«زوال»… نجاح رغم المطبّات
دمشق ـ آمنة ملحم
عندما تقف على سفح جبل قاسيون معانقاً سماء دمشق متيّماً بهواها، وجامعاً لوحة من الفسيفساء سورية لمختلف الأطياف الممزوجة ألوانها، في ظلّ الفقر المدقع المحيط بالمنطقة ككل، فاعلم أنك أمام خلطة درامية مدروسة المقادير بدقة، ابتداءً من النصّ وانتهاء بالوجوه الشابة التي جمعتها كاميرا المخرج أحمد إبراهيم أحمد في «زوال»، مراهناً على ما تملكه من طاقات ومواهب مصقولة بما اكتسبته من المعهد العالي للفنون المسرحية من دراسة أكاديمية تستحقّ الثقة من دون أدنى شك من صنّاع الدراما .
المخرج أحمد إبراهيم أحمد أكد خلال مؤتمر صحافي عُقد في مقر المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي أن مختلف مكوّنات المجتمع السوري التي احتضنها النصّ، العامل الأول الذي شدّه إلى العمل وجعله يراهن عليه. وتمّ اختيار جبل قاسيون للتصوير لخصوصيته في ضمّ مختلف أطياف المجتمع وتعايشهم في تلك المنطقة منذ زمن بعيد، واجتماع أهلها في السرّاء والضرّاء على رغم كلّ ما يصيبهم من مصائب يجرّها الفقر والعوز. فالنص حمل الجدّة وقصصاً غنية بالتفاصيل لحياة شخوص كثيرة ضمن تركيبة جديدة لم يسبق أن تناولتها الدراما بتلك المباشرة وطريقة التعايش التي ظهرت في العمل .
أما عن الخلاف الذي شهدته مواقع التواصل الاجتماعي نتيجة اللبس الذي حصل بعد عرض الحلقة «29»، والتي حملت في أحد مشاهدها لعرس في الحارة الشعبية رقصة شركسية أثارت حفيظة الشراكسة الذين سارعوا في الهجوم على صناع العمل، ما استدعى ردّاً مباشراً من المخرج إذ أوضح أنه تم التواصل مع الجمعية الشركسية لأكثر من مرّة أثناء التصوير للخروج بمشهد دقيق للفولكلور الشركسي، لكنهم لم يحظوا بالاستجابة، فلجأ إلى فرقة رقص شركسية أدّت الرقصة بزيّ شركسيّ، ولكنها لم تعكس الفولكلور كما يجب. مؤكداً أن الغاية الوحيدة من هذا الظهور إظهار مكوّنات المجتمع السوري ما قبل الأزمة من دون أيّ قصد بجرح أيّ مكوّن منها. معتذراً عن المشهد إن كان قد سبّب جرحاً لمشاعر أيّ كان .
ونوّه أحمد بأن الألفاظ التي نطقتها شخوص العمل جاءت متناسبة مع تركيبة كل منها ضمن الشرط الفنّي لكل شخصية. وهذا ما أكده الكاتب زكي مارديني صاحب النصّ بالشراكة مع الفنان يحيى بيازي، فكلّ المفردات جاءت متناسبة مع المستوى الثقافي والفكري والمهني لكل شخصية. لافتاً إلى أن العمل لم يقصد عكس عالم العشوائيات بقدر ما توجّه إلى عوالم شخوص من مختلف الإثنية. فكلّ ما جاء فيه من حكايات مهما كانت صغيرة فهي حقيقية والهدف الفكري للعمل عكس الطريقة التي كانت تلك الشرائح تعيش فيها خلال فترة 1998. وربما حمل الطرح بعضاً من القساوة، ولكن ذلك واقع، وهناك الكثير من النقاط السوداء في المجتمع لم تكن مرئية، إلا أنها أسّست لمشاكل كثيرة انعكست آثارها في الأزمة خاصة. وتم اختيار الجبل للتصوير لقربه من السماء ولنقول إن السوريين هم الأقرب إلى الله .
وحول حظوظ العمل التي لم تكن جيدة في العرض أشارت ديانا جبور إلى أن تأخر توقيت إنجاز العمل قلّل من فرص عرضه. وبالتشاور مع فريق المسلسل والفنانين المشاركين حول فكرة عرضه خارج الموسم الرمضاني، مالت الغالبية ليبقى العرض في رمضان كونه يحمل نوعاً من الاحتفال. وبقيت الرغبة على العرض الرمضاني أقوى، ولكن ذلك لا يقلّل من حظوظ عرضه على القنوات الأخرى في وقت لاحق .
بدورها، حظيت الفنانة شكران مرتجى بثناء كبير من المشاهدين والنقّاد لشخصيتها «أمّ معروف»، وعلى رغم صغر مساحتها، إلا أن مقوماتها وأسلوب أدائها الذي أنجزته مرتجى بمهارة عالية جذب الجمهور إليها وبشدّة. مؤكدة أنها أدّت الدور بصدق وحبّ للشخصية التي باتت جزءاً لا يتجزأ من يومياتها. وبهذا وصلت إلى الجمهور بالصدق الذي حملته، والمخزون المتراكم في الذاكرة التي باتت ممتلئة بحدث الفقد الذي تعيشه أمهات سورية والتي حاولت جاهدة أن تكون مكانها في مشهد فقد الابن «معروف» بمساعدة المخرج الذي اختارها للدور. وتثق شكران بخياراته على الدوام لانسجام رؤيته مع خيالها ورؤيتها لتفاصيل الشخصية حتى في أماكن صمتها .
واجتهاد مرتجى في أداء شخصيتها انسحب على باقي شخوص العمل التي تميّزت بكاركترات وأسلوب ظهور أعطت لكلّ منها خصوصية سواء في شخصية فادي صبيح «أبو حوّا» الذي استطاع تقديم كمّاً هائلاً من التناقضات بما يحمله من مخزون جعله متفوّقاً في الأداء. كما يامن الحجلي «ينال» الذي قدّم شخصيته بمفردات وملامح ونمط كلام جديدة عليه وبرع فيها. وينسحب ذلك النجاح في الأداء على الفنانين الشباب الذي ضمّهم العمل بكثرة وبثقة من المخرج بالطاقات السورية الخلاقة والمثابرة التي تتجلى بمتخرّجي المعهد العالي للفنون المسرحية. وجاءت نتيجتها مرضية للمخرج بشكل تام .
ويبقى «زوال» رهاناً قدّمه صنّاعه بأنه مهما مرّت الثواني وزالت بكلّ ما تحمله من قساوة وبشاعة حرب وأهوال لم تسلم منها أيّ فئة في المجتمع السوري، ستبقى الشام واقفة شامخة بجبلها وسفحها… ولن تزول.