الجمعيات الخيرية ليست إغاثية لكنها شريك أساسي في تنمية المجتمع

د. محمد شعيتاني

انّ المؤسسات الخيرية ومنظمات المجتمع المدني ليست إغاثية فقط.. لكنها شريك أساسي في تنمية المجتمع، وهذا الأمر يكون من خلال الإجابة عن السؤالين: ماذا ينتظر المجتمع من الجمعيات الخيرية؟ وما هي الحاجات والمطالب التي يريدها؟

لكي يقوم القطاع الخيري بدوره في المجتمع وتلبية احتياجات المعوزين والمحتاجين لا بدّ أن يتواصل مع المجتمع ويطوّر نفسه، وأن ترتكز إدارة العمل الخيري على مفاهيم أساسية لا تختلف في الأصل عن إدارة أيّ عمل اّخر، سوى في بعض التطبيقات، لأنّ العمل الخيري يرتبط بالمجتمع، ولذلك تتعيّن المبادرة في تطوير مؤسساتها وأنظمتها الخيرية وتأهيل العاملين بها، وصناعة عملنا الخيري، ومن هذا المنطلق يتعيّن على المؤسسات الحكومية والخيرية العمل باستراتيجية متكاملة ووضع الأهداف المشتركة لتحقيق المصلحة للمستفيدين وللدولة وللمؤسسات الخيرية نفسها ليتمكن المجتمع من نفع بعضه بعضاً، وتخفيف الاعتماد على الدولة في كلّ شيء من خلال بناء ودعم صناعة العمل الخيري. وهناك دراسة أجريت بعنوان «الحاجات والمطالب التي ينتظرها المجتمع من المؤسسات الخيرية» والتي استهدفت استجلاء طبيعة المطالب والاحتياجات التي يتطلع افراد المجتمع اليها من الجمعيات الخيرية، سواء كانت احتياجات نفسية أو تعلمية أو إغاثية.

وأظهرت الدراسة أنّ أغلبية الذين شملتهم يطالبون المؤسسات الخيرية بالعناية الخاصة بالرعاية والتوعية والتوجيه للأفراد في الجوانب الدينية والإجتماعية والصحية والتربوية، وكانت هذة أول المطالب التي يطالب بها من شملتهم الدراسة من الجمعيات الخيرية، أما المطلب الثاني فهو تقديم الخدمات المادية والعينية بدراسة وبحث الحالات التي تحتاج الى دعم مادي وعيني، المطلب الثالث: التعرّف على احتياجات الشباب وأحوالهم ومعالجة مشكلاتهم وحمايتهم من الانحرافات الأخلاقية وظروفهم المادية، وضرورة دعم ومساندة الشباب في الزواج «الشباب والفتيات»، وأنّ هذة المساندة لا تقتصر على الدعم المادي فقط، بل تتعداه لتشمل تبصير أفراد المجتمع بضرورة الزواج، والتعرّف على معاناتهم من وحدة واغتراب أو إعراض عن الزواج، وحلّ مشكلات العزوبية والعنوسة، بالمساهمة في تكاليف الزواج، والتوعية بعدم المغالاة في المهور والشكليات، وإقامة حفلات الزواج الجماعية، وتبني تشجيع رجال الأعمال على تقديم قروض ميسّرة للشباب لتأثيث عش الزوجية، وأكدات الدراسة أنّ الحاجات والمطالب التي يريدها المجتمع من القطاع الخيري الاهتمام بالمناشط الدعوية وإقامة الفعاليات التربوية لحماية المجتمع من التغريب والغلوّ والتطرف والإنحراف. وتعريف أفراد المجتمع بمجالات النشاط الخيري وكسب ثقتهم وتفعيل دورهم في العمل التطوعي، والعناية بتدريب الشباب على الأعمال المفيدة والمهن المختلفة، لفتح أبواب الرزق أمامهم، وتطوير العمل، وحماية المجتمع من تفشي المنكرات، والعمل على المساهمة مع الجهزة المعنية في إزالة هذة المنكرات، وضرورة أن تعتني الهيئات والجمعيات الخيرية بالمرضى والمعوقين وأسر السجناء والعمل على تخفيف معاناتهم والوصول الى القرى، لما فيها من محتاجين ومعوزين، وعدم الإقتصار على العمل في المدن الكبرى، ومعالجة مشكلات التسوّل، حفاظاً على المجتمع وترابطه، وإقامة مراكز خدمات لحلّ المشلات الأسرية والإجتماعية، واصلاح ذات البين، والشفاعة لدى الغير.

ومن أول الأولويات تحديد ما تريد المؤسسات الخيرية القيام به، والتخصّص فيه لما لذلك من تحقيق التركيز والاهتمام والإبداع، من خلال دراسة بيئة هذة المؤسسات الداخلية والخارجية ولمعرفة مواطن القوة والضعف داخل هذة المؤسسات وتحديد الفرص والتهديدات المحيطة بهذة المؤسسات وأنّ قوة العمل الخيري تأتي من داخله، فلا يمكن أن تكون مؤسسة قوية في مخرجاتها الا اذا كانت قوية في هيكلها الإداري والتنظيمي، وأنها مبنية على أسس مهنية وتنظيمية وموارد وأنظمة فعّالة.

انّ احدى مشكلات العمل الخيري أنّ الكثير من المسؤولين فيه لا يرون أنه في حاجة لنظام أو إجراءات أو مهارات أو تدريب، فيستمرّ في التأخر والتأثر بنفسيات وانطباعات القائمين عليه، والتي تؤدّي الى تأخره وتأخر أنظمته والعاملين فيه، حتى يصبح عديم التفاعل، والتواصل مع احتياجات المستفدين منه سواء كانوا عاملين أو محتاجين.

المستفيد من خدمة المؤسسات الخيرية هو الأساس، ويجب أن تعلم الجمعيات الخيرية ذلك، ولو تمعنّا في نجاح المؤسسات العالمية الخاصة منها والعامة، الربحية وغير الربحية لوجدنا أنّ سرّ نجاحها يكمن في تطوير الإجراءات وتسهيليها للإسراع في عملية الأداء والإنجاز.

الدولة هي المستفيدة من هذة الجمعيات الخيرية في مكافحة الجهل والفقر والجريمة من خلال توعية ودعوة ومساعدة المحتاجين لتخفيف الحمل عنها، لذلك قامت الدول المتقدّمة بتيسير وتسهيل عمل المؤسسات الخيرية وتنظيمها ودعمها من خلال التسهيلات التي تقدّمها لها من إعفائها من الضرائب، وإعفاء من يساعدها من مؤسسات تجارية من الضرائب بقدر دعمها لهذة المؤسسات والعمل على تطويرها وتأهيل منسوبيها، وتفريغ الطاقات الماهرة للمساهمة في تقديم خدمات مميّزة ومثمرة، وذلك لأنها أدركت أنها لا يمكنها تغطية الاحتياجات الاجتماعية الا من خلال تفعيل مجتمعاتها لخدمتها، وتيسير ذلك لها.

انّ تواصل المؤسسات الخيرية مع المجتمع مطلب شرعي وضرورة اجتماعية، وانّ العمل الخيري رغم وجود بعض الثغرات فيه، وعدم قدرته على الوفاء بالاحتياجات القائمة، قد بلغ في العقد الأخير انتشاراً كبيراً، ومستوى عالياً من الشمولية والعموم، والتخطيط والتنظيم وتلمّس الحاجات ودراسة المناطق والجهات المستهدفة، وتوسع ليصل الى الكثير من بلاد المسلمين والمسيحين والأقليات، وحقق نتائج ملموسة في مجالات الإغاثة والإعانة لجميع المذاهب والأديان في العالم.

أرى من الضرورة التواصل والتكافل بين أرجاء المجتمع، وهذا ما تقوم به المؤسسات الخيرية وانّ التكافل والتواصل الاجتماعي ليس تشريعاً مفروضاً على القاديرين، بل هو ثمرة طبيعية ونتيجة تلقائية وأثر إيجابي للروابط الدينية، التي يتميّز بها افراد المجتمع، وهو نتيجة طبيعية للمشاعر التي يكنها أفراد المجتمع بعضهم لبعض.

واطرح إمكانية تقديم القطاع الخيري حلولاً عملية لجميع فئات المجتمع خاصة في المجال الطبي، هذا المجال الحيوي جداً بالنسبة للمحتاجين، فغالباً ما يأتي المريض وهو في أشدّ الحاجة الى العلاج والدواء، فهم في حالة الاضطرار والاكراه بسبب ضغط وإلحاح الحاجة مما يسهّل التأثير عليهم، وانّ الفقير قد يفقد بعض أو كلّ ما يملك لحاجته الى العلاج من المرض، وعندما تعجز الموارد الموجهة الى القطاع الصحي عن تلبية حاجات الناس من الخدمات الطبية فلا يستطيع القطاع الخاص أن يوفر احتياجات الناس الطبية؟ هذا القطاع يريد الربح ولأنّ المستثمرين فيه يريدون تشغيل أموالهم، ولذلك يأتي دور القطاع الخيري بمحاولة المساهمة في طرح حلول عملية لعلاج المحتاجين خاصة أن هذا القطاع يتميز بثقة أفراد المجتمع ولهذا يسهل عليه الحصول على تمويل المشروعات الخيرية الطبية، كما أنه يستطيع أن يقدم الخدمات العلاجية بمستوى جيد من الكفاءة والجودة، لأنّ هدفه انساني بحت وأنه يريد تقديم الخدمة لمريض محتاج بدون أي ربح أو عائد.

ان القطاع الخيري هو أفضل من يساعد القطاع الحكومي في توفير هذة الخدمات الانسانية الضرورية بكفاءة فنية وإقتصادية، وذلك لأنه قطاع لا يريد الربح كما هو في القطاع الصحي، كما يهدف الى توفير نوعية من الخدمات الصحية الجيدة بعيداً عن الروتين والبيروقراطية.

رئيس هيئة حوار الأديان

باحث في الشؤون السياسية والإقتصادية والدينية

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى