العقد الذهبي لمحور المقاومة

سعد الله الخليل

بالرغم من أنّ مسيرة المقاومة الوطنية حافلة بالإنجازات، وبسجل حزب الله المرصّع بالانتصارات منذ انطلاقته، ما يؤكد بأنّ المواجهة مع العدو الإسرائيلي والانتصار عليه ممكن، وبالاعتماد على قدرات ذاتية مدعومة بالإيمان بفكرة المقاومة كمشروع مناهض للمشاريع الإسرائيلية، مبنيّ على قواعد صحيحة لا مكان فيها للشعارات والخطب الفارغة من أي مضمون، كتلك التي سادت السواد الأكبر من الخطاب العربي الرسمي، في الحديث عن المقاومة والمواجهة النظرية مع العدو الصهيوني، فيما الخفايا والأفعال بعيدة كلّ البعد عن ذاك الخطاب.

يحق لنصر تموز 2006 أن يكون المفصل في تاريخ المقاومة والمواجهة مع العدو الإسرائيلي والمشاريع الأميركية في المنطقة، ليس لأنه كسر شوكة العدو الإسرائيلي إلى الأبد، ونزع عن مرتزقته صفة الصلاحية القتالية التي بدت هزالتها ما إنْ اشتدّ عود حزب الله في التسعينيات من القرن الماضي، ولتؤكد أنّ الانسحاب الاسرائيلي من جنوب لبنان عام 2000 لم يكن خطوة مفاجئة، أو نتيجة لظروف مرحلية مر بها حينها، بل نتيجة تغيّر في موازين القوى من حيث تداعي قوة جيش العدو، أمام تنامي قوة المقاومة هذا في الشكل والمعايير العسكرية، إنما الأهمّ في نصر تموز 2006 حقيقتين الأولى أنه فرز الشخصيات والقوى والدول بين صديق للمقاومة وقضية الصراع مع العدو الإسرائيلي، وراغب في كسر تلك المقاومة من أبواب عدة تصبّ كلها في خانة العدو الإسرائيلي، والحقيقة الثانية أنها وضعت اللبنة الأولى لتشكيل محور المقاومة والممانعة وليتحوّل الدعم إلى تنسيق مباشر، بدا في أوجه في الحرب الكونية على سورية، ولعلّ اللقاء العلني الثلاثي والذي جمع الرئيسين السوري بشار الأسد والإيراني محمود أحمدي نجاد والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في دمشق عام 2010، ما يشير للانتقال بالعلاقات المشتركة إلى مستويات متقدّمة.

لولا حرب تموز لما اضطرت شخصيات وقوى لبنانية وإقليمية إلى كشف نوياها الحقيقية حيال المقاومة، فأظهرت عداء وصل بها إلى حدّ الطلب من العدو الاستمرار بحربه للقضاء على المقاومة وكسرها إلى غير رجعة، وبالتالي خرجت تلك القوى من دائرة حسابات المقاومة، وفرضت أسلوب تعاطي يليق بمستوى عمالة تلك القوى في أيّ استحقاق سياسي أو عسكري يتعلق بالداخل اللبناني أو خارجه، ومن تمكن من التخفي وراء الشعارات الرنانة من بوابة الدعم المالي وإعادة الإعمار الخليجي للجنوب اللبناني، سقط شأنه شأن من سبقه من الأدوات أمام استحقاقات داخلية كأحداث أيار 2008، أو الحرب على سورية كمقدمة لإسقاط المقاومة في لبنان والدور السعودي القطري الواضع في رسم خطوط المؤامرة على سورية والمقاومة.

في المقابل أسّس نصر تموز لبلورة حلف القوى المؤمنة بالمقاومة كخيار لمواجهة العدو الإسرائيلي، حلفٌ بدأ من سورية وإيران ولبنان سرعان ما اتسعت دائرة التحالفات، خاصة بعد دخول العالم العربي مرحلة ما أطلقت عليه واشنطن الربيع العربي، والذي ما لبث أن تحوّل إلى حروب مباشرة على تلك الدول بلغت ذروتها على الأرض السورية، وما فرضته تلك الحرب أيضاً من فرز دولي بين ساعي لإسقاط سورية ومدافع عن كيان الدولة والشعب، ولتتحوّل الدول المناصرة لمحور المقاومة في أميركا اللاتينية وآسيا إلى شريك حقيقي في المواجهة الاقتصادية والعسكرية والسياسية كلّ بحسب إمكانياته ومجالاته، فدخلت روسيا والصين بثقلها الدولي لمواجهة الحرب على سورية، ما مكن محور المقاومة من توسيع دائرة التشبيك بين دوله، بغضّ النظر عن الطبيعة السياسية للأنظمة والحكومات مستفيداً من انضواء تلك الدول بمنظمات كبرى كدول «بريكس» ودول معاهدة شنغهاي وغيرها، وهو ما يعدّ عامل قوة لدول المقاومة بما يخدم قضيتها المركزية في الصراع مع العدو الإسرائيلي، فالتشبيك والتنسيق العاليي المستوى مع دول كالصين وروسيا تربطها علاقات بالعدو الصهيوني لا يعني التخلي عن مركزية قضية الصراع مع العدو، في زمن التطبيع المجاني والهرولة العلنية باتجاه تل أبيب من العواصم العربية، في المقابل ما يقدّمه محور المقاومة من تضحيات في الحرب السورية يدرك أنه يصبّ في مجرى الصراع مع العدو الإسرائيلي، وما كان ليقع لولا الوقوف بوجه المشاريع الإسرائيلية في المنطقة.

منذ نشأتها وبكافة المراحل والمفاصل التاريخية قدّمت المقاومة الدماء والمال في المواجهة المصيرية مع العدو، ومشاريعه المتعدّدة الأشكال بمضمون واحد يتمثل بإسقاط رايه المقاومة، وبناء عليه يحق لمحور المقاومة أن يؤمن بصوابية خياراته، فما حققه العقد الذهبي لمحور المقاومة يكفي ليكون بوصلة نجاح كلّ مقاوم شريف.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى