـ»الشرق الأوسط الجديد» وفق تعبير وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك كونداليزا رايس، هذه الحرب التي مُنيَ فيها بها الجيش الإسرائيلي بهزيمة مدوّية.
حاول العدو الصهيوني بعد ذلك ترميم قوة ردعه واستعادة هيبة جيشه من خلال حروب عدوانية شنّها على شعبنا ومقاومتنا في قطاع غزة في أعوام 2008 2009 و 2012 ، ولكنه لم يستطع ان يكسر إرادة المقاومة، او ينزع أسلحتها، بل هذه المقاومة صمدت، وأستعدت للجولات القادمة، وكانت اكثر بأساً وقوة وصموداً، وأستطاعت ان تدمي جيش الاحتلال وتلحق الخسائر الكبيرة به، وكذلك بالجبهة الداخلية الإسرائيلية.
هزائم وإخفاقات جيش الاحتلال المتلاحقة، والتي كان آخرها في ما يُسمّى بحرب «الجرف الصامد» ورغم أنها لم تتحوّل حتى الآن، لأسباب سياسية لها علاقة بحجم الخذلان والتآمر العربيّين والانحياز الأمريكي والغربي الاستعماري إلى جانب دولة الاحتلال، حيث رأينا أمين عام الأمم المتحدة، الديكور الأمريكي بان كي مون، يصطفّ إلى جانب مناصرة الضحية على الجلاد، إلى هزائم تجبر قادة الاحتلال على التخلي عن نظامهم السياسي العنصري العدواني التوسعي الرافض للتسويات السياسية للصراع، إلا أنها كشفت مواطن ضعف نظامهم الأمني وتآكل قدرة جيشهم على الردع وحسم جولات المواجهة.
الجيش الصهيوني له سجل حافل منذ نشأة دولة الاحتلال بارتكاب الجرائم والمجازر بحق شعبنا الفلسطيني وأبناء أمتنا، ومارس كلّ أشكال الاضطهاد والتطهير العرقي بحق شعبنا الفلسطيني، ورغم كلّ ذلك فشل في ردعه وتطويع إرادته وكسر معنوياته، واستمراره في ارتكاب مثل المجازر والجرائم نزع عنه ما تبقى له من صفات الجيش المقاتل، وتحوّل إلى جيش قاتل للمدنيين حيث تجاوزت مجازره ومذابحه كلّ حدود المعقول، ما يوجب الإصرار على تقديم قادته السياسيين والعسكريين إلى محكمة الجنايات الدولية، لينالوا عقابهم كمجرمي حرب.
بالموازاة مع ذلك يجب ان يكون هناك عمل سياسي ودبلوماسي وقانوني وإعلامي فلسطيني موحد جادّ ومثابر لتطوير وتعميم الخطوة الشجاعة للرئيس البوليفي، موراليس، الذي أصاب كبد الحقيقة حين وضع «إسرائيلّ على لائحة الدول الإرهابية، ومثلها الولايات المتحدة الراعية لكلّ جرائم الاحتلال.