تركيا: تجنّس اللاجئين وتتحصّن ضدّ إرهابيين ساهمت في صناعتهم
د. هدى رزق
اتخذت ردود الأفعال على اقتراح الرئيس أردوغان تجنيس اللاجئين السوريين الطابع العنصري الصريح في الداخل التركي. بلغ خطاب الكراهية ذروته على وسائل التواصل الاجتماعي.
ركزت التساؤلات على السبب الذي يدفع أردوغان الذي كان بالأمس يبتزّ أوروبا بمسألة اللاجئين إلى إقرار منح الجنسية لللاجئين، في وقت رفض إعطاء الجنسية لأتراك من القوقاز والبلقان. اقترح البعض إعطاء تركيا للاجئين حق التعليم اللائق والسكن والعمالة والحماية القانونية عوضاً عن الجنسية، فعدد اللاجئين الذين يسكنون المخيمات الرسمية هو 256.000 فقط من أصل 2 مليون يعيشون في مساكن الإيجار من مالهم الخاص. ولم يتقدّم للتعلم سوى 38 في المائة فقط من أطفال اللاجئين وفقاً «لمنظمة العمل الدولية».
يعتقد حزب الشعب الجمهوري أنّ أفضل ما يمكن أن تفعله تركيا هو التخلي عن سياساتها التي تحرّض على الحرب في سورية، ودعم الجهود للتوصل إلى حلّ، لأن عودة اللاجئين إلى ديارهم تتطلب وضع حدّ للحرب. وبالرغم من أنّ هناك بعض الأخبار عن تليين أردوغان موقفه بشأن سورية، إلا أنه لا توجد مؤشرات على جديّة الموضوع بل بالونات اختبارية لغاية الآن، لكن ما هي العوامل التي شجعت أردوغان على اتخاذ مثل هذه الخطوة؟
تقول بعض الأوساط المعارضة إنّ أردوغان يرى في اللاجئين السوريين كتلة من المصوّتين المحتملين هناك أكثر من مليون من المؤهلين للتصويت وهذا الأمر يمكنه تغيير التوازن السياسي في البلد. ويعتقد البعض أنّ معظم هؤلاء اللاجئين، سيصوّتون لصالح الحزب الحاكم الذي يعطي لهم الحق في الجنسية بدلاً من دعم أحزاب المعارضة التي ترفض تجنيسهم.
هو يحاول أن يصطفي المتعلمين والمتموّلين والمعارضين الإسلاميين الذين لن يعودوا إلى سورية، في حال لم تكن التسوية لصالحهم مئة بالمئة وهذا مستحيل، لأنّ أيّ تسوية لن تراعي حقوق أيّ طرف كما يشتهي. ليس من الواضح حتى الآن إذا كان يمكن لأردوغان تحقيق النتائج المرجوة فيما تقف جميع أحزاب المعارضة ضد هذا الاقتراح، لأنها ترى إنّ الشواغل الإنسانية بعيدة عن اقتراح أردوغان، وترى أنّ لدى الحكومة اعتبارات سياسية لأنّ استطلاعات الرأي الأخيرة، أظهرت انخفاضاً شاملاً في الأصوات المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، على الرغم من أنّ اردوغان بحاجة إلى الناخبين الجدد من أجل تحقيق طموحاته الرئاسية.
فشعبيته تناقصت بما يزيد الـ4 ، وهو يريد إضعاف خصومه لا سيما حزب الشعوب الديمقراطي الذي زادت شعبيته.
ترى كلّ من المعارضة التركية والناخبين في حزب العدالة والتنمية إنّ اللاجئين السوريين يشكلون حملاً ثقيلاً على الميزانية الوطنية، إذ تتفاقم بوجودهم مشكلة البطالة الحادة في تركيا.
لكن أردوغان لا يبدو قلقاً. بل أعلن أنّ المساكن التي بنتها «إدارة تنمية الإسكان في» الحكومة قادرة على استيعاب اللاجئين، وهو يحاول تهدئة الإسلاميين والمحافظين بعد استئناف علاقاته مع «إسرائيل» وروسيا بإعطاء الأولوية لاحتياجات اللاجئين لكن الأمر يلهب غضب معظم الأتراك. وفيما تنشغل الأوساط السياسية والشعبية في هذا الموضوع. تبدو استعادة العلاقة مع مصر ما دونها صعوبات، لا سيما أنّ المطلب الرئيسي لمصر السيسي هو تغيير سياسة تركيا اتجاه الإخوان، مع أنّ الحكومة التركية أغلقت بعض المحطات الإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين. وهناك مصادر تراهن على أنّ تخفيف الأحكام على الإخوان المسلمين في مصر يمكن أن يقترن بتخفيف حدة التوتر مع تركيا، وبالرغم من أنّ الحركة التجارية ناشطة بين الطرفين تبقى عقدة الرئيس السيسي هي التدخل السافر لتركيا في الشأن المصري واعتباره من قبل أردوغان انقلابياً وغير شرعي. بيد أنّ انخراط تركيا في الحرب على «داعش» يمكنه أن يعيد التنسيق بين البلدين لمحاربة الإرهاب، فأنقرة الآن مشغولة التفكير في طرق التعامل مع عمليات التوغل «الداعشي» في قلب العاصمة بعد الهجوم على مطار أتاتورك. وهي بدلاً من وضع استراتيجية شاملة ومتكاملة للتعامل مع التطرف السلفي تقارب المسألة فقط من منظور الأمن الجنائي لمكافحة الإرهاب. فبعد هجوم المطار 28 حزيران، اعترفت أنقرة بالخطر المحدق بها. لكن السؤال هو حول ما إذا كانت قد تأخرت. لكنها وضعت أهدافاً للحدّ من تنقل مقاتلي السلفية الإرهابية الأجانب في تركيا وهي تتعقبهم. فالإرهابيون في تركيا لا يعتمدون اليوم على الشبكات المحلية، كالتي استخدمت في انقرة قرب محطة القطار في هجوم 10 تشرين الأول/ أكتوبر2015 الذي أسفر عن مقتل 107 أشخاص، أو تفجير سروش الانتحاري في تموز عام 2015 الذي قتل 34 شاباً وشابة من نشطاء السلام، أو الهجوم الذي طال تجمع لحزب الشعوب الديمقراطي في ديار بكر في 5 حزيران 2015، وأدّى إلى مقتل خمسة أشخاص. لأنّ «داعش» يدرك اليوم أنّ السياسة التركية قد تغيّرت وأنّ الحكومة قرّرت القتال ضدّه وضدّ التطرف السلفي الجهادي الذي استعمل في الحرب على سورية والعراق، وأنّ أجهزة الأمن التركية حسّنت المراقبة والتتبّع لشبكاتها في تركيا، وتحوّلت إلى قتال الإرهابيين الأجانب.
لم يكن أحد في تركيا يولي اهتماماً كبيراً لما كان يقوم به الاوزبكيون أو الشيشانيون في تركيا، فهم لم يتأثروا بـ«الهجرة الجهادية» إلى سورية والعراق حتى هجوم المطار، طالما أنّ هؤلاء كانوا يقاتلون ضدّ النظام وضدّ وحدات حماية الشعب في سورية، وكان هناك تسامح وتسهيل من أجهزة الأمن التركية.
تعمل تركيا اليوم جاهدة للحدّ من تنقل الإرهابيين الأجانب والقبض عليهم، لأنهم اليوم في هجرة عكسية يسعون إلى العودة مع أسرهم إلى تركيا، فهي الآن أصبحت البلد الأول المهدّد جديّاً بهذه الهجرة العكسية. أدركت أنقرة متأخرة أنها ستصبح هدفاً. في الوقت الذي يتمّ فيه النقاش حول ضرورة إنهاء الحرب في سورية نهاية العام 2016.
لذلك تمّ التصديق على الاقتراح الرامي إلى توفير الحماية القانونية للجنود الذين يشاركون في عمليات مكافحة الإرهاب لتمكين القوات المسلحة التركية من المشاركة في عمليات في المدن، مما سيزيد من سلطة الجنود المشاركين في العمليات الأمنية ضدّ المجموعات المدرجة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.