إيرولت: قلق فرنسي من تقدّم الموقف الروسي مسيحياً
روزانا رمّال
يؤكد الزائر الفرنسي للعاصمة اللبنانية بيروت على اولوية لبنان بالنسبة لفرنسا، معتبراً أنّ «الوضع السياسي المعقد فيه يلزم الخروج من هذه الأزمة ليتمكن من مواجهة التحديات كافة وكذلك مسألة اللاجئين ليصبح إيرولت رابع مسؤول دولي بعد هولاند وكي مون وكاميرون ممن توالوا على زيارة لبنان لأجل الغرض نفسه، وهو مصير اللاجئين السوريين وإمكانية أن تتعاون السلطات اللبنانية بالملفّ، خصوصاً أنّ تطوراً هاماً على هذا الصعيد أرسته تركيا بإعلان الرئيس رجب طيب اردوغان عن نيات تجنيس عدد من اللاجئين في تركيا.
وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت أرخى اجواء من التقدّم على صعيد الملف الرئاسي قبل مجيئه الى لبنان، لا لأنه يحمل ما «يبهر»، إنما لأن الأفرقاء فيه باتوا يربطون اسم الساسة الفرنسيين بالاستحقاقات العالقة، كالملف الرئاسي مثلاً، وملفات عسكرية متعلقة بأوضاع الجيش اللبناني او تسلّم جنود فرنسيين مهمة أمنية في لبنان عبر «يونيفيل» بشكل ريادي، كالذي جرى عقب تنفيذ القرار 1701… كلها محطات منحت الزوار الفرنسيين ترحيباً غير مسبوق، وحمّلتهم ما يعتبر في بعض الأحيان أكبر من قدرتهم على الإنجاز، وهذا بالضبط ما تعيشه فرنسا اليوم.
تدرك فرنسا عدم قدرتها على إعادة عقارب الساعة الى الوراء وتدرك مع هذا أنه من الصعب التكيّف مع واقعها الجديد بالمنطقة بعد الحضور الروسي الواسع الإطار والهدف الذي توجّه بأول مراحله نحو سورية بمباركة الكنيسة الروسية وضمن عنوان «الحرب المقدسة» على الإرهاب، وما في الرمزيتين من رسائل كنسية مسيحية أولاً وإنسانية ثانياً، فتدرك باريس تماماً هالة هذا الحضور عند شعوب الشرق الأوسط المقهورة بالمجمل خصوصاً المسيحيين منهم.
أما لبنان، الواقع دوماً ضحية الهالة الفرنسية الحاضرة «كموروث» والأمل الآتي من أروقة غرفها السياسية، عاش أياماً من التفاؤل المفرط منذ لحظة الإعلان عن زيارة إيرولت التي كشفت عن مهمة متابعة ملف اللاجئين الذي حضر مجدّداً ضمن اجتماعات الوزير الفرنسي وتصريحاته، مستكملاً ما كان قد بدأه الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في زيارته إلى لبنان متخطياً بروتوكول «الرئاسة» وأهمية وجود رئيس في البلاد للقيام بالزيارة مع فشله كـ «أصيل» بحل معضلة الرئاسة!
ولكن بالرغم من العجز الفرنسي امام الملف المعطل لأكثر من سنتين، فإنّ هذا لا يعني إمكانية ان لا تولد الحلول في ساعات قليلة اذا ما توفرت الأجواء الإقليمية والدولية لذلك، وهي التي لم تنضج حتى الساعة كما أنّ ايّ تطوّر لم يحدث يجيّر لفرنسا نقطة برصيدها فتصرفها في لبنان.
لا تتوهّم باريس اليوم قدرتها على متابعة ملفات دقيقة في الشرق الاوسط على مستوى حساس من هذا النوع «متفرّدة» او من دون أن يتمّ الكشف عن مصير الحلّ السوري، وما سيحمله شهر آب الذي وعد على اساسه الأميركيون والروس بأجندة وضع الدستور السوري الجديد وما يعنيه من تأثير على باقي الازمات الرئاسية، وهو تحديداً ما تنتظره باريس. بالتالي وقبل ذلك الوقت الذي بات قريباً يجب وضع صورة نهائية لملف اللاجئين السوريين في لبنان حسب الأجندة الفرنسية.
تدرك فرنسا أنّ أموراً كثيرة تتغيّر وأنّ الحسم السياسي هذه المرة هو للاعبين العسكريين الذين سيحسمون حظوظهم السياسية محلياً، من دون إمكانية اخذ الملف الرئاسي نحو مسار تريده هي أو الغرب أو حلفاؤها الخليجيون، فمسألة «مباركة حزب الله» لأيّ طرح هي أساس إنجاح أيّ مبادرة فرنسية لم يتكشّف حتى الساعة وجودها أصلاً، ومن بين المتغيّرات الأساسية لدى باريس الحضور في الساحة المسيحية بالمنطقة، فهي بدون شك خسرت هذا الحضور في سورية وحلّ مكانه الحضور الروسي وخسرت أيضاً جزءاً هاماً منه في لبنان بفعل الأزمة، لهذا تتقصّد فرنسا دوماً إرخاء أجواء من الحراك لحلّ الملف الرئاسي ولو جاء على أساس «تخدير» اللبنانيين وإثبات الحضور وتسجيل المواقف حتى إشعار آخر.
قلق مرتبط ضمن هذا الإطار يكشفه مؤتمر دولي يعقد في روسيا يُعنى بوضع مسيحيّي الشرق، وهو مؤتمر شديد الأهمية ويؤكد نيات الحضور الروسي والدخول من بوابة حماية المسيحيين أكثر فأكثر. المشاركات في المؤتمر مشتركة على صعيد إسلامي مسيحي وفعّالة لجهة هوية الحاضرين من لبنان وسورية وفلسطين وسلطنة عُمان وموريتانيا بحضور راعي ابرشية القدس للروم الارثوذوكس المطران عطالله حنا.
مصادر ديبلوماسية حضرت المؤتمر تتحدّث عن ثناء واضح على الموقف الروسي وامتنان أو ارتياح للحضور الروسي بالمنطقة الذي أرسى بعض الثقة عند المسيحيين الخائفين من نيات التهجير والإبعاد. وفي هذا الإطار كان لسفير لبنان في موسكو موقف تحدث فيه عن هذا الدور فقال: «لا بدّ من التأكيد على الدور الثقافي للمسيحية والتعايش الاسلامي المسيحي أساسي للمواطنية الصالحة، ولا شك في انّ روسيا اليوم بقيادة الرئيس بوتين تلعب دوراً محورياً في الحفاظ على وحدة دول عربية عدة».
كلام السفير اللبناني شوقي بونصار واضح وهام لجهة صدوره عن موقف لبنان الرسمي في وقت يمثل لبنان «كتلة الحضور المسيحي الأولى بالمشرق» والذي قد يفهم فرنسياً دعوة لبنانية للعناية الروسية.
يغادر إيرولت لبنان حاملاً معه الى جانب القلق من «المهاجرين» مخاوف التقدّم الروسي مسيحياً بالمشرق وسياسياً عبر حلفائها بالبلاد.