تقرير

تناول تقرير نشره موقع صحيفة «غارديان» البريطانية «تقرير تشيلكوت» لتقصّي الحقائق حول غزو العراق الذي قادته الولايات المتحدة الأميركية وشاركت فيه بريطانيا كشريك رئيس تحت قيادة توني بلير رئيس الوزراء آنذاك ، حيث تساءلت الصحيفة: هل كان يتعين على بريطانيا حقاً المشاركة في الغزو؟ وهل تمثّل الحرب جريمة؟ وقد استعرضت الصحيفة التقرير في عشر نقاط.

هل أتى التقرير بأيّ جديد؟

يقول المقال إن التقرير الذي أصدره السير جون تشيلكوت ولجنته، الذي احتوى على ما يقارب ثلاثة ملايين كلمة، واستغرق إعداده قرابة سبع سنوات، لن يغيّر من الواقع شيئاً، ولن يلفت أنظار أحد، إذ إن معظم الناس، بمن فيهم من دعموا الحرب بادئ الأمر، أدركوا أن شنّ الحرب بُني على مزاعم كاذبة، ولم تكن هناك ترتيبات لمرحلة ما بعد الغزو، فانزلق العراق في أتون الفوضى.

إلا أنه لا يمكن التقليل من المجهود الكبير الذي بذلته اللجنة، فقد كشفت عن الاتصالات السرّية التي أجريت بين توني بلير وجورج بوش الابن، التي ما كان لها أن ترى النور قبل سنوات طويلة.

ِلمَ لا يعترف بلير بخطئه؟

أقام بلير مؤتمراً صحافياً للرد على ما جاء في التقرير، وقد تجنّب في حديثه الاعتراف بخطئه. لكنه عبر عن أسفه لسقوط ضحايا، وقال إنه كان عليه أن يدقق أكثر في المعلومات التي بُني عليها الغزو.

كما اعترف أنه كان يتعين عليه الاستفسار حول جاهزية التحالف لمرحلة ما بعد الإطاحة بصدام. كان البعض يتوقع أن يقول بلير: «لو كنت أعرف وقتئذٍ ما أعرفه الآن، لما جررت البلاد إلى الحرب». لكنه يتمسك بالوهم والإنكار.

هل ألزم بلير نفسه بالحرب؟

وردت جملة في التقرير لفتت نظر الكثيرين على الفور. يعد بلير بوش في إحدى المراسلات بالقول «سأساندك مهما كانت الظروف». ورغم أن جملة مهما كانت الظروف أتبعها بلير بمجموعة من الشروط التي يجب الوفاء بها، إلا أنها اعتُبرت بمنزلة شيك على بياض ممنوح للرئيس الأميركي لفعل ما يشاء. ويقول التقرير إن الأميركيين اعتقدوا أن مشاركة بريطانيا في العمل العسكري أمر مسلم به.

هل كذب بلير للمشاركة في الحرب؟

كان المبرر الذي ساقه الحلفاء للإطاحة بصدام حسين هو أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل. ولكننا نعرف الآن أنها لم تكن سوى أكاذيب لا أساس لها.

إحدى تلك الأكاذيب التي ما انفك الحلفاء يرددونها هي أن العراق قادر على إطلاق أسلحة دمار شامل في غضون 45 دقيقة من إصدار أمر الإطلاق. إلا أن الواقع يقول إن صدام حسين تخلص من كافة أسلحة الدمار الشامل منذ حرب الخليج الثانية «عاصفة الصحراء» في بداية التسعينات.

لكن تقرير تشيلكوت يبرّئ بلير ومساعديه من فبركة تلك المعلومات، ويلقي باللائمة على الاستخبارات البريطانية وعملائها الذين وعدوا بجمع معلومات من داخل نظام صدام. وأن الاستخبارات هي التي ضللت بلير. لكن بلير أبى الاستماع إلى نصائح بعض مساعديه الذين رأوا تلك المعلومات ضعيفة.

هل كان شنّ الحرب عملاً غير قانوني؟

لا يحدّد التقرير الذي أصدرته اللجنة ما إذا كانت الحرب عملاً غير قانوني أم لا، ومبرّرها أنها ليست مؤهلة لذلك. لكن التقرير يقول إن المسوغات القانونية التي بُني عليها الغزو كانت «غير مقنعة».

على الجانب الآخر، دعم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مرحلة ما بعد الغزو، ولم يُصدر أيّ إدانة في هذا الشأن. كما أن المحكمة الجنائية الدولية لا يمكنها الفصل في ذلك، إذ إنّ اختصاصها يقتصر على معاقبة الأفراد على جرائم حرب ارتكبوها في ميادين القتال. ولا يخفى أن كثيرين يتمنون رؤية بلير على منصة العدالة في بريطانيا بسبب الحرب على العراق.

هل كان ممكناً منع اندلاع الحرب؟

لا، لم يكن ذلك ممكناً. فقد كان بوش عازماً تمام العزم على شنّ الحرب مهما كلّف الأمر. ولكن كان من الممكن منع بريطانيا من المشاركة في الحرب. فعلى رغم أن المؤسسات الدبلوماسية والعسكرية بل وحتى الإعلامية البريطانية دعمت صراحة شنّ الحرب، إلا أن استقالة من أحد الوزراء الرئيسيين في حكومة بلير، جاك سترو وزير الخارجية على سبيل المثال، كانت كفيلة بتعطيل خطط الحكومة البريطانية بالزجّ بالبلاد في حرب خاطئة.

لمَ لم يكن الحلفاء مستعدين لمرحلة ما بعد صدام؟

لم تستغرق العمليات العسكرية الرئيسة للغزو وقتاً طويلاً، ولم ينتج عنها الكثير من الضحايا. لكن مرحلة ما بعد صدام تمثل كارثة بكل المقاييس. يفند تقرير تشيلكوت مزاعم بلير حول أن الحرب الطائفية التي اندلعت بعد انتهاء الحرب قد جرى التحذير منها قبل الغزو. إلا أن بلير وبوش صمّا آذانهما عن الاستماع إلى تلك المبرّرات. بل إن بلير سخر من تحذيرات جاك شيراك، الرئيس الفرنسي آنذاك، بالقول: «مسكين ذاك العجوز شيراك. ألا يفهم حقيقة الأمر؟». ولكن على ما يبدو فإن بلير هو الذي لا يفهم ذلك.

انزلق العراق في الفوضى، فاشتعلت حرب طائفية، وبات 400 ألف جندي عراقي، هم قوام جيش صدام، على قارعة الطريق بقرار من بريمر، حاكم العراق آنذاك، بين عشية وضحاها.

هل الحرب هي السبب في ظهور «داعش»؟

يسود اعتقاد بأن الحرب على العراق أشعلت فتيل الأزمات في الشرق الأوسط. لكن بلير يقول إن الفوضى كانت ستضرب العراق حتى من دون الحرب، لأن الشعب كان سيسير على نهج «ثورات الربيع العربي»، مثلما حدث في مصر وليبيا وسورية.

وقد أكد «تقرير تشيلكوت» أن الحرب على العراق دعمت صعود «داعش» وفجّرت الوضع في سورية.

هل تعلمنا أيَّ دروس؟

تقول مصادر اطلعت على التقرير إنه قد جرى تطبيق بعض الدروس بالفعل. وقد أُلقي باللائمة على المعلومات الاستخبارية المضللة، التي قدّمها السير ريتشارد ديرلاف، رئيس جهاز «MA6»، رغبة منه في إرضاء سيده. ويقال إنه قد جرى الفصل بين عملية جمع المعلومات وتقييمها.

هل يمكن تكرار كارثة غزو العراق؟

بعد ما شهده كل من العراق وأفغانستان، يبدو ذلك أمراً مستبعداً. فقد اتجهت القوى الكبرى نحو اتباع نهج مختلف في الأزمة الليبية، فاكتفت بتوجيه ضربات جوية من دون الدفع بقوات على الأرض. وكان لهذا النهج أيضاً نتائج كارثية. ولذلك، نجد أن القوى الكبرى تتردّد بشدة قبيل اتخاذ أي خطوة في الشأن السوري.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى