في العراق كلّ شيء ولا شيء!
مصطفى حكمت العراقي
يبدوأنّ قادة العراق قد عزموا أمرهم واتخذوا قرارهم واتفقوا، بعد أن كان عدم الاتفاق هو صفتهم الملازمة منذ أن تولوا سدة الحكم في البلد وعقدوا الصفقة التي اجتمع عليها الأضداد ووحدوا الجهود وحركوا الأدوات لتحقيق ما يريدون، فكان النتاج باهراً وكان القطاف أكثر مما كانوا يريدون، ففرحوا بلا ابتسامات وتبادلوا التهاني بلا اجتماعات وعقدوا العزم لتحقيق المزيد من الصفقات، لا لبناء البلد أو تحقيق تنمية مستدامة لشعب أدمن الفقر والجوع، ولا لجعل الأمن حاضراً في كلّ زمان ومكان ولا لتقليل نسب البطالة الأعلى في المنطقة وخفض نسب الجهل ورفع منسوب المتعلمين في بلد كان قبلة المريدين لكسب العلم والثقافة، كلّ ذلك لم يجتمع عليه ساسة العراق بل اجتمعوا واتفقوا على جعل الدم العراقي مباحاً لمن يشاء بفسادهم وفشلهم وتهاونهم وركوعهم وتبعيتهم لمن كان همّه تدمير العراق وجعله خربة، فكانوا اليوم هم الأدوات لتحقيق ذلك بفضل حنكتهم ودهائهم السياسي وجهادهم ونضالهم وشهاداتهم التي صدّعوا رؤوس العراقيين بها، فكان نتاج ذلك دم يسقط في كلّ حين وشعب لا يعرف للفرح سبيلاً، وقيادات اغتنت من بعد جوع فعاشوا في قصور وشعبهم يعيش تحت الأنقاض، وامتهنوا الكذب والخداع والسرقة وقالوا إنهم صادقون ومؤتمنون فكان النفاق السياسي رمز عملهم ووقود بضاعتهم، فأصبحوا اضحوكة لشعبهم ولعبة بأيدي من أوصلهم لمناصبهم الخاوية، التي أصبحت تباع وتشترى علناً في مزادات بيروت وعمّان ودبي وباقي العواصم، التي لجأوا إليها لإخفاء وجوههم الحقيقية الملطخة بدماء والملمعة بأموال حرام.
كلّ هذا وأكثر إمتاز به قادة أتت بهم الصدفة لحكم بلد تصارعت عليه الدول، وطبقت عليه المشاريع وعاش احتلالاً دولياً بمباركة قادته الحاليين ومعظم دول الجوار العربي والمحيط الإقليمي والدولي، كلّ هذا كان الأساس لدمار العراق ووصوله إلى وضعه الحالي فالسيادة في بلادي منتهكة من كلّ حدب وصوب وقادة البلد يتبجّحون بالمحافظة عليها. فأين السيادة يا قادة البلد من وزير دفاع المحتلّ الأميركي الذي أصبح ينام في واشنطن ويصحو في بغداد ويستقبله في مطار بغداد السفير الأميركي وجنرالات الوزارة الذين لا يعرف عددهم أحد، ويصل إلى سفارة واشنطن في قلب بغداد من دون علم أحد من قادة العراق النائمين في العسل؟
أين السيادة من وزير يعلن إرسال جنود من بلده إلى العراق قبل أن يعلم بها وزير الدفاع العراقي ورئيس وزرائه الذين استقبلوا الوزير الأميركي بكلّ أدب ومن دون أزعاج لسيادة ولي نعمتهم الاميركي حفظه الله؟
أين السيادة بتنفيذ أوامر سفير واشنطن في بغداد بمنع وزير الداخلية من تسلّم أيّ مسؤولية أمنية في العاصمة لعلمهم بمدى تمكّنه من تحقيق الأمن في العاصمة لإجباره على ترك منصبه في حكومة يقودها السفير فكان قبول استقالة الوزير من العبادي بسرعة الضوء وكأنه ينتظرها بفارغ الصبر، وهو ذاته الذي ترك استقالات عدة لباقي الوزراء من دون موافقة أو رفض، فهل من قبلها هو السفير الأميركي أو العبادي من نفذ الأوامر بسرعة؟
أين السيادة من السماح بدخول سيارة محمّلة بالمواد المتفجرة إلى قلب بغداد، ووقوع التفجير الذي كان الأكبر في تاريخ الأعمال الإرهابية في العاصمة لجهة حجم الخسائر المادية والبشرية؟
أين السيادة من القبول بإجراء اتفاق مع الإرهاب ومموّليه من الرياض وواشنطن وغيرهم، من محور الشرّ في المنطقة والسماح بإخراج رتل كبير من قادة داعش في الفلوجة وباقي مناطق الإرهاب في الرمادي، حتى كشف المستور وقصف الرتل وتمّ القضاء على الإرهاب، لينسف الاتفاق ويكون الردّ الإرهابي مئات الشهداء في بغداد وصلاح الدين والقادم قد يكون اسوأ؟
أين السيادة من سفير لرأس الشرّ في المنطقة مملكة آل سعود يعادي مؤسسة الحشد الشعبي التابعة رسمياً لرئيس مجلس الوزراء العراقي؟ ويطالب بالقضاء عليها ومحاربتها «كداعش» ويزور الأرهابيّين القابعين في السجون العراقية والمحكومين بالإعدام لقتلهم مئات العراقيين الأبرياء، ويعلنها صراحة بسعي مملكته لإخراجهم وإجراء صفقات مع حكومة العراق لتحقيق ذلك؟
أين السيادة من جيش تركي قابع في شمال العراق رغماً عن حكومة العبادي التي كان صوتها عالياً في بادئ الأمر، إلى أن أصبح وجود الأتراك مباحاً بظلً السكوت الحكومي الفاضح فمن سكت رضي؟
كلّ ذلك قليل في من ادّعى أنّ سيادة العراق محفوظة وأما التخبّط في إدارة البلد فهو أصبح الظلّ الملازم لكلّ قادة البلد وحتى في الحرب لم يفلح الساسة في تعديل مسارهم، إذ اكتملت المسبحة بقبول استقالة وزير الداخلية المجاهد والابن البار للحشد الشعبي، والأنجح من بين وزراء داخلية العراق ما بعد الاحتلال من دون الاتيان بوزير جديد، وقد تدار الوزارة بالوكالة مرة أخرى كما كان سابقاً، كلّ ذلك لأنّ الوزير لم يخضع كما خضع رئيسه لأوامر إدارة واشنطن، فضلاً عن الخروج ببيان من مكتب العبادي يُعلن إعفاء قائد عمليات بغداد ومسؤولي الأمن والاستخبارات في المحافظة من دون تسميتهم، وكأنه يقول بأنهم سيعودون كما السابق لأنهم خط أحمر في ظلّ دعم ورضى من سفير واشنطن في بغداد، ومن دون إعطاء المناصب لقادة جدد ليتأكد خيار إبقائهم في مناصبهم فهم أقوى من العبادي نفسه…
في المجمل فإنّ في العراق سفير غربي يقود البلد وحكومة ضعيفة لدرجة الخنوع، حيث نصف وزرائها غائبين والنصف الآخر يقود وزارتين أو أكثر أصالة ووكالة، وبلد سيادته على فقراء شعبه وخنوعه أمام ولاة نعمة قادته…
في العراق شعب يذبح بصمت وقادة يسرقون جهاراً، وقوات أمنية وحشد شعبي يخوض المعارك في السياسة والميدان وينتصر ليرسم المعادلات ويقول بأننا سنقتصّ من «دواعش» المنطقة الخضراء فور اكتمال انتصارنا ودحرنا لدواعش الصحراء.