زرنيخ في بحيرة القرعون يفاقم الكارثة البيئية لأطول أنهار لبنان
أحمد موسى
كان فصل الشتاء عامراً بالخير والعطاء حيث تفجّرت الينابيع وفاضت الأنهر وغُمرت السهول وامتلأت البحيرات. وبحيرة القرعون، في البقاع الغربي، التي تتسِّع لـ 222 مليون متر مكعب قاربت أن تمتلئ بالمياه، فاستبشر المواطنون والسُّياح خيراً هذا العام.
بحيرة جميلة واقعة بين مجموعة قرى وبلدات البقاع الغربي ومحاطة بكروم العنب والتفاح، فلو قُدِّر الاهتمام بها من قبل وزارة السياحة والوزارات المعنية لكانت من أجمل المواقع السياحية في لبنان.
تعاني بحيرة القرعون التي تتغذى من نهر الليطاني الذي ينبع من البقاع، إضافة إلى نهري البردوني والغزيل، من التلوث اليوم نتيجة تراكم نفايات المعامل والمصانع المبنية على ضفتي مجرى النهر، من زحلة مروراً بالبقاع الأوسط وصولاً إلى البحيرة. كما تصبُّ فيها المجاري الصحية، المربوطة بمجرى الليطاني.
يُساند البحيرة سدٌّ منيع يبلغ ارتفاعه 60 متراً وطوله حوالى 1090 متراً بعرض أقصى 162 متر. ويبلغ حجم السدّ الإجمالي حوالى مليوني متر مكعب تقريباً. وهو عبارة عن سدّ ركامي من الردميات الصخرية مع طبقة أمامية من الصخور المرصوفة. بلاطات منع التسرب هي من الخرسانة المسلحة على الواجهة الأمامية للسدّ وتتراوح سماكتها بين 50 سنتمتراً في القسم الأسفل للسدّ و30 سنتمتراً في القسم الأعلى منه. وتبلغ مساحتها 47000 متر مربع. ترتبط هذه البلاطات في ما بينها بفاعل مطاطي يسمى WATER STOP وتحشى الفراغات بمواد زفتية عازلة. والسدّ مجهز بسكري تفريغ لتفريغ مياه البحيرة.
وتستعمل المياه التي يختزنها في توليد الطاقة الكهربائية في المعامل الكهربائية الثلاث مركبا، الأولي وجون التابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني وفي ري ما يزيد عن 1400 هكتار من أراضي سهل البقاع الزراعية وحوالى 36 الف هكتار من الأراضي الزراعية في الجنوب.
وأجمع الخبراء الذين تعاقبوا على دراسة مشروع الليطاني على أنّ الموقع الذي اختاره المهندس ابراهيم عبد العال مع الجيولوجي دو برتريه لإقامة السدّ في مكان بين القرعون وسحمر على المنسوب 800 متر هو أفضل المواقع جغرافياً ولذلك تمّ اعتماده عند التنفيذ. المنشآت التابعة للسد منشأة تصريف الفيضان أو المفيض: هو برج من الخرسانة المسلحة في البحيرة متصل بنفق يمر تحت جسم السد حتى مجرى النهر.
يعتبر المفيض من أهم المنشآت التابعة للسدّ إذ أنه يحمي السد في حال الفيضانات ويؤمن مرور المياه بشكل سليم ومن دون إلحاق الأذى بجسم السد.
ويتساءل أبناء القرى المحيطة عن أسباب الإهمال واللامبالاة في الحفاظ على السلامة العامة، وعن دور وزارتي البيئة والسياحة وغيابهما عن فعل الواجب اتجاه منطقة حافظة عليها لكنّ الوزارات المعنية أهملتها وغيّبتها عن خارطة السياحة عملياً.
ولفت رئيس بلدية لالا الحاج حسين جميل طربين في حديث لـ»البناء»، إلى أهمية بحيرة القرعون وجمال موقعها، وتمنى «لو كان للمسؤولين المعنيين التفاتة نحوها وجعلها موقعاً مميزاً على الخارطة السياحية في لبنان، خاصة ونحن على أبواب موسم سياحي واعد».
وقال طربين: «قبل إنشاء بحيرة القرعون، في خمسينات القرن الماضي، كان الأهالي يقيمون معاصر العنب والمطاحن والنواعير، والجسور لعبور المواطنين والوصول إلى أراضيهم. ولفت إلى أنّ المياه كانت في السابق عذبة والأهالي يستخدمونها لكلّ شيء حتى أنهم كانوا يستخدمون مياه نهر الليطاني للشرب».
وأشار إلى «أنّ المصلحة الوطنية لنهر الليطاني استخدمت مساحات شاسعة من أراضي لالا، من دون حصول أصحابها على تعويضات، حيث كان الوعد يومها بتزويد لالا بالطاقة الكهربائية بأسعار شبه مجانية إسوة بعدد من القرى المستفيدة في محيط البحيرة».
وأعرب مختار القرعون فادي أبو فارس، من جهته، لـ»البناء»، عن أمله بأن «يهتم المسؤولون بمجرى النهر وبحمايته من التعديات عليه خاصة لجهة التلوث الذي بدأ يغزو البحيرة واليوم نتفاجأ بنفوق الأسماك وبكميات كبيرة، خاصة أنّ المنطقة بأكملها تعتمد على سمك البحيرة، لكنّ الأهم رفع التلوث نهائياً عن البحيرة».
أما أصحاب المؤسسات السياحية على ضفتي البحيرة في عيتنيت وصغبين وباب مارع والقرعون ومشغرة، فأملوا «بأن يكون الموسم السياحي القادم مليئاً بالخير، وأن تتعزّز السياحة الداخلية إلى هذه المنطقة». وتمنوا على وزارة السياحة «أن يكون لها لمسة كريمة بالاطّلاع على أحوال هذه المراكز السياحية والعمل على تحقيق مطالبهم».
فجأة ظهرت على ضفة بحيرة القرعون كميات كبيرة من الأسماك النافقة بكلّ الأحجام، حيث كشف عملية النفوق مكتب جهاز أمن الدولة في البقاع الغربي، الذي أخذ عينات منها وأبلغ فوراً وزارة الصحة التي أرسلت، بدورها، خبراء لأخذ عينات وفحصها وكشف ملابساتها. ويقول معنيون إنها المرة الأولى التي تنفق فيها أسماك بهذا الحجم في بحيرة القرعون.
ووفق مصادر خاصة لـ»البناء»، تشير النتائج الأولية إلى رمي مجهولين مادة الزرنيخ السامة في البحيرة، مستبعدين نفوق هذه الكمية بـ»الصعق الكهربائي». وتؤكد مصادر أمنية رفيعة أنها تتابع عن كثب أسباب وخلفيات القضية والتحقيقات جارية، فيما تتخوف مصادر أخرى من أن تكون كميات من هذه الأسماك وصلت إلى مخيمات النازحين، وإذا كان سبب نفوق الأسماك هو مادة الزرنيخ فإنّ كلّ من يتناولها يُصاب بالتسمُّم».
وأوضح الخبير الزراعي يساي هافتيان في اتصال مع «البناء»، أنّ هناك أنواعاً من الأسماك تموت بسبب خلل في الأوكسيجين في المياه، وتغيير كمية الأوكسيجين في المياه يؤدي إلى موت هذه الأسماك، وهذا يصيب عادة سمك الترويت، الذي يعيش في المياه المالحة والحلوة، بسبب الرياح القوية والعواصف الرعدية، وهذا يحصل عادة في فصل الربيع». مضيفاً «إنّ الأسماك الموجودة في بحيرة القرعون أجهل نوعها، وبالتالي نفوق هذه الكمية من الأسماك بحاجة إلى تحليل مخبري عالي الدقة لتحليلها وكشف ملابسات هذا الموت للأسماك». وفيما أشار إلى «أنّ الصواعق الكهربائية التي يستخدمها الكثير من الصيادين في صيد أكبر كمية من الأسماك تؤدي إلى نفوق هذا النوع والكمية من الأسماك»، استبعد استخدام مادة الزرنيخ لقتل هذه الكمية الكبيرة، لأنها بحاجة إلى أطنان من مادة الزرنيخ لتكفي قتل هذه الكمية من الأسماك كون المساحة المائية في بحيرة القرعون كبيرة». ولفت إلى أنّ «تنظيف البحيرة من الفطريات والذي يُعرف بالخزّ يعتمد على مادة الكلور CLOR وليس مادة الزرنيخ، إذ أنّ هذه المادة كفيلة بقتل الإنسان وليس فقط الأسماك».
وكانت معلومات غير مؤكدة تحدثت عن رمي وزارة الزراعة مادة الزرنيخ في البحيرة بهدف تنظيفها من الفطريات الخز .
مصادر أمنية رفيعة تتابع ما حصل في بحيرة القرعون استبعدت لـ»البناء»، «أن تكون مادة الزرنيخ سبباً في قتل هذه الكمية من الاسماك مرجحةً استخدام الصعق الكهربائي في أكثر من مكان وعلى مسافة قريبة في مياه البحيرة أدى لنفوق هذا الكم الكبير من الأسماك، وبالتالي عمد الفاعلون إلى أخذ الأسماك الكبيرة والمتوسطة الحجم وأبقت على الأسماك الصغيرة على شاطئ البحيرة».
المشنوق يُحيل قضية نفوق الأسماك إلى المحامي العام البيئي
أحال وزير البيئة محمد المشنوق إلى المحامي العام البيئي في البقاع القاضي محمد مكاوي كتاباً حول موضوع نفوق الأسماك في بحيرة القرعون، طالباً الادّعاء على كلّ من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً.
وجاء في كتاب وزير البيئة:
«إنّ قانون حماية البيئة، القانون 444 تاريخ 28/8/2002 نص في الفصل الأول ـ المسؤوليات:
المادة 51 ـ مع مراعاة أحكام قانون الموجبات والعقود وقانون العقوبات، إنّ كلّ انتهاك للبيئة يلحق ضرراً بالأشخاص أو بالبيئة يسأل فاعله بالتعويض المتوجب. وللدولة، ممثلة بوزارة البيئة، المطالبة بالتعويضات الخاصة الناتجة عن الأضرار اللاحقة بالبيئة.
المادة 52 إنّ المسؤولين عن أي ضرر يطال البيئة بسبب أعمال منجزة من دون تصريح أو بصورة مخالفة للأحكام القانونية والنظامية النافذة، ملزمون باتخاذ كل التدابير التي تؤدي إلى إزالة الضرر، على نفقتهم الخاصة.
وإنّ النفقات الناتجة عن التدابير التي تتخذها السلطات المختصة لمنع كل ضرر يطال البيئة، تكون على عاتق المسؤول عن هذا الضرر.
لذلك وبناء على ما تقدم، وعلى كلّ ما قد ترونه مناسباً، وحرصاً على تطبيق القانون ورفعاً لأية مسؤولية، تطلب وزارة البيئة منكم الادّعاء على كلّ من يظهره التحقيق فاعلاً أو شريكاً أو متدخلاً، واتخاذ كافة التدابير التي ترونها مناسبة».