هل بات عون أقرب دولياً لرئاسة الجمهورية؟
هتاف دهام
من الطبيعي أن تُطرح الأسئلة بهدف الوصول إلى أجوبة، لكن بعض الأسئلة يحمل أجوبته بين أسطره.
هل يُخفي الفرنسيون شيئاً ما في حراكهم؟ ما سرّ إضفاء الإيجابية على لقاء وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت؟ هل الجولة الاستطلاعية لكبير الديبلوماسيين الفرنسيين هي حلقة وسيطة بين جولتين جديتين بدأت مع الإيرانيين والسعوديين وستذهب مجدّداً باتجاههما؟
هل بدأ البحث دولياً باسم الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية؟ ما هو منشأ الشائعات التي يهمس بها السياسيون وتتحدّث عن قرب انتهاء أزمة الشغور الرئاسي؟ لماذا بدأ البعض الآخر في الوقت نفسه الحديث عن أنّ الرفض الحقيقي للجنرال هو رفض أميركي وليس سعودياً؟
كان الأميركي أول مَن وضع فيتو على وصول عون إلى بعبدا. لا يزال هذا الفيتو متقدّماً على أيّ فيتو آخر، فالجنرال حليف استراتيجي لطهران وحزب الله. هذا ما يقوله قطب سياسي. يعود إلى ما قبل عام 2005، عندما كان رئيس تكتل التغيير والإصلاح منفتحاً على «الشيطان الأكبر» في مرحلة قانون محاسبة سورية وما قبلها. ذهب إلى تكريس منطق اللوبي في التعاطي مع مصالح لبنان داخل الولايات المتحدة بغضّ النظر عن اختلاف فريق 8 آذار معه في ذاك الوقت. هذا كله، لا يُنكره عماد الرابية. كان يعتبر أنه يخوض معركته ويريد أن يستخدم كلّ أوراق القوة التي يملكها.
لكن منذ لحظة عودته إلى لبنان، طوى الجنرال تلك المرحلة. وبحسب القطب السياسي، أصبح أكثر حرصاً على إعادة صياغة مواقفه الوطنية وبناء تحالفاته. كان تفاهم مار مخايل في 5 شباط 2006 أكبر امتحان في تاريخه السياسي. أتت حرب تموز لتشكل معمودية دم حقيقية لهذا التفاهم، فهو صمد رغم كلّ الامتحانات الصعبة التي تعرّض لها.
قراءته الاستراتيجية لما جرى في سورية والمؤامرة الكونية عليها، وفق القطب السياسي، وتحالفه الوجودي مع حزب الله سهّلا على حزب الله الكثير من ميادين ثباته أمام تحديات العقد الأخير. شكل ذلك سبباً من أكثر أسباب القوة الوطنية التي توفرت للمقاومة لكي تصمد إلى هذا الحدّ. كلّ ذلك أزعج الأميركي المستمرّ في تصعيده مالياً وسياسياً ضدّ حزب الله. لذلك حلّ الأزمة الرئاسية ينتظر، كما يرى القطب السياسي، ضوءاً أخضر أميركياً لأصدقاء واشنطن في لبنان لتأمين نصاب الجلسة والتصويت للعماد عون.
الأكيد، بحسب القطب السياسي، أنّ إدارة واشنطن غير جادّة في الوقت الراهن للتعاطي بعقلانية مع الملف الرئاسي. لكن الأميركي براغماتي. لا عداوات مطلقة عنده بل مصالح. ربما تتغيّر مواقفه السياسية فور نضوج الصفقة الكبرى في المنطقة. لذلك، سيبقى جزءاً من حالة الستاتيكو الموجودة، من دون أن يعني ذلك الاستكانة عن استشراف آفاق المرحلة المقبلة.
بغضّ النظر عن عدوانية الأميركيين مع حزب الله والفيتو على عون، يُنقل عن مصادر دبلوماسية أميركية أنّ النظام السياسي في لبنان في مرحلة ما بعد الطائف وصل إلى حائط مسدود. قيادة الحريرية السياسية لتلك المرحلة أثبتت فشلها. لذلك لن يكون لبنان بمعزل عن أيّ تغيير في أنظمة المنطقة.
لكن، ماذا عن الرئيس الحريري؟ هل تجاوز الرفض المبدئي للجنرال وبدأ البحث في تحسين الأثمان المترتبة على ذلك والسعي إلى الكسب في ملفات أخرى؟ إذا كان هذا هو موقفه، فهل يستعين بالفرنسيين لتغيير الموقف السعودي؟ هل بدأ الاصطدام الحادّ داخل تياره بين مَن يُبدي الاستعداد للموافقة على انتخاب عون رئيساً؟ وبين مَن يرفض؟
خرجت بالأمس أصوات من داخل كتلة النواب الزرق تهمس أنّ الموقف الحادّ الذي صدر عن اجتماع بيت الوسط بطلب من الرئيس فؤاد السنيورة ضدّ وزير المال علي حسن خليل وتقريره المالي موجّه في حقيقته ضدّ الرئيس الحريري وفريقه. يخشى السنيورة أن يكون رئيس «المستقبل» خطا الخطوة الأولى للموافقة على انتخاب العماد. فسجاله الحادّ مع وزير الداخلية نهاد المشنوق حول الوضع المالي يصبّ في الخانة نفسها. كلّ ذلك دفع النائب عمار حوري بإيعاز من الحريري إلى تأكيد أن لا رغبة لتياره ولا مصلحة له في الدخول بأيّ سجال أو تجريح مع أحد، في رسالة ضمنية اعتراضية على البيان التصعيدي ضدّ وزير المال.
يعتبر بعض اللاعبين المحليين أنّ إبقاء الوضع على ما هو عليه ضدّ مصلحتهم. يحاول هؤلاء ابتكار محاولات خلاقة تفتح بصيص نور يخرق عتمة الفراغ، رغم إدراك انّ أزمة لبنان الرئاسية وما فوق الرئاسية مرتبطة بإحكام بأزمة سورية وتالياً بأزمة المنطقة.
لا جديد تحت الشمس يحمله الشهران المقبلان قبل ترقب مآل الأحداث السورية. إذ من الممكن أن تظهر الأشهر المقبلة وجهة الأحداث الكبرى. تدخل الولايات المتحدة سياسياً في الكوما. تنضج موازين القوى العسكرية وتبدأ انعكاساتها بالظهور على أزمات المنطقة وكيفية تحريكها.
التقطت رادارات رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط الإشارات قبل غيره، رغم أنّ رئيس التيار الأزرق هو المأزوم الحقيقي. يبحث عن حلّ لمشكلتين يعاني منهما. الأولى أزمته المالية التي انعكست على تياره سياسياً. والثانية سعودية. يدرك أنّ الحلّ الوحيد لهاتين الأزمتين بعودته إلى رئاسة الحكومة. لكن دخول السراي يتطلب رئيساً في بعبدا. أصبح شيخ بيت الوسط مقتنعاً إلى حدّ كبير بأنّ الحلّ الداخلي في لبنان يكمن في التسليم بقرار الرابية. هذا الحلّ سمعه إيرولت من وفد حزب الله أول أمس ومفاده أنّ الرأي الأول والأخير للمسيحيين، وبما أنّ سوادهم الأعظم يريد وصول عون إلى القصر الجمهوري، فإنّ الأساس في حلّ أية أزمة يكون بالوقوف على «خاطر» الأكثرية المسيحية.
هل يعيد كلّ ذلك الاعتبار للسلة المتكاملة على قاعدة ربط الشغور الرئاسي بالملفات الأخرى؟ أين قانون الانتخاب؟ فهل انتهى دور اللجان المشتركة كي يتمّ الانتقال إلى إطار ما لبحث هذا الموضوع؟ لم تنعقد جلسة اللجان المشتركة أمس لعدم اكتمال النصاب. أرجئت إلى 27 الحالي وربما تحذو الحذو نفسه، لعدم تكرار النقاش البيزنطي بانتظار ما تحمله خلوة آب.
بمعزل عن كلّ ما تقدّم، يدرك الجميع، بحسب القطب السياسي، أنّ الملف الرئاسي، بعد أن أقفلت كلّ السبل والمحاولات، محكوم بين معادلتين لا ثالثة لهما: إما السير جدياً بميشال عون رئيساً في الأشهر القليلة المقبلة من دون استبعاد انتخابه في 8 آب، أو الفراغ الطويل حتى الانتخابات النيابية العام المقبل، إلى درجة أنّ لبنان قد يخوض استحقاقه الانتخابي قبل الرئاسي!