ريشة فاطمة.. أيقونة حبلى بالضوء؟

نظام مارديني

تفيض لوحات فاطمة اسماعيل في معرضها المقام في «كاليري زمان»، بالدلالة التي تتوزع بين بلاغة ال سريالية، وحداثة الألوان.. هي ترسم من منطلق العلامة المميَّزة وهدفها تأكيد أن المرأة التي تلد الضوء.. وتلد الحياة لا تزال منكسرة وتقبع في العتمة، لذلك تراها تعمل على تشييد علامة خاصة بها من خلال حملها لواء المرأة في بلادنا.

لا شك في أن لوحاتها تجسّد تجربة حسيّة خاصة تعبر عن هواجس هذه الفنانة، إلا أن أغلبها يترجم وينحاز إلى رمزية الخصوبة كما تعبر عنها البالونات التي تتوزع في عدد من اللوحات، فهي رحم وصلة وصل بين المرأة الحامل والجنين وهي تجربة سريالية حداثوية تخضع لمقاييس الفنانة الجمالية والمعرفية التعبيرية.

بهذا المعنى، فإن المرأة هي الشاغل الأكبر في أعمالها، بانكساراتها وانتصاراتها.. وهي البطل فيها دائماً، لذلك أولتها أهمية كبيرة في معرضها، سابحة في الفضاء محلقة هي وبالوناتها أو جالسة مسترخية حاضنة في حالات أخرى. ففي اعتقادها أن المرأة تحمل الكثير من الرمزية في هذه الحياة، وعلى الأقل في أعمالها الحالية لا بديل لها، فهي كائن جميل له رمزية الحب والوطن والأرض، تجسّدها بأعمالها بكل تلك القوة والتعددية الرمزية.

أطلعتنا بخشوع على 24 لوحة بمقاسات متنوعة وكبيرة مشغولة بمادة الزيت والاكرليك التي تتراوح بين السريالية والتعبيرية، فألفينا معظمها مفعماً بباطنية الرمزية وصدقية الدلالة. عناصرها هنا بالونات اختبار الأمل وطفولة مخفية في الرحم ورغم شعورنا في الوهلة الأولى ونحن نشاهد حالات انكسار المرأة إلا أننا سرعان ما نكتشف أنها لا تزال الأقوى من كل شيء. حيث تشخص الأحاسيس الإنسانية بموسيقي فنية تغازل التعبيرية والسريالية الحداثوية، ناسجة بذلك عالماً سيكولوجياً تتداخل فيه مشاعر الانكسار وعواطف الأمومة.

إن من يتفرّس في تقاسيم نساء الفنانة فاطمة، يندهش للألفة وتعايش عناصر اللون في انسجام إيقاعي بصري ومسحة لا تخلو من بساطة الفطرة وأصالة الفكرة، من خلال انعكاس طفولي على الوجوه المخفية بلوحاتها، في زمن التعفن الخلقي والأخلاقي.

رغم حداثة عمرها فإن موهبة فاطمة اسماعيل تجعل من لوحتها أيقونة حبلى بالدلالات والمعاني، عبر عناصر محكومة بنسقية متزنة. إن الواقف على لوحاتها إنما ينجذب بقوة إلى الفكرة، وهي ذات نسق سريالي ونمط تعبيري مركّب العناصر، وقابل للوصف والاستقراء، مجسّدة مقولة لوران بارت: «لا يوجد العبث في النص».

الحق أن لوحات الفنانة اسماعيل مناجاة لذات المرأة، الأم والزوجة والأخت، على اختلاف مراحلها وإحساساتها، ويمكن للمشاهد الذي يتفاعل مع اللوحة هنا رؤية هذا الشغف في البحث عن هوية خاصة، لاسيما عندما تتحدّث الفنانة بلوحتها بلغة مفهومة سلسة وسهلة الدخول إلى القلب.

الفن التشكيلي في لبنان يحتاج إلى جرعات حداثوية جديدة حتى ولو كانت متأثرة بالمدرستين السريالية والتعبيرية التي تأخذ الفنانة من روحيهما ما يعبر عن رؤيتها للمستقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى