لبنان على شفير الانفجار الاقتصادي؟

محمد حمية

رغم انشغال الدولة بالاستحقاقات الدستورية والملفات السياسية والأمنية، إلا أن الوضع الاقتصادي والمالي «المقلق» عاد ليطفو على سطح الخلافات السياسية، فتقرير وزير المال الذي ناقشه مجلس الوزراء في جلسته الثلاثاء الماضي أماط اللثام عن الكثير من الخلل المزمن والهدر المتعمَّد في القطاعين المالي والاقتصادي الذي يهدد لبنان بانفجار اقتصادي واجتماعي في ما لو استمرت السياسات الحكومية على حالها ولم تتخذ إجراءات وقائية عاجلة لوقف النزيف في الجسم الاقتصادي.

فإلى متى ستتمادى الحكومة في إغفال هذا الجانب الهام في معيشة المواطن واستقراره الاجتماعي؟ وهل سيستمر الاتكاء على الاحتياط النقدي في المصرف المركزي كأحد أهم ركائز الاستقرار الاقتصادي والمالي وإهمال القطاعات الأخرى كالصناعة والزراعة؟ في ظل تراجع السياحة والخدمات الى حده الأدنى؟ وماذا لو استمرت الأزمة «السياسية» بين لبنان ودول الخليج ومدّدت تلك الدول فترة مقاطعتها للبنان سياحياً ومالياً واستثمارياً؟ وإلى متى سيستمر الإنفاق من دون موازنة منذ العام 2006؟

يؤكد خبراء اقتصاديون أن «الوضع الاقتصادي صعب ومقلق وكل المؤشرات تشهد تراجعاً ملحوظاً بسبب تعطيل المؤسسات الدستورية، فضلاً عن الأجواء المضطربة في المنطقة وتداعياتها السلبية على لبنان الذي يشهد تراجعاً في النمو وحركة السياحة والخدمات والاستثمارات والميزان التجاري والصادرات وجموداً في القطاع العقاري أما المؤشرات الاجتماعية، بحسب الخبراء، فهي غير إيجابية لا سيما زيادة نسبة البطالة والفقر وتراجع الحالة المعيشية والاجتماعية، كارتفاع كلفة الرعاية الصحية ما سيزيد حجم المعاناة للمواطن اللبناني ويضع لبنان على شفير الانفجار الاقتصادي».

ويشير الخبراء لـ «البناء» إلى أنّ «مبلغ 11 مليار دولار هو عبارة عن تجاوزات ومخالفات قانونية ودستورية في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، أيّ إنفاق من خارج الموازنة، وبالتالي يُعتبر هدراً من خزينة الدولة، ويدعو الخبراء إلى إقرار مشروع لقطع حساب للعام 2015 ومن ثم إقرار موازنة العام 2017 وموازنات السنوات الماضية، وعلى المجلس النيابي الموافقة على موازنة الـ2017 بعد إحالتها إليه من الحكومة على أن يرفق لاحقاً بشكل استثنائي مشروع قطع حساب العام 2015».

ويرى الخبراء أن «تقرير الوزير علي حسن خليل يعرض صورة واضحة عن صعوبة الوضع الاقتصادي والمالي ويطلق تحذيرات للقوى السياسية، وإن يكن الوضع تحت السيطرة الآن، لكن إذا لم تتحرك القوى السياسية على خط تفعيل المؤسسات لا سيما الحكومة والمجلس النيابي فستكون الأوضاع أكثر خطورة في المستقبل». ويشددون على أن «الرواتب والأجور من النفقات المالية الإلزامية للدولة المفترض تأمينها إضافة إلى خدمة الدين العام هي التي تعتبر نفقات دائمة ولها الاولوية، ويدعون إلى إقرار سلسلة الرتب والرواتب 1000 مليار ليرة لتحرك العجلة الاقتصادية». ويلفتون إلى أن «النازحين السوريين أرهقوا مؤسسات الدولة نتيجة كلفتهم الباهظة على الخزينة العامة في ظل الإمكانات الضعيفة للبنان وندرة المساعدات الدولية، فضلاً عن خسارة الايرادات المتأتية من السياحة الخليجية في لبنان بسبب الازمة السياسية مع لبنان».

وتميز مصادر وزارية «بين الوضع الاقتصادي وبين الوضع المالي الذي تشوبه ثغرات، لكن بشكلٍ عام هو قائم وصامد والركيزة الاولى له هو القطاع المصرفي والبنك المركزي في ظل تراجع القطاعات الانتاجية منذ العام 1990». وهذا ما يؤكده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الذي أكد أمس أن «الليرة اللبنانية حافظت على قدرتها الشرائية رغم كل الظروف وتحسنت مقابل العملات الأوروبية والعملات العربية غير النفطية».

أما على الصعيد الاقتصادي، فتلحظ المصادر في حديث لــ «البناء» «تراجعاً تاماً في الاستثمارات وتحسّناً في قطاع البناء، أما التجارة فهي بحالة يرثى لها، أما الاستهلاك فقد تمكنت الحكومة في السنتين الماضيتين على لبننة الاستهلاك الداخلي الذي بات يشكل مئة في المئة من الانتاج المحلي الاجمالي». وتشدد المصادر على أن «من عرقل إقرار الموازنات في الاعوام الماضية هو عدم إعداد مشروع لقطع الحساب منذ العام 2005 بسبب الخلافات السياسية»، وترى أن «الحكومة لا تستطيع معالجة الازمة بسبب الخلافات التي تعصف بها على أبسط الملفات والقضايا، فكيف على صعيد الملف الاقتصادي والمالي؟».

ويذكّر وزير الاقتصاد المستقيل آلان حكيم بالخطة الاقتصادية التي قدمها خلال وجوده في الوزارة لتحسين الوضع الاقتصادي لكن لم يأخذ بها مجلس الوزراء. ويشدد حكيم في حديث لـ «البناء» على أن «الاقتصاد يعتمد على ثلاثة مقومات، الثقة والاستمرارية والاستقرار الاجتماعي والمقومات الثلاثة مفقودة في لبنان»، ويدعو حكيم الحكومة الى «تحسين شروط الاستثمار الداخلي لجذب الاستثمارات الخارجية»، ويحذر من «عدم إقرار الموازنة ويأسف لإقدام المجلس النيابي على التمديد لنفسه ثلاث مرات». ووصف حكيم كلام وزير المالية الذي دعا في تقريره إلى فرض ضرائب جديدة على الطبقات الغنية وعلى قطاع المصارف بـ «الهرطقة»، ويعتبر أن «الحل بتحسين الجباية العادية وتنقية الإنفاق».

وفي السياق، تذكر أوساط «تيار المستقبل» بأن الرئيس فؤاد السنيورة، وخلافاً لما قاله وزير المال أرسل موازنات السنوات التي تولّى فيها رئاسة الحكومة الى مجلس النواب 2006-2007-2008 إلا أن الرئيس نبيه بري رفض تسلمها، وموازنة العام 2009 وصلت الى مجلس النواب، لكنها لم تُناقش وموازنة 2010 نوقشت جزئياً، ومنذ 2010 لم تُرسل أي موازنة الى المجلس».

مصادر لجنة المال والموازنة تعلّق على هذا الكلام بالقول لـ «البناء» أن «موازنة الـ2010 نوقشت كاملة على فترة 5 أشهر واستغرقت مئة اجتماع للجنة المال والموازنة، لكن لم تحوّل الى الهيئة العامة»، وتؤكد أن «حكومة السنيورة أحالت موازنات 2006 و2007 و2008، لكن المجلس النيابي لم يناقشها لاعتكافه آنذاك بسبب الخلاف السياسي».

أما آخر موازنة أقرها المجلس النيابي، بحسب المصادر نفسها فكانت في العام 2005 وبعدها جرى الإنفاق على القاعدة الاثنتي عشرية. وعام 2014 في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي طلب وزير المال حينها محمد الصفدي تشريع زيادة الإنفاق بقيمة 8900 مليار.

وتشير المصادر إلى أن «لجنة المال والموازنة النيابية تنتظر مجلس الوزراء ليرسل إليها مشروع الموازنات لدراستها وتحويلها الى الهيئة العامة لا سيما موازنة العام 2017»، وتوضح أن «اللجنة المختصة التي عينها وزير المال تملك كل الأرقام عن الإنفاق عن كل السنوات وعلى أساسها يتم قطع الحساب».

وتوضح أن «المال موجود لدى وزارة المال، لكن تشريع إنفاق هذا المال غير موجود ما يتطلب من المجلس النيابي إقرار قانون لتشريع مزيد من الإنفاق، لان التشريع الذي تم في حكومة ميقاتي لم يعد كافياً بل سيصرف على الوزارات والجيش والأشغال، الأمر الذي يتطلب تشريعاً جديداً في شهر أيلول المقبل لسد رواتب وأجور موظفي القطاع العام وإلا سنكون أمام أزمة رواتب وأجور».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى