صمود فانتصار وقوة فاقتدار…!
مصطفى حكمت العراقي
«في أيّ حرب مقبلة على لبنان لن تلتزم المقاومة بالخطوط الحمراء، ولن تبقى قواعد اشتباك، وستكون الاحتمالات كلها متاحة ومفتوحة» تلك هي العبارة التي اطلقها سيد المقاومة في ختام أحد خطاباته، والتي فضلتُ البدء بها فهي تلخص كلّ مفاصل الصراع مع «اسرائيل»، فمن كان في يوم من الأيام يتنزّه في جنوب لبنان، ويتخذ من الجولان والقدس وباقي الأراضي المحتلة أماكن اصطياف، ولا يكترث لشعوب المنطقة بعد أن أدمن قادتها على الخنوع والركوع وتقبيل الأيادي والدعس على الدماء، بدل المطالبة بها منذ أن وطأت أقدام السادات في الكنيست الصهيوني لتوقيع كامب ديفيد المشؤومة، وصولاً إلى زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري إلى كيان العدو ولقائه رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو، مكرّساً بذلك سلام الضعفاء ومتجاهلاً الردع التي حققته المقاومة بفضل مجاهديها الذين أوصلوا الحرب إلى ردّ الفعل بنفس مقداره، كما كان في مزارع شبعا رداً لشهداء القنيطرة، وجعلوا الاسرائيلي يدخل جحوره بعد اغتيال الشهيد سمير القنطار، حتى عرض عليهم السيد الخروج للتحدّي فكان الامتحان عسيراً لكيان العدو. وكشفت مقولة سيد المقاومة، بأنّ مجاهدي حزب الله سيتواجدون في المكان الذي يجب أن يتواجدوا فيه واقعة فعلاً، حتى وصل الأمر بتغيّر خطط الحرب ومنع وقوعها بعد أن كانت معدّة للانقضاض على المقاومة في وقتٍ ذهبي، ولكن مقولة البدء غيّرت كلّ شيء فحوّلت عبارات رئيس الأركان الاسرائيلي السابق، ووعده بإعادة لبنان 80 عاماً إلى الوراء بعد الحرب، إلى الاعتراف من رئيس الأركان الحالي بأنّ الخطر الأعظم على تل أبيب قادم من بيروت ومجاهديها الأفذاذ، وصار خطاب السيد نصرالله أساساً لسياسات ترسم في تل ابيب، لأنّ حرب تموز لم تنه المقاومة كما حلم بها قادة الاحتلال، ومن يقف معهم عالمياً وإقليمياً وعربياً حتى في لبنان، بل العكس ما حصل فقد خرجت المقاومة من حرب تموز أفضل مما كانت عليه قبلها، وترجمت انتصارها إلى انتصارات متتالية تلت الحرب في شتى المجالات حتى أصبحت طرفاً إقليمياً فاعلاً وليس حزباً لبنانياً عابراً. كما جاهر بذلك الوفد الروسي الذي استقبل وفداً من قيادة حزب الله في موسكو. بعد انتهاء الحرب مباشرة، حتى أصبح الحزب لاعباً أساسياً في حلف امتدّ من موسكو فطهران ودمشق وبغداد والحشد الشعبي إلى ضاحية بيروت الجنوبية…
فببركة انتصار تموز صمد العراق أمام الاحتلال الأميركي وأخرجه مرغماً ولم يقبل بشروطه حينها، وببركة انتصار تموز تحقق الهدف الإيراني باعتراف العالم بأحقية طهران بامتلاك برنامج نووي سلمي، وصولاً لرفع العقوبات الظالمة التي فرضت على شعب مقاوم وامتدّت لـ40 عاماً وأكثر. وببركة انتصار تموز صمدت دمشق بوجه حرب كونية امتدّت لست سنوات حتى الآن، وكان هدفها إسقاط سورية وكسر محور المقاومة وعزل حزب الله. وببركة انتصار تموز صار الطائر الروسي يقاتل دفاعاً عن الجندي السوري وينسق حكماً مع المقاوم اللبناني الذي أبهره، وأبهرالعالم بمهارة القتال وقوة الإرادة وشدة البأس. وببركة انتصار تموز صمدت المقاومة الفلسطينية في غزة وانتصرت بصمودها، بعد أن كان إنهاؤها هو الهدف المعلن، وببركة انتصار تموز انتصر انصار الله في اليمن، وصمدوا بوجه العدوان السعودي المدعوم من واشنطن وتل أبيب وباقي محور الشرّ لبقاء باب المندب تحت سيطرة «إسرائيل» وحلفائها، فكان خضوع الرياض عنواناً لهذا الانتصار، وببركة انتصار تموز تشكل الحشد الشعبي في العراق وقاوم خليفة تل أبيب وواشنطن في العراق وابنهما البار «داعش» الإرهابي وإخوانه من تنظيمات الشرّ التي أصبحت مشافي تل أبيب تعجّ بهم ليكتمل المشهد بإنشائهم ودعمهم وإسنادهم بكلّ شيء ومداواة جراحهم، وصولاً إلى دفنهم إنْ استلزم الأمر…
كلّ هذا وأكثر تمّ ببركة انتصار تموز، فلولاه لكانت بيروت ودمشق وبغداد والقدس والقاهرة في خبر كان ولكان الشرق الأوسط الجديد قد وقع حتماً، ولكان العالم العربي عائداً 80 عاماً إلى الوراء وليس فقط لبنان، كلّ ذلك جلبته المقاومة الاقليمية اليوم، فمن يقاتل في دمشق ويجرح في بغداد ويصمد في صنعاء، ويستشهد في غزة ويقاوم في طهران جميعهم ينظرون إلى سيد المقاومة هو قائدهم وزعيمهم، وحامل رايتهم ولوائهم وراسم فرحتهم ومضمّد جراحهم والأمل الوحيد بنصرهم، فإنْ انتهوا من عوائقهم الداخلية سيعودون إليه ليوحد الجهد ويرسم الطريق ويتخذ القرار ويطلق العنان لتحرير أشمل في القدس والجولان وشبعا وكلّ أرض دنّسها جندي الاحتلال، أما من اتخذ من التفاوض سبيلاً وصار يأمل بقتل أبنائه وإخوانه خيرا،ً وكتب بذلك المبادرات وأقام المؤتمرات، وأعلن تطبيع العلاقات لغاية حلّ النزاع سلمياً، كما يدّعي بالرغم من تمادي الاحتلال في ظلمه وطغيانه… هو كاذب لما يدّعي، فمصر السيسي ذهبت نحو نتنياهو طالبة الرجاء بالمساعدة في ملف المياه مع اثيوبيا، ومملكة عبد الله في الأردن تتخذ من الاحتلال سبيلاً للحفاظ على مناصبها بعد حمى الثورات، أما سلمان ومملكته الخاوية فلجأوا لتل أبيب لتلاقي المصالح وتشارك الأعداء وكلّ يصل نحو ما يريد، ولا للقدس إلا رجال مقاومين لا يريدون صخباً إعلامياً ولا يسعون إلا لتركهم وشأنهم..
خلاصة القول، إنّ انتصار تموز أثبت صواب خيار المقاومة وقدرته على الانتصار، لتحقيق ما يريد وإيقاف وحش كاذب بيته أوهن من بيت العنكبوت، في حين يستمرّ الساسة بعنادهم وإيمانهم بالتفاوض خياراً رغم فشله، فهم في ذلك فاشلين ومصرّين على فشلهم وهم يكرّرون الخيار نفسه، لتحقيق نتائج متغيّرة ليرسخوا بذلك عجزهم وخضوعهم وخيانتهم لشعوبهم.