صباحات
صباحات
حلب تنزف لكنّها تكتب التاريخ الجديد بالأحرف. وأحرف حلب دم ونور ونار وصوغ لمعادلات أكبر حجماً وأوسع مدى، وها أقدام المقاومين والجنود تحفر في التراب عميقاً بصمة التاريخ الجديد. والحديث عن الهدنة عمل سياسي لا إخلاءً للميدان ولا توقفاً عن القتال والردّ على النار، بل إعلان نوايا للعالم أننا جاهزون للتوقف لساعات إن امتنعوا عن السعي إلى تحسين مواقعهم وإمدادها وفكّ الحصار عنها وإطلاق النار منها وإلا سقطت الهدنة… وأصوات الاحتجاج على الهدنة هذه الأيام بلا معنى، لأن الهدنة مع تصرّفات المسلحين صارت بلا معنى. فلم ولن يُتركوا يستغلون أحكامها في الحرب بلا ردّ مناسب، والألم للجراحات مشروع، لكنها هذه المرة ليست نزفاً بلا مقابل، بل ثمن تحرير تراب وتحقيق تقدّم وإطباق حصار، فالقصف حال جنون الذين وقعوا في الأفخاخ وصاروا في الأقفاص. وفي النتيجة حلب تنزف وتدمع لكنّها، لأنها حلب، تعرف أن الحقوق من دون الدم والدموع لا ترجع.
نصف جمال عيد الفطر هذه السنة أنّ غالبية الذين يقاتلون لأجل الكرامة والعزّة من جيوش الأمة ومقاومتها كانوا صياماً، والعيد كان لهم ومعهم وبهم.
يا تمّوز، من أيّ عجين تأتي أيامك بالذكريات؟ ففيك رحل أحبّة وفيك تخلّد ذكر عظماء، وفيك الحرب التي غيّرت وجه التاريخ. معك بدأنا بيوم القدس الذي صارت لفلسطين فيه معان للحرب النفسية بحشود تهتف بالموت لـ«إسرائيل» تكبر يوماً بعد يوم على رغم تخاذل المتخاذلين ونفاق المنافقين، وتلته ذكرى رحيل المفكر والأديب المقاوم غسان كنفاني، وذكرى رحيل المرجع الفكري والفقهي السيد محمد حسين فضل الله، فغياب الزعيم القومي أنطون سعاده. وها هي ذكرى حرب المقاومة ونصرها مكلّلة بالغار. تلك كلها ذكريات العزّ فيك ومعك ووقفات تاريخ مفعم بعبق الفكر والمقاومة والبطولة، وصباحاتك محرقة لشدة إشراقها… فإلى حلب حيث يفرغ التاريخ ما في جعبته لتصير حقائق على صحائف الجغرافيا بصفائح العزّ والكرامة.
إذا أحسست بالضيق والتذمّر فاسأل عن درجة حرارة الطقس قبل أن تبدأ نهارك بالسلبية مع أصدقائك. فقد يكون الشعور بالحرّ سبب الضيق وتندم… قيل غالباً ما يختصم الحاقن والحاقب والراكب. فكلّ منهم على عجلة، واحد تأخر عن قضاء حاجة، وآخر ضاق حذاؤه على قدمه، وثالث يهمّ للوصول. فكيف إن كانت رؤوسهم عارية تحت حرارة الشمس؟
العطر المخزون في أنوفنا يسترجع أنفاسه مع التذكّر. فإن أحسست رائحة فوح في ثنايا الرئتين، اعلَمْ أن طيف حبيب أو مرجاً خصيباً قد مرّ بخيالك، وتمهّل قبل أن تطوي الصفحة. فتلك أطيب من العطور بذاتها، لأنها خليط جمالين والعطر جمال واحد.
كيف يصير الغضب والحلم على القضايا ذاتها واللغة ذاتها إن لم يكن الإنسان وصولياً مصلحياً، إلا إذا كان الاستثناء يخصّ حبيياً نجد له الأعذار دائماً.
إسقاط الأمنيات على الواقع يتم بطريقتين، واحدة تفهم الوقائع وتمارس عنادها لنيل الأمنيات، وواحدة تتلاعب برؤية الواقع وتجعله أقرب إلى الأمنيات. فالأولى فعل الثوّار والثانية فعل الكسالى، أو الأولى فعل العشاق والثانية فعل الوصوليين.