مسرحية خالدة اسمها: الاغتيال 5

يكتبها الياس عشّي

مشاهد أخرى معاصرة

حملة التكفير مستمرة: نجيب محفوظ، نصر حامد أبو زيد، حيدر حيدر، ادوار الخراط، وعبد الصبور شاهين…

هذه أسماء على سبيل المثال وليس الحصر…

ويوم سأل أنطون سعاده: من نحن؟ كان يعدّ العدة لمذبحة جديدة تضاف إلى مذابح هذه الأمة.

المشهد الأخير: اغتيال أنطون سعاده

1 ـ مشهد اغتيال أنطون سعاده تمّ بالاتفاق مع سلطتين قهريتين:

الأولى ممثلة بالحكومة اللبنانية حادثة الجميزة ـ المحاكمة الصورية ـ التنفيذ الفوري لحكم الإعدام .

والثانية ممثلة بمغامر عسكري اسمه حسني الزعيم سلّم أنطون سعاده إلى السلطات اللبنانية.

2 ـ وهو مشهد يؤكد أنّ السلطة القهرية تسعى، عبر الاغتيالات السياسية، إلى إرهاب الناس، وتدجينهم، ومصادرة أحلامهم، وتحويلهم إلى كورس يؤلّه السلطة.

3 ـ وهو مشهد يسعى إلى القول بأنّ «بداية الوطن هي بداية النظام» وأنه «كلما جاء نظام جديد جاء وطن جديد». أنطون سعاده، في قضية الاغتيال، أسقط هذه المقولة عندما حوّل فعل الموت إلى فعل انتصار وقيامة: «أنا أموت، أما حزبي فباق». ومنذ اغتيال أنطون سعاده وحتى اليوم تغيّرت كلّ الأنظمة وبقي اثنان: الوطن والحزب.

4 ـ وهو مشهد قهري، لأنّ سعاده حرم من أبسط حقوقه:

حرم من حقّ الدفاع عن نفسه وحزبه.

وحرم من رؤية زوجه وبناته الثلاث قبل أن يغتالوه.

ويحرم اليوم من إعادة محاكمته، لا لتبرئته مما نسب إليه، فما جرى في لبنان منذ اغتيال الزعيم وحتى نهاية الحرب الأهلية يؤكد براءة سعاده واستشرافه النبوي، وانما لتبرئة لبنان من لوثة الإرهاب، ولوثة التصفية الجسدية، اللتين برزتا في أثناء المحاكمة.

5 ـ وانه مشهد تلتقي عنده كلّ المشاهد السابقة، فمعبد الجهني، والجعد بن درهم، وابن المقفع، وغيرهم كثيرون، كانوا البدايات لكلّ المذابح التي تعرّض لها، وما زال، المفكرون العرب.

وأنطون سعاده لن يكون آخر الشهداء، وطالما أنّ هناك إنساناً قادراً على قول لا ، فإنّ المقصلة جاهزة للانقضاض على رأس أحرار العالم، لكن الفرق بين سعاده وغيره من شهداء الفكر، انه جعل من موته شرطاً لانتصار قضية تساوي وجوده، وانّ تمرّده انسحب على كلّ سوري قومي اجتماعي، وهم مثله، يغرزون عيونهم في الشمس إلى أن تنتصر سورية.. وستنتصرً.

وانه كان بداية الشهداء في عهد الاستقلال، دون أن يفقد إصراره على مخاطبة الأجيال التي لم تولد بعد، ودون أن يتخلى عن تواصله مع مستقبل رسم آفاقه بدقة، ونبل، وإرادة، وأعدّ له باستشراف مدهش،

ثم أعدّنا لنكون الروّاد بعده.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى