في نيس سقطت سياسة باريس
ناديا شحادة
يبدو أن أوروبا، تلك «القارة العجوز»، قد دخلت نفقاً مظلماً مع الإرهاب، فبعد «جمعة باريس» الدامية وتفجيرات بروكسل، جاءت حادثة دهس شاحنة حشداً من المواطنين خلال احتفالهم بالعيد الوطني بمدينة نيس الفرنسية، حيث وقع الحادث في شارع بروميناد دي انغلي الشهير في نيس اثناء اطلاق الالعاب النارية وأسفر عن مصرع 84 قتيلاً حصيلة مؤقتة وإصابة العشرات، وذلك بعد ساعات من إعلان الرئيس هولاند أنه لا حاجة لمد حالة الطوارئ في البلاد، والتي كان مقرراً انتهاؤها بحلول السادس والعشرين من تموز الحالي قبل أن يمدّها لثلاثة أشهر أخرى.. عملية مدينة نيس التي جاءت بعد أشهر معدودة من التفجيرات الإرهابية التي ضربت قلب أوروبا وطالت أبرز عواصم دولها، التي دعمت ما يُسمّى بالربيع العربي الذي استهدف الدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية تحت عباءة الحرية والديمقراطية ليمزقها وينشر الفوضى فيها من خلال الجماعات الإرهابية التي انتشرت وانتقلت بسرعة إلى تنفيذ استراتيجية نقل عملياتها العسكرية إلى تلك الدول وبالتحديد إلى عمق الدول التي تشارك في التحالف الستيني الذي يحاربها بقيادة الولايات المتحدة، وليختار هذا الإرهاب العابر للقارات فرنسا مجدداً، لتكون مسرحاً لجرائمه التي سيخلدها الفرنسيون لزمن طويل بسبب قصر نظر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند الذي كان طرفاً في إشعال فتيل الإرهاب في سوريا في محاولة للتخلص من النظام السوري. فباريس وكذلك لندن وجميع الدول التي دعمت العصابات المسلحة في سورية لديها مشكلة مع الدور السوري المزعج في المنطقة، حسب رأيهم. وهذا ما أكد عليه الرئيس السوري بشار الأسد في في مقابلته مع صحيفة «فرانكفورتر الغيميني تسايتونغ» الألمانية، مضيفاً أن هذه الدول تبحث أن إمّعات ودمى تنفذ مصالحها من دون اعتراض ونحن رفضنا أن نكون كذلك، منوهاً على أن تسليح تلك الدول للإرهابيين سيرتدّ عليها..
فالمشكلات التي تواجهها أوروبا اليوم من الإرهاب والتطرف إلى موجات اللجوء، سببها تبني بعض قادة الغرب سياسات لا تخدم مصالح شعوبهم، وخاصة عندما قدّم هؤلاء القادة الدعم والغطاء السياسي للمجموعات الإرهابية في سورية، وهذا ما أكد عليه الرئيس السوري بشار الأسد مجدداً خلال لقائه وفداً من البرلمان الأوروبي برئاسة نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان خافيير كوسو في 10 من الشهر الحالي..
يؤكد المراقبون على أن أوروبا التي وصلها الإرهاب، اقتربت من استكمال ما يمكن أن نطلق عليه عقد أوروبا الضائع، حيث باتت الآن تواجه أصعب اللحظات في تاريخها، فالدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي فقدت الإرادة لإيجاد حلول مشتركة للمشاكل التي يمكن حلها على مستوى الاتحاد الأوروبي الذي يواجه خطر التعرّض للتمزق نتيجة أزمة اللاجئين وانتشار الإرهاب، حيث كتبت صحيفة الفيغارو الفرنسية بتاريخ 12 آذار من هذا العام أن أوروبا تتفكّك من الداخل بعد أن حاصرها الإرهاب والحروب. الزعماء الأوروبيون ضعفاء ومنقسمون وغير قادرين، كما يبدو على وضع رؤية ذات مصداقية.
القارة الأوروبية باتت الآن بعد الحادثة التي شهدتها مدينة نيس الفرنسية التي باتت بالأمس مهددة بأخطار عدة في مقدمتها الإرهاب، وكذلك أزمة اللاجئين، حيث تشهد موجة هجرة غير مسبوقة من بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبر البحر المتوسط بسبب انتشار الفوضى والإرهاب في تلك الدول جراء دعم الغرب وبعض الدول العربية للتنظيمات الإرهابية المسلحة بكل الوسائل وتغاضيها عما تقوم به من جرائم في المناطق التي تنتشر فيها، بالإضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة على بعض الدول العربية الأمر الذي أدى لازدياد هجرة السكان المدنيين إلى بعض الدول الأوروبية.
فبعد ما يقارب 60 عاماً من التكامل الأوروبي، أوروبا تدخل عصر التفكيك ويجتاحها الإرهاب، ليكون بذلك الاتحاد على حافة الهاوية بسبب سياسة زعمائه. تلك السياسة التي كانت سبباً في مشاهدة جثث القتلى تملأ شوارع نيس والجيش الفرنسي يتدخّل وينصب الحواجز ويفتش المارة والشرطة الفرنسية تطلب من الفرنسيين التزام منازلهم، بعد تمديد حالة الطوارئ..