تقرير

في مقال للكاتبين سيمون مابون وغرانت هيلم من «مركز السياسة الخارجية» البريطاني، عرض الكاتبان نظرةً تاريخيةً لتأسيس الدولة السعودية الحالية، ودور حركة «إخوان من طاع الله» في تأسيسها، وحاولا إجراء مقارنة بين هذا الأمر، وصعود تنظيم «داعش» في الفترة الحالية، مستشهدين ببعض الأحداث والوقائع التاريخية.

يرى الكاتبان أنه من خلال نظرة تاريخية عميقة للأحداث في شبه الجزيرة العربية، ستكشف تلك النظرة أوجه تشابه مثيرة للاهتمام بين تنظيم «داعش» وحركة «إخوان من طاع الله»، والتي كانت في طليعة تأسيس الدولة السعودية الثالثة، كما أضاف الكاتبان أنه لفهم تنظيم «داعش» بصورة كاملة، فمن المفيد التعلم من دروس التاريخ، وفهم دور حركة «الإخوان» في تأسيس الدولة السعودية الحالية، إضافة إلى حادثة الحرم المكي عام 1979.

لعبت الوهابية دوراً أساسياً في نشأة الدول السعودية الثلاث وتطوّرها، إلى جانب قوة آل سعود واستمراريتهم، تلك القوة التي بلغت ذروتها مع إنشاء الدولة السعودية الثالثة.

إن استكشاف العلاقة بين بيت آل سعود، والوهابية كشف لنا التوترات الكامنة بين سياسة القوة والنفوذ من جهة، والشرعية الدينية من جهة أخرى في المملكة، وهو ما يمكن رؤيته أيضاً كسلاح ذي حدّين، إذ يمكن استخدام الدين كمصدر للشرعية والمعارضة في آن.

يعتبر كثيرون من السعوديين أن كلمة «وهابي» تحمل إهانةً لهم، ويفضلون تسمية أنفسهم بـ«المسلمين» أو «الموحّدين»، على رغم أن النموذج السعودي من الإسلام مستمدٌ بشكل مباشر من محمد بن عبد الوهاب، والذي يمكن وصفه بمؤسس «العقيدة الوهابية» بحسب المقال.

كان محمد بن عبد الوهاب تلميذاً لابن تيمية، الذي أعلن الحرب على التشيّع وأفعال الشيعة التي اعتبرها سلوكاً خارجاً عن الإسلام. استخدم ابن عبد الوهاب مفهوم التكفير ضدّ المسلمين المخالفين لمعتقده السلفي المتشدّد. وأشار الكاتبان إلى استخدام أتباع منهجه للعنف حتى بحق مسلمين يتبعون المنهج السنّي في بعض الأحيان، إلا أنهما أكدا أن آراء المنهج الوهابي الأكثر تشدداً في الوقت الحالي تتعلق بالشيعة ومنهجهم، حيث يرى علماء وأتباع المنهج الوهابي أن الشيعة مهرطقون.

تعود جهود تكوين الدولة السعودية الحالية إلى مطلع القرن العشرين، حينما قام عبد العزيز بن سعود بتوحيد قبائل شبه الجزيرة العربية، قبل أن يشرع في التوسع إقليمياً بحلول عام 1912، كما نجح في تسخير حركة الإخوان، وهي مجموعة من القبائل البدوية ذات النزعة الدينية، إلا أن تلك العلاقة مع الإخوان تعقدت في وقتٍ لاحقٍ مع هدوء التطلعات التوسعية لعبد العزيز بن سعود، والتسامح مع أفعال «مخالفة للإسلام» في الأراضي التي سيطر عليها بحسب رؤية الإخوان.

وفقاً للمقال، شعر عبد العزيز بن سعود بالقلق من تزايد قوة وتأثير الإخوان في تماسك أراضيه، كما اقترنت تلك المخاوف بأخرى بريطانية حول الإخوان. وأشار الكاتبان إلى معاهدة العقير عام 1922، والتي كانت بدايةً لتوتر العلاقات بين عبد العزيز بن سعود والإخوان، والذين شعروا بالغضب نتيجة للتدخل البريطاني، أدّى في النهاية إلى صراع مشتعل بينهما إلى قيام معركة السبلة، والتي تلقى فيها عبد العزيز بن سعود دعماً دبلوماسياً وعسكرياً للقضاء على الإخوان.

في 20 تشرين الثاني من عام 1979، تمكن أكثر من 300 مسلح بقيادة جهيمان العتيبي ـ وهو حفيد أحد مؤسّسي حركة الإخوان ـ من السيطرة على الحرم المكي. حشد العتيبي أتباعه من خلال زعمه بأن هجومه نصرة للمهدي المنتظر، والذي ادّعى أنه محمد القحطاني أحد تلامذة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد أقنعه العتيبي بأنه المهدي المنتظر . بطبيعة الحال، يبدو مثل هذا الادعاء مثيراً للجدل بشدة في المملكة، إذ إن من شأنه التشكيك في بعض الثوابت الإسلامية. وفي السنة نفسها، ازدادت حالة عدم الاستقرار التي تحدت آل سعود في ذلك الوقت مع اندلاع الثورة الإيرانية وتأسيس الجمهورية الإسلامية، وبالتبعية حالة عدم الاستقرار في المنطقة الشرقية من المملكة التي يسيطر عليها الشيعة.

يشير الكاتبان إلى التقديرات الكبرى لأعداد الرهائن والقتلى في تلك الواقعة، والتي نتج عنها مقتل ما يزيد عن ألف شخص، وهو ما يمثل أكبر واقعة مقاومة مسلحة منذ تأسيس المملكة العربية السعودية. يظهر الدعم اللوجستي الذي تلقاه العتيبي في تلك الواقعة إرث تمرّد الإخوان، إذ كان العتيبي قادراً على الحصول على السلاح من خلال أعضاء متعاطفين من الحرس الوطني. ويرى الكاتبان أن ذلك الرابط بين حادثة الحرم المكي، والإخوان يمكن أن نستنتج من خلاله وجود تيار غضب خفي داخل المملكة.

بحسب المقال، كان من شاركوا في غزو الحرم المكي قد ولدوا من رحم جماعة تحمل اسم السلفية المحتسبة، تألفت غالبيتها من الشباب، أكثرهم كان من الطلاب، ومن البدو. تأثرت الجماعة بشدة بشخصيات من أمثال الشيخ الألباني، والذي يتخذ نهجاً قريباً من النهج الوهابي، إلا أنه كان ناقداً للمنهج الوهابي في بعض الأمور، وقد انعكست آراؤه على جماعة السلفية المحتسبة، والتي أصبحت أكثر تشدداً في القضايا الاجتماعية، إذ وصل الأمر لرفضهم إصدار بطاقات الهوية وجوازات السفر على اعتبار أنها تمثل خضوعاً وولاءً لكيان ما من دون الله.

بالنسبة إلى النظام الحاكم في السعودية، تعدّ الشرعية الدينية ركيزة أساسية لبقاء النظام، وهو ما يجعل من ظهور حركات دينية جديدة أمراً مقلقاً. يرى الكاتبان أن ما حرك العتيبي بالأساس كان شعوره بوجوب التصرف أمام الفساد في النظام الحاكم، وقد قرر القيام بذلك من خلال إيجاد المهدي.

صعود تنظيم «داعش»

مع بروز تنظيم «داعش» في صيف 2014، أصبح من الواضح وجود عدد من أوجه التشابه مع التنظيمات التي تناولنا الحديث عنها سلفاً، مثل القتل على أساس الإيمان أو العقيدة، إذ يقوم تنظيم «داعش» بالأساس على تلك الفكرة. في الوقت نفسه، ظهور مثل هذا التنظيم يمثل خطراً شديداً على النظام الملكي، إذ إن ذلك النظام نفسه حاد عن تطبيق الكثير من أساسيات المنهج الوهابي سعياً إلى الحفاظ على السلطة واستقرارها.

يرى الكاتبان أن تأسيس الدولة السعودية جاء من خلال التوسع في استخدام العنف، والذي كان مبرره التخلص من الشرك في العالم الإسلامي من خلال حرب دينية تحت لواء مصطلح التوحيد، وهو ما لا يمكن فصله عما يقوم به «داعش» اليوم، فكلاهما يتبنّى مبدأ الجهاد، واستشهد الكاتبان بكلمات «زعيم» التنظيم أبي بكر البغدادي التي ذكر فيها أنهم يسعون إلى القضاء على الشرك والمشركين في العالم.

بحسب المقال، تقتبس أدبيات التنظيم ودعايته بشكل مباشر من منهج ابن عبد الوهاب. يرى الدبلوماسي البريطاني إليستر كروك أن هدف التنظيم أن يحلّ محلّ آل سعود في إدارة المملكة من خلال الظهور بمظهر الحرص على الدين أكثر منهم. يضيف الكاتبان أن هذا الصراع تحول من صراع أفكار إلى معركة حقيقية، خصوصاً مع وجود ثلاثة آلاف مقاتل سعودي ينتمون إلى تنظيمات مسلّحة خارج البلاد، وخمسة آلاف شخص في الداخل متّهمون بتهم الإرهاب، يضاف إليهم خطر العائدين من الخارج.

نجح «داعش» في تقويض جزء من شرعية النظام السعودي ـ على الأقل في ثلاث مناسبات ـ إذ وصل الأمر إلى إقناع مواطنين سعوديين بقتل أفراد من عائلاتهم ممن يعملون في قوات الأمن. مثل تلك الأفعال توضح مدى وصول رسالة التنظيم في بعض جوانب المجتمع السعودي، ويعني ذلك زيادة عدد الرافضين للسلطة ونظام آل سعود. إضافة إلى ذلك، حاول التنظيم أيضاً توظيف مهاجمته للنظام السعودي في استقطاب أعضاء جدد للتنظيم من مجموعات أخرى، مثل تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية».

يختم الكاتبان المقال بالقول إن التشابه بين صعود الدولة السعودية الحالية، وتنظيم «داعش» أمر واضح، وعلاوة على ذلك، فالتشابه بين حركة الإخوان، وما حدث في حادثة الحرم المكي، وبروز تنظيم «داعش»، كلّ ذلك يعكس بالأساس خطورة استخدام الدين كسلاح ذي حدّين، سواء في السعودية أو المنطقة بشكل عام. وبعيداً عن العواقب الإنسانية، فصعود تنظيم «داعش» يسلّط الضوء على التوترات التي تعاني منها السعودية، وغيرها من الأنظمة التي تسعى إلى استخدام الدين كمصدر للشرعية، وخطورة هذا الأمر الذي قد يقود في النهاية إلى تقويض سيادة أنظمة كثيرة وسلطتها في المنطقة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى