العرب معزولون… وليست «إسرائيل»!
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
بعيداً عن العواطف والإنشاء، وفي سياق قراءة الواقع الملموس، يمكن القول إنه بعد ما يسمّى بـ «ثورات الربيع العربي»، ودخول العرب في واقع التشظي والحروب المذهبية والطائفية، فإنّ العرب يخرجون شيئاً فشيئاً من التاريخ، وتتراجع أحجامهم وتتآكل أوزانهم وقدراتهم على صنع الأحداث والتأثير في قضاياهم والقضايا الإقليمية والدولية، حتى بات يمكن القول إنهم أصبحوا خارج البشرية العاقلة.
التطورات الدراماتيكية المرافقة لهذه الثورات وما يحدث من تطورات ومتغيّرات اقليمية ودولية وعربية، تكشف بشكل جلي عن حجم السقوط المدوّي للنظام الرسمي العربي، وما يعانيه من أزمة بنيوية عميقة، فهذا النظام متهالك وعاجز وغير منتج على أيّ صعيد، ولا يمتلك أيّ قدرة ليس لحلّ مشكلاته وأزماته الداخلية والدفاع عن أمنه وسيادته، بل تراه يستحضر الغريب والأجنبي، لكي يحافظ على نظام حكمه، ومستعدّ للتضحية بسيادته وقراره المستقلّ واستمرار نهب خيراته وثرواته مقابل ذلك، وفي القضايا العربية والإقليمية ينفّذ ما يطلب منه، حتى لو شكل ذلك مشاركة في دعم وتنفيذ مشاريع وأهداف وأجندات تتعارض مع المصالح والأمن القومي العربي، حيث اندفعت العديد من الأنظمة العربية وبالذات المشيخات النفطية، للعب دور فاعل في مشاريع التدمير الذاتي والحروب المذهبية والطائفية، هذه الحروب التي أغرقت الأمة في هموم وقضايا داخلية وقطرية، قسّمت وجزّأت وفككت الجغرافيا والمجتمعات العربية، وحرفت الصراع عن أسسه وقواعده من صراع عربي «إسرائيلي» الى صراع عربي – فارسي، والمترافق مع خوف الأنظمة العربية على عروشها دفعها الى نقل علاقاتها مع دولة الاحتلال من السرية الى العلنية، وحتى التحالف معها…
في هذا السياق نشير الى العديد من الأحداث ذات الدلالة الكبيرة، على مدى حالة الانهيار العربي والتخبّط والتوهان الفلسطيني، وغياب الماكينة القيادية المنتجة والمبادرة والمبدعة، فلعلّ الجميع يعرف بأننا نبالغ دائماً في الرهان على المجتمع الدولي والنضال السياسي، نعزّي أنفسنا أو نقنعها بأنّ «إسرائيل» تعاني من العزلة الدولية، وأننا نحقق انتصارات «عظيمة» تجعل الدولة قاب قوسين أو أدنى، لكي نكتشف في التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، ليس فقط مدى الانهيار العربي والإسلامي، بل حجم العلاقات والنفوذ والاختراقات التي حققتها إسرائيل ليس عالمياً، بل في الجسم العربي – الإسلامي، حيث صوّت لصالح مرشحها المتطرف داني دنون لتولي رئاسة لجنة قانونية تعنى بمكافحة «الإرهاب» أربع دولة عربية ودولة إسلامية، وكان التصويت له ساحقاً 109 دول ، وهذا يدلل على الوزن الهامشي للعرب المنهارين.
التطوّر الأبرز واللافت بأنّ السلطة الفلسطينية بعد كلّ معاركها الدبلوماسية والسياسية، والتي يبدو لي أنها لا تدار وفق منهجية واستراتيجية واضحة ومحدّدة، بل تأتي في إطار ردود الفعل والهمّة والعمل الفردي، هو صدور التقرير عن اللجنة الرباعية، بعد الفشل المدوّي في المؤتمر الإقليمي الذي دعت له فرنسا، والذي أفرغ مضمونه نتنياهو وكيري، بحيث لم يأت بأيّ جديد في ما يتعلق بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني لا دولة ولا اعتبار الاستيطان بأنه غير شرعي، جاءت الجائزة والمكافأة الكبرى لـ «إسرائيل»، والتي طالما انتظرنا ان يشكل تقرير الرباعية الدولية عقاباً وليس مكافأة لها. وما حدث في مؤتمر باريس الإقليمي حدث في تقرير الرباعية الذي تأخر صدوره وهندس فقراته ومضمونه كيري ونتنياهو، حيث صدر تقرير «الرباعية» منحازاً جداً لـ «إسرائيل»، ليس فقط مساوياً بين الضحية والجلاد، بل يناصر الجلاد على الضحية، بحيث يدعو الطرف الفلسطيني إلى وقف العنف والتحريض، فهو يدعو الطرف الفلسطيني الى إدانة حقه المشروع في النضال ووصف ذلك بـ «الإرهاب»، وهذا شكل هبوطاً غير مسبوق في الموقف الدولي، وبما ينذر بعواقب وخيمة في هذا التقرير وخسارتنا للشرعية الدولية إذا ما تبنّى مجلس الأمن الدولي هذا التقرير السيّئ.
«إسرائيل» المعزولة يتهافت عليها العربان والمسلمون وتحقق اختراقات جوهرية في الجسد العربي الإسلامي، تحت يافطة الخوف والتقاء المصالح من «الإرهاب» وضدّه الذي يمثله «داعش» والذي هو صنيعة جزء من هذه الدول. وكذلك «الخطر الإيراني» الذي يتهدّد عروشها ومصالحها وأمنها. وفي هذا السياق انتقلت السعودية وغيرها من المشيخات الخليجية في علاقاتها من الجانب السري الى الجانب العلني، وبات الغزل مع «إسرائيل» علنياً وعلى رؤوس الأشهاد، فوزير خارجية السعودية عادل الجبير دعا الى نزع سلاح المقاومة الفلسطينية ورئيس استخباراتها السابق تركي الفيصل رعى مؤتمراً لمجموعة من العملاء والمرتزقة الإيرانيين تحت مسمّى «المعارضة» الإيرانية في باريس. واعتبر في كلمته بأنّ السلاح الذي أمدّت به إيران حماس والجهاد الإسلامي ساهم بنشر الفوضى في المنطقة، وأكثر من ذلك جلب وفد فلسطيني ليعزف على النغمة نفسها ويتهجّم على إيران، وسبق ذلك قيام عضو لجنة تنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية بحضور مؤتمر هرتسيليا الذي يرسم استراتيجيات الدفاع عن الدولة الصهيونية…
بعد ذلك… وبعد خمس سنوات من سقوط نظام مبارك يقوم وزير خارجية النظام المصري سامح شكري بزيارة لدولة الاحتلال لتحقيق ما يسمّيه الرئيس المصري، وفق مبادرته بـ «السلام الدافئ» وفق مبادرته السياسية.
يُضاف الى ذلك اقتراب «إسرائيل» من حصولها على عضوية دولة مراقبة في منظمة الوحدة الأفريقية، بعد الاختراق الناجح الذي قام به نتنياهو لتلك القارة السوداء.
أمام كلّ هذه المعطيات التي تؤشر بأنّ ما يُشاع من مناخات عن عزلة «إسرائيل» دولياً ليس صحيحاً، وهذا يقودنا الى انّ العزلة العربية والانهيار العربي قد يدفعان نحو تحقيق ما طرحه ويطرحه ليبرمان عن تحقيق السلام مع العرب كمقدّمة لتحقيق السلام مع الفلسطينيين، وهذا يعني استخدام العرب كورقة ضغط على الفلسطينيين، وحملهم على تقديم تنازلات في أيّ مفاوضات جارية، بحيث يصبح التطبيع مع العرب له الأولوية على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وهذا ما قاله ويقوله نتنياهو ليل نهار، التطبيع اولاً، وبما يعني أنّ المفاوضات التي تتحدّث عنها المبادرة المصرية بالعودة الى المفاوضات المباشرة ما بين السلطة و«إسرائيل» لحلّ القضية الفلسطينية ستوظف للتغطية على التطبيع العربي مع «إسرائيل». وبالتالي لن يقود هذا الأمر إلى حلّ وطني أو متوازن، وإنما إلى تصفية القضية الفلسطينية عبر تنفيذ الحلّ الإسرائيلي أو إغلاقها حتى إشعار آخر.
ومن هنا بناء على كلّ هذه المعطيات نجد بأنّ العرب ستزداد عزلتهم وانهيارهم وتذللهم واستجداؤهم لـ «إسرائيل» التي تتمدّد وتتوسّع ليس على المستويين الدولي والإقليمي، بل في العواصم العربية وفي غرف نوم قادتها.
Quds.45 gmail.com