عز الدين لـ«البناء»: الإعلام الغربي مسيّس ومحمود عباس تدخّل لحفظ شكوى تقدّمنا بها في لاهاي ضدّ «إسرائيل»

حاورته داليدا المولى

على رغم وجوده بعيداً من وطنه الأم، منذ ثلاثة عقود، إلا أنّ هموم الوطن وقضاياه لم تفارقه يوماً، فحملها في وجدانه وقلبه وفكره، مدافعاً عنها ومناصراً لحقوق أمة عانت وما زالت من حروب مزقت كياناتها، بدءاً من فلسطين ولبنان، مروراً بالعراق، وصولاً إلى ما يجري في سورية التي تخوض صراعاً شرساً في وجه تنظيمات ومشاريع ظلامية، تشنّ حرباً إلغائية ضدّ الأمة لمحو ثقافتها وطمس حضارتها وتاريخ العيش الواحد فيها.

يخوض عدنان عز الدين من مغتربه الإسباني كلّ يوم مواجهة جديدة، ويدافع من موقعه كمحامٍ وناشط في مجال حقوق الإنسان، عن حقوق من هُجّروا من أرضهم في فلسطين بعد أن مورست بحقهم كلّ أشكال التعسّف والتنكيل، وعن المضطهدين في العراق، وعن سورية الدولة والشعب والحضارة. وعلى رغم أنّ الهيمنة الغربية على القرار الدولي وعلى مؤسسات العدالة الدولية غالباً ما تكون أقوى من الاحتجاجات والشكاوى، لكنّ ذلك لم يحبطه ولم يثنه عن متابعة نشاطه التطوّعي، فأسّس منظمة «مكافحة الإفلات من العقاب» ICAI عام 2006 والتي تهدف إلى فضح جرائم الحرب ومقاضاة المجرمين أمام المحاكم الدولية.

بداية حديث عز الدين لـ«البناء» كان عن المنظمة، وقال: «هي منظمة حقوقية دولية تأسست في عام 2006 في برشلونة إسبانيا، ومن أهدافها الرئيسية تقديم الدعاوى في المحاكم الدولية لمقاضاة مجرمي الحرب المدانين بالاعتداء على حقوق الشعوب أياً كان من يقوم بهذا الاعتداء». وأضاف: «إنّ هدف هذه المنظمة هو نصرة الشعوب المضطهدة من خلال القانون الدولي، وبدأت المنظمة فكرة ثم تحوّلت بعدها إلى واقع عبر المنظمة التي بدأت أعمالها فعلاً من إسبانيا إلى العالم».

وأشار إلى أنّ «القضية الأبرز التي تستدعي من الجميع وقفة جدية وحراكاً قانونياً دولياً واجتماعياً وسياسياً على كلّ الصعد هي القضية الفلسطينية، إذ يتعرّض أبناء شعبنا في فلسطين لمحرقة بكلّ ما للكلمة من معنى»، مضيفاً: «لهذا السبب فإنّ تركيزنا الأساسي ومحور عملنا حالياً هو ملاحقة عدونا اليهودي في احتلاله لفلسطين، وقد بدأت أولى مواجهاتنا القانونية معه في المحاكم الإسبانية حين تقدمنا بدعوى عنوانها «العودة» ونقصد بها عودة فلسطينيّي 1948 الى أراضيهم وبيوتهم، وكان موكلونا حينذاك فلسطينيين تهجروا بعدما عايشوا مجازر دير ياسين، وقد أرسلوا توكيلاتهم إلى مكتبي هنا في إسبانيا».

وتابع عزالدين: «بدأنا بـ54 وكالة من فلسطينيّي 1948، قدموا إثباتات كانت عبارة عن صكوك ملكية لأراضيهم ومنازلهم، وتقدمنا بالدعوى عام 2005 وكانت ناجحة جداً وسارت الأمور على ما يرام في بداية الأمر إلى أن تعرّض القضاء الإسباني لضغوطات من «إسرائيل» فتمّ حفظ الدعوى من دون صدور حكم نهائي، لكنّ هذا الأمر لم يحبطني بل زادني صلابة وتصميماً على الاستمرار، فقمت مع أحد الزملاء في مكتبي ومع المحامية اللبنانية المعروفة مي الخنساء بتأسيس منظمة «التحالف الدولي لمكافحة الإفلات من العقاب»، وتقدمنا باسم المنظمة بشكوى ضدّ العدو الصهيوني في محكمة العدل الدولية في لاهاي بعد عدوانه الهمجي على قطاع غزة».

وسرد عز الدين تفاصيل الشكوى قائلاً: «تقدمنا نحن، مجموعة من المحامين في إسبانيا والمحامين المنضوين في المنظمة، بشكوى ضدّ «إسرائيل» الدولة المصطنعة، المغتصبة لفلسطين وموضوعها الجرائم التي ارتكبتها خلال حرب الإبادة التي شنتها على شعبنا الصامد في غزة». ولفت إلى أنّ هذه الشكوى «هي الأولى من نوعها ضدّ العدو بعد عدوانه على غزة الذي بدأ في تموز 2014، وتمّ تقديمها في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بتاريخ 18/7/2014، وفي 14/08/2014 اجتمعتُ إلى النائب العام للمحكمة للمطالعة والنظر في القضية الموجهة ضدّ وزراء حكومة «إسرائيل» ورئيسها بنيامين نتنياهو وبعض القادة العسكريين. ونحن ننشط في الوسط الحقوقي لتدعيم الدعوى، وضمّ جميع الإثباتات إلى الملف الخاص بها من صور وشهادات من غزة».

وعن مدى تجاوب المجتمع الإسباني مع هذه الشكوى وتعاطفه مع الفلسطينيين، قال عز الدين: «بالنسبة إلى الشعب الإسباني فهو متجاوب جداً مع المنظمات الحقوقية والحركات التحرّرية، ويتجه دائماً نحو دعم القضايا الإنسانية، لذا يدعم هذه الدعاوى ويشاركنا في النشاطات والمحاضرات والوقفات التضامنية في جميع المقاطعات الإسبانية. أما بالنسبة إلى الحكومة فإنّ موقفها مرتبط كلياً بالسياسة الأوروبية والأميركية المعروفة من الجميع والتي تدعم كيان «إسرائيل» في شكل أعمى، وأحيانا يؤثر الحراك الشعبي في الحكومة لتكون معتدلة في مواقفها، لكنّ هذا التأثير يبقى محدوداً جداً».

عباس تدخل لحفظ الدعوى

وأعرب عز الدين عن أسفه لما يمارَس على الناشطين في هذا المجال من ضغوط، وأحياناً ممّن يفترض أنهم أصحاب القضية، وقال: «هناك تدخلات لمصلحة الأقوى دائماً، وبكلّ أسف أقول عندما تقدمنا بشكوى ضدّ «إسرائيل» أثناء عدوانها على غزة عام 2008-2009 لاستعمالها أسلحة محرّمة مثل الفوسفور الأبيض وقنابل النابالم وغاز الأعصاب إلى المحكمة الدولية في لاهاي، وبعد أن أحرزنا تقدمّاً كبيراً لجهة إمكان استصدار حكم يجرّم العدو، فوجئنا بأنّ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أرسل مسؤول العلاقات الخارجية ليقدم كتاباً إلى قاضي التحقيق ذكر فيه أننا كمنظمة لا نمثل الشعب الفلسطيني، ما دفع بالمحكمة إلى حفظ الدعوى». وقال: «على رغم كلّ هذه الصعوبات ما زلنا مؤمنين بالكفاح داخل هذه المحاكم، التي تتولى اليوم الدفاع عن كيان العدو الإسرائيلي، إيماناً منّا بأنّ علينا مصارعة هذا التنين في عقر داره حتى نصرعه».

الصعوبات العملية

أما بالنسبة إلى الصعوبات التي تواجهها المنظمة، فلفت عز الدين إلى أنّ «الصعوبات كثيرة لا سيما من الناحية المادية فليس لدينا أيّ دعم مالي، وهو عنصر مهمّ جداً لمتابعة سير الدعاوى في بعض الأحيان. وأقوم حالياً مع بعض الزملاء بتغطية مصاريف رحلاتنا وإقاماتنا على نفقتنا الخاصة، إضافةً إلى الجهد المعنوي الذي نقوم به متنقلين بين عدد من المقاطعات الإسبانية لشرح حقيقة الصراع في الشرق الأوسط».

المؤتمر السنوي في بيروت

وفي سياق الحملات والمؤتمرات المناصرة لحقوق الشعوب، تطرّق عز الدين إلى المؤتمر السنوي للمنظمة والذي عُقد أخيراً في بيروت، بمشاركة شخصيات من الحزب الجمهوري الإسباني وعدد من الشخصيات اللبنانية، موضحاً: «أنّ الهدف الأساسي للمؤتمر كان دعم سورية في هذه المحنة التي تواجهها والهجمة الشرسة التي شنّت عليها لتنفيذ استراتيجية التغيير الجغرافي والسياسي للمنطقة والقضاء على محور المقاومة الذي دعمته ولا تزال بكلّ ما أوتيت من إمكانيات.

وتحدث الناشط الحقوقي عن التحركات التي شارك فيها لدعم القضايا الوطنية من لبنان إلى سورية والعراق، وقال: «خلال غزو العراق شاركت في شكل إعلامي مكثف عبر «كاتالونيا راديو» شارحاً أبعاد الغزو، وكان الشارع الإسباني وقتها مملوء بالغضب من مشاركة حكومته في غزو العراق وخرج ملايين الناس إلى الشوارع حاملين الأعلام العراقية، ولكنّ الحكومة الإسبانية مثل كلّ الحكومات الأوروبية لا تأخذ برأي شعبها في ما تفعل أو تقرّر، ولم يختلف الموقف والقرار الإسباني اليوم بشأن الاعتداء على سورية». وأضاف: «أما بالنسبة إلى مشاركتي في القضايا اللبنانية والسورية، فقد تقدمنا بشكوى أمام المحكمة الدولية ضدّ «إسرائيل» بسبب الانتهاكات والاعتداءات المتكرّرة على لبنان، وأمام محاكم ستراسبورغ لحقوق الإنسان تقدّمنا بشكوى ضدّ تركيا لسرقتها المصانع من حلب خلال الأزمة السورية وكان موكلنا رئيس الغرفة التجارية في حلب. هذا إلى جانب دعوى في ستراسبورغ أيضاً متعلقة بخطف وحجز الحريات لمخطوفي أعزاز وعددهم 11 مخطوفاً اعترفت الدولة التركية بحجزهم من طريق عصاباتها الأمنية».

وأكد عز الدين على مواصلة نشاطه المدافع عن حقوق الشعوب والمناصر لقضاياها، وقال: «ما نقوم به حالياً هو القيام بتجمّعات واعتصامات دعماً للفلسطينيين بمواجهة آلة الاحتلال وهمجيته لتبيان حقائق الأمور في غزة وحجم العنف الذي تعرّض له المدنيون. كما أننا ننظم نشاطات تضامنية مع الشعب السوري والدولة السورية بوجه الهجمة البربرية التي تتعرّض لها من قبل المجموعات التكفيرية التي يمتدّ خطرها إلى كلّ المنطقة في حال نجاح مشروعها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى