واشنطن تحرّك أذرعها «اياباً»
روزانا رمّال
لا يزال الإعلان عن خوض حرب دولية بحجم تلك التي خيضت من أجل التغيير في سورية مؤشراً أميركياً نحو تغيير ضروري، ارتأت الإدارة الأميركية الشروع في تعبيد الطريق أمامه عملاً بمبدأ الحرب نفسها التي حيكت من أجل التخلص من حزب الله عام 2006، فبات «الإسرائيلي» غير قادر على استكمالها ففاجأ واشنطن التي ظنّت انه قادر على التخلص من الحزب بسرعة، خصوصاً أنّ التخطيط للحرب كان استباقياً وقد أعدّ له بحرفية عالية بين بنك اهداف وتقنية، إضافة لظروف عربية ودولية وفرتها واشنطن لإنجاح العملية واذ بتل ابيب تصرخ قبل تحقيق الهدف المنشود لتضغط واشنطن على إطالة أمد الحرب فصارت 33 يوماً حتى انتفضت القيادة «الإسرائيلية» لبلوغها الخط الأحمر لدى الجبهة الداخلية المحلية فتوقفت الحرب بالقرار 1701 الأممي.
مجدّداً استخدمت واشنطن حلفاءها من اجل التخلص من الرئيس السوري بشار الأسد وضغطت باتجاه التفرّغ لكلّ ما تطلبه المعركة عربياً وأوروبياً من دون أن تواجه أي مشكلة او اعتراض. فهي لا تزال تعتبر العصب العسكري والاقتصادي بما تشكله عملتها كأساس ومقياس دولي للتعامل المالي «الدولار» ككتلة ضخمة لا يتخطاها بديل. بالتالي فانّ الشروع الاوروبي تحديداً للتوجه نحو سورية بالاهداف نفسها جاء تقيداً بسلسلة اتفاقات بين أميركا واوروبا تلزم على اساسها كلّ المنظمات المشتركة بين أمنية وسياسية وعسكرية مثل الناتو الانتباه الى انّ انتهاكها هو اهتزاز لعمق العلاقة بين الطرفين ومستقبلها.
دخلت اوروبا الحرب السورية مع إيمان كامل بنجاعة الخطة الأميركية، خصوصاً انّ المؤشرات في كلّ من تونس ومصر بداية الربيع العربي كانت تدلّ على ان شيئاً غير قادر على ردّ القدر نفسه عن سورية بالتالي، خصوصا انه كان من المفترض ان تحمل عبرها خط امداد نفطي يمرّ بتركيا حتى أوروبا، فتجد دولاً تعاني عجزاً مالياً مقلقاً مثل فرنسا وبريطانيا ضالتها. كلّ هذا لم يحصل وصرخت اوروبا باكراً جداً من دون أن تبالي واشنطن التي طلبت تمديداً للازمة وضخت سلاحاً متطوراً جداً وخلقت تنظيماً «كداعش» الذي يعتبر حديثاً نسبة لعمر الأزمة السورية، بالإضافة الى ضخّ مالي خليجي من اجل بث المزيد من الامل والثبات الأوروبيين مشكلين الذراع الأميركية على الارض، فلوحظ في معارك سورية «كالقصيْر» مثلاً قتلى فرنسيين من ضباط ومستشارين وآخرين من جنسيات أوروبية مختلفة.
فاجأت روسيا العالم ودخلت الحرب السورية فانهارت القدرة الأوروبية على المكابرة والاستمرارية ونسفت موسكو بوقت قياسي كلّ المخططات الاقتصادية الغربية في سورية.
أخذت واشنطن الاتحاد الأوروبي بخططها العسكرية في الشرق الاوسط بين ليبيا وسورية نحو الانهيار المتوقع، فكانت لندن اول العواصم التي تصوِّت للخروج منه مع ما يعنيه ذلك من سياسات امنية وعسكرية مشتركة، فتغيّر منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، ايّ «اقل من شهر»، الكثير من المواقف وتتكشف انعطافات جدية اوروبية غربية نحو سورية.
سياسياً: وفد أوروبي برلماني زار العاصمة دمشق وتحدث مع الرئيس السوري بشار الأسد حول أهمية متابعة مكافحة الارهاب والتنسيق بين كلّ القوى الدولية، وهي خطوة لافتة جداً من البرلمانيين الغربيين ليتبعها انفتاح فرنسي على حزب الله بلقاء عقده وزير خارجيتها جان مارك إيرولت مع مسؤولين في حزب الله، بعدما كان الحزب رأس حربة القتال في سورية بالنسبة للغرب. كلّ هذا يتبعه موقف تركي لافت اكد على ضرورة العمل على حلّ الخلافات مع الجوار مثل سورية ومصر والعراق.
عسكرياً: يتحدث تقرير لـ «واشنطن بوست» المقرّبة من الادارة الأميركية عن دعوات واشنطن للتنسيق بين روسيا وبينها من اجل قتال الإرهاب في سورية، تحديداً داعش. من جهة أخرى يؤكد مدير الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان أنّ الهجمات التي وقعت في السعودية في الآونة الأخيرة تحمل بصمات تنظيم داعش، مشدّداً على أنّ داعش يمثل تهديداً خطيراً جداً داخل السعودية ما يعني دعوته غير المباشرة السعوديين نحو قتال هذا التنظيم او بالحد الأدنى رفع اليد عن أيّ دعم سعودي مباشر له، وإلا فانّ نظام المملكة سيكون بخطر. وبين التحذير والتهديد المبطن لا يزال الاهمّ الموقف الفرنسي بشأن «جبهة النصرة» الذي يشكل بيت قصيد المعركة واتجاهها.
بقي ملف تصنيفات الجماعات المسلحة لوقت كبير عالقاً بين اعتدال ومعارضة وارهاب. وكانت واشنطن وموسكو على خلاف واضح يعيق العملية السياسية في سورية، تحديداً اجتماعات جنيف. فجبهة النصرة التي تريد موسكو محاربتها كانت بالنسبة للأميركيين ووسائل اعلام خليجية تعتبر «معارضة مسلحة»، فيما كانت روسيا تعتبرها احد اجنحة حزب العدالة والتنمية الذي يدعمها التنظيم ويؤمن لها ما تحتاجه لوجستياً وعسكرياً. وبين هذا وذاك لا يخفى انّ الدعم الرسمي يعود للادارة الأميركية التي تدير معركة التصنيفات مباشرة. اليوم يطالب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، من وارسو، كلّاً من واشنطن وموسكو بأن «تستهدفا في غاراتهما فصائل متطرفة أخرى مثل جبهة النصرة».
واشنطن التي كانت قد رفضت عرضاً روسياً بهذا الإطار في شهر ايار الماضي تترجم اليوم تراجعاً كبيراً في الموقف الفرنسي الذي لا يمثل الا الذراع الأميركية الأوروبية والتي تمهّد لافتتاح مرحلة التنسيق الروسي الأميركي الجدي.
هكذا تتراجع واشنطن عبر أذرعها الاقليمية والدولية «فرنسا تركيا» وترسل رسائل المرحلة المقبلة الى سورية والعالم.