قالت له
قالت له
قالت له: هلّا تساعدني في فهم شيفرة الحبّ، كيف نجمع بين أوصاف الحبيب في دواخلنا بصفته الأجمل والأنقى والأعقل، وفي لحظة الغيرة يصير الأبشع والأنذل والأغبى؟ فهل نحن مزاجيون وانتقائيون إلى هذا الحدّ؟
فقال لها: إن الغضب يحتلّ في جهازنا العصبي نقطة الشوق والقبح والجمال كأوصاف نطلقها ليست تقييمات يقيمها العقل إلا لمن لا مشاعر تربطنا معه. أما في حال الشعور، فهي مزاج وليست أوصافاً. والمزاج ملتبس بين الشوق والغضب يذهب بالتطرّف ذات اليمين وذات الشمال. فمن يملك لحظة تنفّس قبل الحكم يفوز بالتحكّم. ومن يقع في التسرّع يحكمه.
فقالت له: وأنت، هل تشاركني هذا المرض؟
فقال: أنا أحبّ أن تكوني المرأة التي تراني اختزالاً لكل الرجال، ولا تصدق عنّي أيّ قول يقال لو جاءها من وساوس النفس أو من وسواس خنّاس أو من فاسق جاء بنبأ قبل أن تتبينوا. ولكنها تملك قدرة الاستغناء والثقة بالقوّة حتى تقول معك ومن دونك سأبقى أنا، وستخسرني مثلما أخسرك. وربما تكتشف بعدي كم خسرت. ولا يحزنني أن أكتشف خسارتي، لأنني لم أبدأ لعبة الافتراق والشكوك.
فقالت: ما تريده حلم مستحيل. فالمرأة مفطورة على الأنا والتفرّد. والرجل مفطور على التعدّد.
فقال لها: ولما يهب الرجل قلبه لامرأة هل يصير أنثى؟ أم يصير شبه إله؟ أم يجب أن يطعن بالشك؟ لأن العادة أن الرجال للتعدّد.
فقالت: وكيف تصون المرأة حبّها وحبيبها؟
فقال لها: بأن تبقى من يجدر بها أن يحبّها، وألا يحبّ سواها. وكل كلام في غير الفرح والحبّ يسقطها بداء النقصان بدلاً من أن يمنحها صكّ الغفران. فالعقلاء يحيون الحبّ ما قدّر لهم، ويرتضون نفاد ذخيرته بسكينة، لكنهم لا يستلذّون اهتلاكه بالسجال والجدال. فيقصر عمره وتهتك عذرية الكلام بينهما وتسقط مهابة كليهما، ويستسهل الواحد في الآخر روح الضغينة، وتصير أمسياتهم وصباحاتهم الفرحة حزينة، ويستصعب الواحد في الثاني الاعتذار، لأن الناس يستسيغون ما يسمّونه الكبرياء، وهو استكبار. ويضيع ليل ويجيء نهار، ويموت ما كان مقدّراً له أن يحيا لسنوات طوال في غفلة البال. فهل تعلّمنا التغاضي والثقة بأن الحاضر أهمّ من الماضي؟
فقالت له: ما تقوله يخفيني كأنك تخفي سقطة وخيانة، أريد اعترافك الآن فيكفيني من كلامك ما أحسسته من مهانة. هلا اعترفت أو تركتني بحالي، ما كنت أدري أنك لا تبالي.
فهزّ رأسه وقال: يا لويلات الحبّ وعداوة العقل! نعم، لقد مرّت في حياتي أمسيات وصباحات ولم أكن قد رأيت عينيك وبريق الفجر فيهما، ولا شفتيك وريح الغجر يروح الضجر من تدانيهما، ويفوح الطيب من تلاقيهما.
فتأرجحت على كتفيه وقالت: سماح على كلّ ما مضى وراح. خذ بيدي واقترب عندي واشبك زندك بزندي، ولنفرح الآن، لدينا مسافة طويلة قبل بلوغ المفترق لأحقّق بهدوء وبرود في ما قلته عن امراة ثانية في لحظة شرود… لا تظنّني نسيت… سأعود.